هل يجب أن نعلم كل شيء؟!.. سؤال يطرحه ويجيب عنه عي الذايدي

زاوية الكتاب

كتب 551 مشاهدات 0


عالم اليوم

بلا عنوان  /  الآخرون هم الجحيم

علي الذايدي

 

هل يجب أن نعلم كل شيء؟
هذا هو سؤال المليون.
تمهيدا لفكرة المقال فأنا أذكر أنني عام 1994 ذهبت من بيتي في الجهراء إلى محل بيع أشرطة فيديو في السالمية ودفعت مبلغا يعتبر قياسيا في ذلك الوقت وهو 18 دينارا لشراء شريط فيديو مدته نص ساعة فقط عن حوادث الطيران، لأنني أحب الإثارة ولقطات الخطر.
وأذكر أنني أعرته لأكثر من 10 أصدقاء كانوا يحجزون بالدور لكي يشاهدوه.
الشاهد من كلامي هذا أن مصادر الأخبار كانت شحيحة في سنوات مضت، وكانت نشرة الأخبار الرئيسية هي المصدر الوحيد لمعلوماتنا في ذلك الوقت.
أما اليوم فلدينا اليوتيوب الذي حصر كل ما نرغب في مشاهدته بضغطة زر، وبكل الزوايا والجهات واللغات، فلم يعد هناك حماس لمشاهدة مقاطع حوادث وغرائب وعجائب كنا في زمن مضى ندفع الأموال الطائلة ونوصي أصدقاءنا الذين يدرسون في الخارج لإحضارها لنا عند عودتهم من أمريكا أو أوروبا.
ولذلك أكرر سؤالي في بداية المقال:هل يجب أن نعلم كل شيء؟
لعقل الإنسان قدرة محدودة للتعامل مع أحداث الحياة اليومية، وكمية سعة الذاكرة لدينا لم تعد تستوعب ذلك الكم الهائل الذي تأتي به لنا أجهزتنا الذكية التي اختصرت كوكب الأرض بكامل محيطه في جهاز لا يتعدى حجمه قبضة اليد.
كما أن التواصل أصبح أسهل، وكل من يريد العثور عليك سيجدك، عند اتصاله، أو عندما يقرأ تغريدة حديثة لك في تويتر، أو بقراءة آخر ظهور في الواتساب، فأصبح اعتزال الناس ولو مؤقتا شيئا من الخيال.
يقول الفيلسوف جان بول سارتر مقولة قد تكون قاسية وفيها شيء من المبالغة ولكنها واردة جدا هذه الأيام وهي»الآخرون هم الجحيم»
وهو لا يقصد بالتأكيد اعتزال الناس بشكل نهائي، ولكن أحيانا يجب التقاط الأنفاس والبعد عن الآخرين مؤقتا، ولكن أجهزة التواصل الحديثة لم تترك لنا خيارا، فأصبحنا في تواصل دائم مع الآخرين، فازدادت الضغوط النفسية، وأصبحنا نشكل عبئا اجتماعيا هائلا على بعضنا البعض.
حادث قطار في الهند، سقوط جسر في تركيا، انفجار محطة وقود في روسيا، بلطجية في مصر، مفخخات في العراق، دماء وأشلاء في سوريا، حوادث سرقة وقتل ودهس من كل أنحاء العالم تأتي إليك مباشرة من موقع الحدث، فهل يجب أن نعلم عن كل هذه الأمور؟
كل تلك الأمور تزيد من سوداوية وتشاؤم الناس في نظرتهم إلى الحياة، فالضغوط الحياتية بدون هذه الأمور هائلة لوحدها، فكيف لو زدنا عليها كمية المعلومات التي تحضرها لنا هواتفنا الذكية والتي جعلتنا نعيش في جنون لا يفهمه حتى المجانين.
شخصيا أفكر فعليا في التخلص من هاتفي الذكي واستبداله بجهاز «أبو تريك» والذي لا تتعدى مهامه استقبال مكالمة وبدء أخرى، فلم يعد في عقلي طاقة لاستيعاب هذا الجنون الكوني.

عالم اليوم

تعليقات

اكتب تعليقك