خليل حيدر يكتب: لهذه الأسباب انهار ' تاريخ الـ 500 عام الإخواني'!
زاوية الكتابكتب إبريل 29, 2014, 1 ص 943 مشاهدات 0
الوطن
طرف الخيط / الإسلاميون سبقوا 'فوكوياما'
خليل علي حيدر
عُرف عن الأديب الفيلسوف الفرنسي «فولتير» دفاعه عن الحرية، وادراكه مبكراً لأهمية التعددية الدينية والثقافية.
يقول فولتير: «لو كان هناك دين واحد في انجلترا لكان طغيانه مروعاً، ولو كان فيها دينان اثنان فقط، لدمّر احدهما الآخر، غير ان هناك فيها ثلاثين من الأديان، ولذا فإنها تعيش معاً بسلام ووئام».
تبدو هذه الثقافة غريبة تماماً بالنسبة لنا في العالم الاسلامي رغم اعتراف الاسلام بالمسيحية واليهودية مثلاً، وربما بأديان أخرى. ولكن الهدف الأمثل في الثقافة الدينية الاسلامية الشائعة، ان يسود في النهاية دين واحد، وتنصهر كل الملل والأديان والمذاهب في دولة واحدة.
فكر الجماعات الاسلامية كمثال، قائم على اساس انزال هزيمة ماحقة بكل الافكار والعقائد المنافسة، والامساك بمقدرات المجتمع على كل صعيد، وتحويله الى «مجتمع ورع»، أو «نظام اسلامي» واحد، لا يسمح لأي تيار او جماعة مختلفة خارجه.. وربما داخله!.
من أهم اسباب توتر علاقة العالم العربي والاسلامية بالحضارة الحديثة والعالم المعاصر، ان ثقافتنا ثقافة تفوق.. لا ثقافة اندماج.
انها ثقافة تفتقر الى القناعة الداخلية الذاتية بالرغبة في أن تكون جزءاً من كل، ورافداً لنهر عظيم، وتصر على أن تكون الرأس والمنبع والمجرى والمصب. وهي فوق هذا ثقافة لا تتصور ان الزمن قد سبقها، وان فواتير تخلفها باهظة، وان عناصر قوتها لم تعد حاسمة حتى لو ثبت انها مؤثرة، وانها قد تكسبها معركة هنا واشتباكاً هناك، ولكن النصر الشامل بعيد المنال.
ان اقوى تيار شعبي معارض، يسعى نحو تغيير العالم العربي هو بالطبع التيار الديني وما نسميه عادة بالاسلام السياسي او الأصولية او الصحوة، او غير ذلك. غير ان هذا التيار يبدو متماسكاً زاخراً بالقدرات والحيوية ما دام في المعارضة، وفي عالم الشعارات. فهو يحلم بمجتمع لا مكان فيه تقريباً لكل ما تعاني منه المجتمعات العربية اليوم، يقوده كما تقول كتبه «جيل قرآني فريد»، ولا يلتفت الا في اقل القليل الى الثقل الهائل للسلبيات. يقول الفرنسي «جان توشار» في كتابه «تاريخ الأفكار السياسية»، دمشق 1984، إن من القصص ذات الدلالة «حكاية النحل» لماندفيل Mandeville، «فإذا نظرنا الى خلية نحل وقد اصبحت فيها النحلات فاضلة وقنوعة، ومتقشفة ومحسنة، انها لكارثة. والنتيجة هي ان عيوب الأفراد حسنة من اجل المجتمع وان اثرة كل واحد شرط لازدهار المجتمع». (ج 2، ص55).
ان كتب الاسلاميين تتحدث عادة عن «الإسلام» و«المسلمين»، تاركة الحديث عن «المصريين» و«الجزائريين» و«الليبيين» و«الكويتيين» و«اليمنيين» و«الباكستانيين» وغيرهم للكتب الأخرى والصحف والمجلات. فكم عدد المسلمين اليوم خارج اطار اوطانهم وما تصبغهم به من سمات وما يواجهون فيها من تفاصيل الواقع؟
يقول احد الفرنسيين عن عموم البشر: «لا يوجد ابداً انسان في العالم لقد رأيت في حياتي فرنسيين وايطاليين وروساً، وإلخ.. أما بخصوص «الإنسان»، أعلن اني ما صادفته في حياتي بتاتاً، فإن وجد، فذلك حقاً بلا علمي»!.
وقد يسبح الفكر الاسلامي المتحمس بعيداً، فيعلن ان «وطن المسلم عقيدته». وهكذا كان الأمر في الماضي مع الأديان الأخرى وربما حتى مع الحركة الشيوعية عندما اعلنت بأن «العمال لا وطن لهم». وكان للنزعة القومية الألمانية خصوصيات منها الايمان بأن لألمانيا رسالة تستطيع وحدها تحقيقها! عندما تفكك المعسكر الاشتراكي بعد 1989، وانتهت «الثنائية القطبية» الدولية، واصبحت الولايات المتحدة الدولة العظمى الوحيدة في العالم، ظن بعض مفكري أمريكا والغرب، وعلى رأسهم «فوكوياما» ان ما نسميه التاريخ العالمي قد انتهى، وان الصراع الدولي قط بطُل، وان المرحلة القادمة مرحلة تهيمن فيها الديموقراطية والليبرالية والقيم الغربية والمصالح الأمريكية ربما الى الأبد! فمن سيصارع الولايات المتحدة؟ ومن سيناقش الكتلة الغربية؟
وما إن بدأ القرن الحادي والعشرون حتى برز الارهاب الدولي وثارت الصراعات القومية والاثنية وتفاقمت مشاكل البيئة بالتلوث والتصحر وارتفاع حرارة الكرة الأرضية، وبرزت مختلف الأزمات في «الكتلة الغربية» نفسها.. وبدت هيمنة أمريكا والليبرالية بعيدة المنال!
وكان الاسلاميون قد سبقوا «فوكوياما» في القول بأن تاريخ العالم وصراعاته سينتهيان بوصول الإخوان الى الحكم وهيمنة تصوراتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية على العرب والمسلمين وسائر البشرية. فكتب د.يوسف القرضاوي في كتاب «الإسلام.. حضارة الغد»، سنة 1995، يقول في مقدمته: «نحن المسلمين نخاف على هذه الحضارة، ويهمنا أن نستبقي خيرها، وان نتفادى شرها، ولن يكون ذلك إلا من خلال الرسالة الحضارية التي يحملها المسلمون للعالم، وهي رسالة ربانية انسانية اخلاقية، تتميز بالتوازن والتكامل. اننا لا نريد ان نهدم الحضارة المعاصرة، وانما نريد ان نحميها من نفسها، وان نقدم لها طوق النجاة.. إننا وحدنا نملك البديل، وهو الاسلام» (ص 7-6).
وبالطبع، لم يكن د.القرضاوي يدرك جيداً واقع الكثير من التوازنات العربية والدولية، وتجاهل الكثير الأكثر من مشاكل العالم العربي و«الحل الاسلامي»، الذي قدمه لعلاج مشاكل مجتمعات العولمة البالغة التقدم والتعقيد في هذا القرن، ورأى فيه «حلاً نهائياً» لمشاكل البشرية، متصوراً مثل بقية الاسلاميين ان «الحل الاسلامي» سينجح على الصعيد الواقعي والدولي نجاحه في الكتب وعلى أوراق البحوث واشرطة الفيديو والكاسيت والانترنت. وان الأفكار الشمولية، كنظرية الاخوان الاسلامية، ستنجح وتكتسح لمجرد أنها «وسطية ومعتدلة ومُرضية»، لكل اطراف الصراع، بالطبع في تصور الاخوان.. والكثير من العرب والمسلمين.
ولهذا انهار «رايخ الـ 500 عام الإخواني»، خلال اشهر من قيامه، على يد ملايين المسلمين المصريين الذين أغرقوا شوارع القاهرة في احتجاجات غامرة وثورة عارمة على خطوات «الأخونة» و«التمكين» و«الأسلمة»، بعد أن أمسكوا بحكم مصر عام 2012.
تعليقات