عن نقل الآداب الفارسية إلى العربية!.. يكتب وليد الرجيب
زاوية الكتابكتب إبريل 26, 2014, 12:51 ص 642 مشاهدات 0
الراي
أصبوحة / الشاهنامة
وليد الرجيب
أصبت بخيبة أمل وأنا أقف أمام قبر بطل الأبطال في الشاهنامة «رستم» والذي يُسمى بالفارسية «نقش رستم» المحفور في أعلى الجبل في شيراز، وذلك عندما سألت صديقي الإيراني الضليع بالتاريخ الفارسي والإيراني:
- هل رفات رستم موجودة في هذا القبر؟
ابتسم صديقي قائلاً:
- لا يوجد رستم حقيقي، وإنما هو من نسج الخيال.
كان ذلك في منتصف التسعينات بمدينة شيراز عاصمة إمبراطورية فارس الثقافية، والتي يوجد بها «تخت جمشيد» مقر الحكم وقبور عظماء ملوك الفرس، ومركز الإمبراطورية الفارسية التي امتدت إلى أصقاع الأرض.
بالطبع كنت أعلم أن الأساطير هي حقائق صغيرة نُسجت حولها حكايات كبيرة، ولكن شغفي بالأساطير جعلني أتناسى هذا الأمر متمنياً أن تكون كلها حقيقة، وأتذكر أنني بدأت هذا الشغف وقراءة الأساطير في سن الثانية عشرة، بل قرأت الإلياذة عشرات المرات من مصادر مختلفة، واكتشفت أن معظم ما نقل إلى العربية كان اختصارات وصياغات تبتعد عن النصوص الأصلية، قرأت كل ما وقع تحت يدي من ملاحم، الإلياذة والأوديسة وجلجاميش وشمشون وشذرات متفرقة من الشاهنامة، وحكايات مثل شيرين وفرهاد وعنترة بن شداد، وكنت أحفظها كلها عن ظهر قلب، وهذا ساهم في بناء واتساع خيالي الحكائي منذ نعومة أظافري، بل هي ما شجعني على القراءة وجعلها حاجة وإدمانا نبيلا، لدرجة أني كتبت بحثاً باللغة الإنكليزية قبل أكثر من عشر سنوات تحت عنوان «الإيحاء في الأدب العالمي»، مستعيناً بما أتذكره من الملاحم والأساطير، قدمته في مؤتمر ببريطانيا حول استخدام الحكاية أو «المجاز» في العلاج النفسي.
وحتى هذه اللحظة ما زلت أحكي لأحفادي مثلما حكيت لأولادي بطولات أخيليس وأودسيس وهكتور وآغا ممنون وعنترة، وأضيف إليها من خيالي لأجعلها مشوقة لهم، وأردد على مسامعهم أسماء زيوس أبو الآلهة ونبتون وهرقل وأثينا وديونيسيس والوحوش والأهوال التي واجهوها مثل ميدوسا ذات شعر الثعابين، وما زلت أزور كل الآثار المتعلقة في ذاك الزمان في أي بلد كان.
وكنت في غاية السعادة عندما أهداني المجمع الثقافي في أبو ظبي قبل سنوات نسخة كاملة ومنظومة شعراً للإلياذة التي كتبها هوميروس، ولكن قبل ذلك قرأتها باللغة الإنكليزية حتى أكتشف الحقائق والتفاصيل التي لم تذكرها النسخ العربية ذات الترجمة الرديئة، وعندما وجدت الطبعة الأولى للشاهنامة التي جمعها الفردوسي من مجموعة قصص وأساطير للملوك، والتي أصدرتها دار سعاد الصباح، اعتبرت أنني وقعت على كنز ثمين. ورغم أني وجدت تشابهاً كبيراً بين جميع الأساطير والأبطال مما ينفي حقيقتها على أرض الواقع، إلا أن عقلي ظل عقل ذاك الطفل الذي تعلق بالأساطير وصدقها، وقادني ذلك الشغف إلى قراءة معظم الأساطير التي كتبها البشر في الحضارات القديمة من أوغاريت إلى حضارة الآشوريين والبابليين والفراعنة وثنائية أوزسيس وأزوريس المتكررة تقريباً في كل الحضارات.
والملاحم هي حكايات شفاهية منظومة شعراً تُغنى قبل أن تدوّن، ولذا فما ينقل شفاهة من فم الحكواتي يتغير ويكبر وتضاف له الكثير من الخوارق والمبالغات، شأنها شأن كل الحكايات المنقولة شفاهة إلى يومنا هذا، فكل إنسان ينقل عن آخر حكاية ما يزيد عليها أو يزوّقها أو يجعلها بشعة حسب بنائه الخيالي وموقفه، من هنا تأتي أهمية اكتشاف التدوين عند البشر، لكن ما يجمع هذه الملاحم والأساطير هو العبر والحكم التي تحويها وقيم الخير والشر والحق والباطل في ثناياها، ومن هنا أكتشفتْ القيمة العلاجية من مجازات الحكاية.
مناسبة ما كتبته في هذا المقال، هو أنني تلقيت هدية كريمة هي الطبعة الثالثة من الشاهنامة التي أصدرتها دار سعاد الصباح، والتي قدّمت خدمة جليلة من خلال نقل الآداب الفارسية إلى العربية، وهو ما تفتقر له المكتبة العربية، دون أن نغفل دور مؤسسة البابطين وسلسلة إبداعات عالمية بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في هذا المجال، ولا ننسى دور الترجمات المصرية لعمر الخيام وبروين اعتصامي والعديد من الأشعار والآداب الفارسية، حيث كانوا سباقين في هذا المجال.
فشكراً لدار سعاد الصباح ولكل من فتح نوافذ وشيّد جسور التواصل الثقافي بين الشعوب والأمم.
تعليقات