شيخ وتاجر!!

زاوية الكتاب

فيصل المناور والعهد السياسي خلال حكم الراحل عبدالله السالم

كتب 4771 مشاهدات 0

د.فيصل المناور

تعليقاً على مقال د.أحمد عقلة العنزي المنشور في تاريخ 27 مارس 2014 بجريدة بعنوان 'محاكمة عبدالله السالم'، الذي حاول من خلاله الكاتب إثبات فرضية 'أن دستور الكويت الصادر عام 1962 ما هو إلا ثمرة تحالف مصلحي بين أسرة الحكم وطبقة التجار، ونتج عن هذا التحالف إقصاء وتهميش باقي المكونات والعناصر الشعبية الأخرى في المجتمع الكويتي، بل قام بترويضها وجعلها تتكيف مع ذلك الواقع الذي فرضه ذلك التحالف، لتكون بذلك أحد الأدوات المستخدمة في تعزيزه وتأكيده.

في البداية لابد من الإشارة إلى تناول الكاتب لموضوع غايه في الأهمية يتعلق بتدوين تاريخ الكويت السياسي الذي لم يكن في معظم الأحيان مبني على أسس منهجية وعلمية سليمة، بل - على حد وصف الكاتب- هو عملية تجميل وتلطيف لذلك التاريخ من خلال صناعة أبطال وهميين لم يكن لهم دور إلا في تحقيق بعض المصالح السياسية (كحماية كرسي الحكم) والتجارية البحته (كالربح المطلق)، حيث دلل الكاتب ذلك بالعديد من الحقائق والأدلة والبراهين.

ويحب التنويه في هذا الصدد لأمر أختلف فيه مع كاتب ذلك المقال (محاكمة عبد الله السالم) حول وصفه أنها من 'أسوء الحقب التاريخية التي مرت بها الكويت'. قد يكون ذلك من الجانب السياسي الذي اتفق معه، ولكن بنفس الوقت شهدت تلك الحقبه العديد من الإنجازات على مستوى تأسيس البنية التحتية للدولة، وتشكيل الكيان الإداري، وإنشاء الجامعة، والتوسع العمراني، والمستشفيات، وبناء مدارس جديدة، والتركيز على النهوض بالمرأة من خلال إلزام الأسر بتعليم الفتيات، وغيرها من إنجازات التي أرست مظاهر الدولة الكويتية الحديثة، وحتى لو كان المستفيد الأول منها التجار من حيث ترسية المناقصات أو الفائدة الربحية من جراء تنفيذ تلك المشاريع، ولكن لا يجب أن ننكر أنها عادت بالخير والمنفعة على المواطن الكويتي بشكل عام.

وما لفت انتباهي تناول الكاتب لتهميش قطاعات شعبية واسعة في عملية المشاركة الفعلية أو الحقيقية في صياغة دستور 1962، وهذا ما سأحاول مناقشته في السطور القادمة.

علي أن أعترف بأنني مؤمن بعقيدة راسخة إن دستور دولة الكويت هو دستور نخبوي أو بمعنى أصح هو دستور شيخ وتاجر... وإقطع. تمت صياغته بين طرفي المعادلة السياسية التي كانت وما تزال مستمرة (أسرة الحكم، وطبقة التجار)، وبالرغم من أن الدستور ينص على أن 'الكويت دولة ديمقراطية، والسيادة فيها للأمة، ويؤكد على فصل السلطات، والمشاركة السياسية هي الأساس، وغيرها من المبادئ التي تقوم على المبادئ الديمقراطية'، إلا أن الممارسة الفعلية على أرض الواقع تعكس مدى ضعف الإلتزام بتلك المبادئ التي يمكن وصفها بالشكلية المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية.

فواقع الأمر يقول أن المشكلة ليست في النصوص المكتوبة 'مع التأكيد على تناقضها في متن وثيقة الدستور في بعض الأحيان' وإنما في عملية تطبيق تلك النصوص وتنفيذها على أرض الواقع وجعلها قيم رئيسية وأساسية في عملية التفاعل السياسي في إطار تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، فبالعودة إلى المعايير التي تحكم النظم الديمقراطية نجد أبرزها 'سيادة وحكم القانون، الفصل بين السلطات، التعددية، التمثيل، الانتخابات العامة، المشاركة السياسية'.

وفي ضوء ذلك؛ دعنا عزيزي القارئ نسقط تلك المعايير على الحالة الدستورية الكويتية كي نعي واقعنا الديمقراطي من خلال مجموعة من المؤشرات المتعارف عليها دولياً (وفق آخر بيانات متاحه) والتي تجعلنا نقف على حقيقة الديمقراطية في الحالة الكويتية، وذلك على النحو التالي:

أولاً؛ مؤشر الحرية للحقوق السياسية: وهو مؤشر يقيس مدى القدرة على اختيار الحاكم بشكل عام، سواء كان الرئيس أو رئيس وزراء، وكذلك السلطة التشريعية، وقد حصلت الكويت وفق هذا المؤشر على 4 درجات فقط من أصل 7 درجات (وهي درجة تمثل الحد الأدنى من الحرية) مما يجعلها تقبع ضمن تصنيف الدول الحرة ولكن بدرجة متدنية -جزئياً- (مؤشر بيت الحرية- منظمة Freedom House).

ثانياً؛ مؤشر الحرية للحقوق المدنية: وهو مؤشر يقيس مدى تحرر المواطن من سلطة الحكومة، وتشمل الحريات المدنية، والتعبير، والاعتقاد، وتنظيم التجمعات، وحكم القانون، واستقلالية الفرد، والحقوق الاقتصادية، وقد حصلت الكويت وفق هذا المؤشر على 5 درجات فقط من أصل 7 درجات (وهي درجة تمثل الحد الأدنى من الحرية) مما يجعلها تقبع ضمن تصنيف الدول الحرة بدرجة متدنية -جزئية- (مؤشر بيت الحرية- منظمة Freedom House).

ثالثاً؛ مؤشر الديمقراطية والمساءلة: وهو مؤشر يقيس مدى تطبيق معايير الديمقراطية ومستوى فعالية المساءلة في أي دولة، وقد حصلت الكويت وفق هذا المؤشر على 05 درجات من أصل 100 درجة، مما وضعها ضمن مجموعة الدول التي صنفت بالمتدنية أو الضعيفة (مؤشر الدليل الدولي للمخاطر القطرية-Prsgroup ICRG).

رابعاً؛ مؤشر الحاكمية: وهو مؤشر يقيس مستوى فاعلية وكفاءة إدارة الحكم، ويتكون من مؤشرين فرعيين هما 'اختيار ومحاسبة وتغيير الحكومة، ومقدرة الحكومة وكفاءتها' وقد حصلت الكويت على درجة (0,50-) أي أنها درجة سلبية علماً بأن أعلى درجة (2.5) موجبة، مما جعل الكويت تصنف ضمن الدول المتدنية (مؤشر الحوكمة - البنك الدولي).

خامساً؛ التعبير والمساءلة: وهو مؤشر يقيس مستوى حرية التعبير وفعالية المساءلة في أي بلد كان، وقد حصلت الكويت ضمن هذا المؤشر على درجة (0,5-) أي أنها درجة سلبية، علماً بأن أعلى درجة (2.5) موجبة، مما جعل الكويت تصنف ضمن الدول المتدنية (مؤشر الحوكمة- البنك الدولي).

يضاف إلى ما سبق طرحه من مؤشرات، والتي بينت الواقع المزري للديمقراطية الكويتية والتي يتباها بها البعض المغيب عن الحقائق والبراهين. أو ممن سلموا عقولهم للسلطة في إطار ما يعرف بتقييد العقول واستعبادها. بعض الحقائق الأخرى المتعلقة بقبول فرضية تهميش المكونات الشعبية في عملية صياغة الدستور والعملية الديمقراطية بشكل عام؛ بدليل غياب ما يعرف بعملية الاستفتاء الشعبي، والتي تمثل وتؤكد في محصلتها أن السيادة للأمة، فكيف يتم إقرار دستور ينظم علاقة الحاكم بالمحكوم، في ظل عدم الأخذ برأي المحكوم، وهي عملية تمثل أحد أهم الدعائم الأساسية في العملية الديمقراطية وعقد العقود.

كما أن الشعب لا يختار حكومته التي تدير شئونه سواء الحياتية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية وغيرها.

إضافة إلى غياب الأحزاب والتنظيمات السياسية التي تعتبر الحاضن الرئيسي للتوجهات والأنشطة السياسية للشعب، وهي كذلك من أهم مظاهر وأساسيات العمل الديمقراطي، وهي أيضاً أحد القنوات الهامة في مجال المشاركة الشعبية في الحياة السياسية لأي بلد يخضع للمنهج الديمقراطي في إدارة شئونه.

كما أنه من الواضح بشكل جلي أن مبدأ الفصل بين السلطات ما هو إلا حبر على ورق في دستور 1962 (الكويتي) ولك عزيزي القارئ ان ترجع للباب الرابع من الدستور لكي تعي ما أقول.

أضف إلى ذلك العملية المستمرة التي تقوم بها السلطة لضرب مختلف التيارات السياسية والإجتماعية بعضها ببعض من خلال تقريب بعض التيارات السياسية والقوى الاجتماعية لحضيرتها واستبعاد البعض الآخر بحسب المواقف أو الحالة التي تكون عليها الساحه السياسية، مما جعل تلك التيارات والقوى عبارة عن أدوات تستخدمها السلطة كل ما دعت الحاجة إلى ذلك، مما أضعف من قوة تأثير تلك التيارات والقوى في مواجهة السلطة، وأنتج لدينا معارضة يمكن وصفها بالصورية.

إن تلك المؤشرات والحقائق قد تثبت لك مدى تهميش قطاعات واسعة من الشعب في المعادلة السياسية في دولة الكويت، وأن الديمقراطية الحقيقية هي التي تضمن حرية الفرد في اختيار ما يناسبة وما يطمح إليه في ظل احترام جميع الآراء من مختلف المكونات الشعبية، وهذا ما يغيب عن الحالة الكويتية. إن دستور وديمقراطية الكويت ما (هو/هي) إلا دستور وديمقراطية تجار وشيخ فقط لا غير (وإقطع)، وأن المكونات الشعبية الأخرى ما هي إلا أدوات يستخدمونها لتحقيق مصالحهم المتبادلة سياسياً واقتصادياً. لذلك استطيع أن أقول في ضوء ما سبق إن الديمقراطية الكويتية هي ديمقراطية تم تصميمها وإقرارها وإنتاجها بحسب أجندتهم (شيخ، وتاجر)، وبذلك همشت باقي المكونات والعناصر الشعبية الأخرى، مما أفقد الديمقراطية الكويتية أدنى المعايير التي قام عليها مفهوم الديمقراطية السليم.

وفي ضوء ما سبق، إن هذا المقال لا يعدو إلا كمحاولة للإجابة عن تساؤلات تطرح بين الحين والآخر على الساحة السياسية في دولة الكويت منها؛ لماذا وبعد اكثر من خمسين عام لم يتم تعديل الدستور؟ ولماذا لم تسعى القوى السياسية إلى تعديله طوال تلك الفترة؟ ولماذا لم تحاول السلطة القيام بطرح مبادرات للإصلاح السياسي قائمة على إجراء بعض التعديلات الدستورية من أجل التطوير والتحسين للحالة العامة وزيادة المشاركة الشعبية في إتخاذ القرار وتطوير الحياة السياسية؟!

إن الإجابة على كل ما سبق من تساؤلات يكمن في أنهم (شيخ، وتاجر) لا يرغبون في إجراء أي تعديلات دستورية أو حتى تطوير للحياة السياسية، لأن المنتج الحالي (الدستور) يحقق مصالحهم التي تسير كالسكين الساخنه في قالب الزبده. أما باقي القوى السياسية والاجتماعية فهي بلا حول أو قوة (ولم/ ولن) تسطيع من طرح مشروع جدي للإصلاح والتطوير والتعديل متفق عليه حتى الآن.

وذلك يفسر عدم وجود أي مبادرات يبزغ منها النور في النفق المظلم الذي نسير فيه، كما أن السلطة غالباً ما تقوم بمبادرات (مناورات) تهدف من خلالها إلى تعزيز وتقوية ذلك التحالف (شيخ، وتاجر) إذا ما تعرض لإهتزاز لإبقاء الحال كما هو عليه لتسير الرياح بما تشتهي سفنها، أما عن المشاركة الشعبية وتطور الحياة السياسية فهي مشاريع لا وجود لها في قامس (الشيخ والتاجر).

ولا يسعني في آخر هذا المقال إلا ان أشكر د.أحمد عقلة العنزي كاتب مقال (محاكمة عبدالله السالم) الذي بالفعل فتح آفاق واسعة في تحليل حالة الحياة السياسية الكويتية.

د.فيصل المناور
أكاديمي كويتي

الآن:رأي- د.فيصل المناور

تعليقات

اكتب تعليقك