ألا تستحق تجارب 'الديموقراطية الغربية' وقفة؟!.. خليل حيدر متسائلاً
زاوية الكتابكتب إبريل 2, 2014, 1:07 ص 852 مشاهدات 0
الوطن
طرف الخيط / للهنود واليهود.. فقط!
خليل علي حيدر
الديموقراطية، يقول بصراحة الزميل عبدالله ناصر العتيبي في صحيفة الحياة، لا تصلح للعرب «ديموقراطية الفرد العربي غير جاهزة الآن، والدليل نتائجها الكارثية في العراق ولبنان وفلسطين والكويت الى حد ما. الفرد العربي مازال مغيباً في جحيم الجماعة. والجماعة لا يمكن أن تتحدث بصوت الفرد حتى وان ارادت. الشعوب، كما قال حاكم عربي، غير جاهزة للديموقراطية مازال أمامنا عشرات الأعوام لنتحول للديموقراطية الكاملة. هذا الكلام صحيح مئة في المئة».
الزميل العتيبي، الكاتب السعودي، يواصل التحليل فيقول: «العرب في الوقت الراهن غير قادرين على اقامة ديموقراطيات خالصة على النسق الغربي، وذلك لسبب بسيط، وهو ان الفرد في الغرب يمثل اساس البناء في التشريعات والأنظمة والأخلاقيات كافة، بينما لا وجود للفرد العربي. القبيلة او المنطقة او الطائفة او الفكرة التاريخية مستبدلة دائماً بالفرد، مجبراً او مختاراً. الفرد مائع في اناء المجموعة، لا ملامح له ولا صوت ولا حضور».
هناك شرط مادي كذلك لنجاح الديموقراطية الكاملة، فهي تشترط ايضا «وجود حد أدنى من الحال المادية والمستوى التعليمي لمتوسطي الناس، وتلزمنا لاختراع الفرد العربي المكتفي مادياً وتعليمياً اعواما طويلة من عمليات الاصلاح للأنظمة الاقتصادية والتربوية» (2013/1/28).
كلام الاستاذ ناصر العتيبي فيه الكثير من الصحة والمنطق ولكن لا الاقتصاد ولا التربية في العالم العربي سيشهدان اي تحسن جذري شامل بدون الشفافية والادارة النظيفة واعادة تخطيط التربية وهذه اهداف لا تتحقق بدون الديموقراطية، فهل نبدأ من البيضة أم الدجاجة؟
ثم ان دولة كالهند، على ما بها من فقر وجهل وتخلف وضعف في الطبقة المتوسطة، سارت منذ عام 1947 في درب «الديموقراطية الغربية» وقيمها الدستورية والحزبية ولا تزال، ولم تنتظر «اعداد الشعب الهندي» وتجهيزه للحفل الديموقراطي والتخرج السياسي، فمثل هذا الاعداد والتجهيز لن يحدث ولم يحدث في أي مكان وربما كانت الديموقراطية كالسباحة، لا بد أن يلقى الإنسان وسط الماء العميق ليستخدم كل النصائح والتوجيهات النظرية! فهل يقر الزميل «العتيبي» أن الهنود، بعد هذا النجاح الديموقراطي، أفضل سياسياً من العرب؟
الكثيرون شككوا ولا يزالون في صلاح الديموقراطية لشعوب العالم العربي، أو نجاح العرب في المسار الديموقراطي. نفس هؤلاء الكتاب والمفكرين العرب يغضبون ويزيدون ان صرح احد الغربيين او احد المستشرقين بأن الديموقراطية لا تصلح للعرب! ويغضبون ربما أكثر إن قال هؤلاء إنها لا تصلح للمسلمين! فلماذا إن تركنا العربي لحاله، وعلى سجيته، قال بصراحة أن «الديموقراطية لا تصلح لي ولا اصلح لها».
قبل اعوام، كتب د.سامي محمود ذبيان، وهو مؤلف من لبنان، كتاباً في نفس الاطار، بعنوان «شقاء الديموقراطية في الوطن العربي»، بيروت 1997، جاء فيه:
«ان المقترع في اي بلد عربي، ايا كان تطوره وعلاقته بالغرب او بمراكز التحديث، يصوِّت لعائلته، للمرشح الذي اختارته العائلة، ان يتحرك الى الغرفة السرية للاقتراع بمنطق جمعي وجماعي ومجتمعي واحد يكاد يكون عقلاً جمعياً. هذا العقل هو الذي يستبد برأي الفرد الذي يقال عنه انه يمارس حرية الاختيار في الانتخاب، ولكنه في الواقع يمارس حرية تقع داخل فسحة العائلة وما أملته وتمليه عليه». ويضيف د.ذبيان: «هذا كله جعل الديموقراطية في الوطن العربي شقية وتسببت ايضا بشقاء المجتمعات العربية نفسها». وينتهي د.ذبيان الى نتيجة مماثلة بأن يقول للغربيين وللديموقراطيين، لكم دينكم ولي دين: «ان الدعوة ملحة لأن يترك للمجتمعات العربية والاسلامية، ولكل المجتمعات الشبيهة لها، أمر بلورة انظمتها وصياغة حياتها، بما لديها من معطيات يعتبر القفز فوقها كارثة لهذه المجتمعات وسبباً لشقائها. هذه الدعوة يجب أن تكون أمراً لا نقاش فيه، وكذلك يجب ان يكون النظام الانتخابي للديموقراطية وغيرها من معطيات التراث الغربي موضوعاً قابلاً للنقاش في فائدته، بدل تحويله أمراً مسلماً به وخارج دائرة النقاش» (ص 34.14).
العرب اذن في ورطة. فتخلف تطورهم الاقتصادي والاجتماعي يعيق تطورهم السياسي، وفشلهم في تحديث سياساتهم يعمق الفساد والتخلف والاوضاع المتردية.. فهي دائرة مغلقة لا خروج منها!
احد الصحافيين الغربيين تساءل في صحيفة «فايننشال تايمز»: لماذا طريق الديموقراطية غير سهل؟ وناقش في مقال نشرته «الوطن» 2014/3/8 الأوضاع، فقال اننا نعلم ان الديموقراطية التي تستند الى حق الاقتراع تبقى نبتة حساسة، خاصة في سنواتها الأولى، فالديموقراطية نظام ناعم ومعقد من وجوه عدة ولعبة غير طبيعية. هناك الآن مائة دولة ديموقراطية، اي ضعف عددها عام 1990، بينما لم يكن هناك اي بلد ديموقراطي عام 1800، كما تراجع عدد الأنظمة الفردية من حوالي تسعين نظاماً عام 1990 الى عشرين فقط اليوم، لكن هناك زيادة لسوء الحظ من حوالي عشرين الى أكثر من خمسين في عدد الأنظمة غير المستقرة وغير الفعالة والفاسدة. «وهذا النوع من الأنظمة يتحول بالنهاية إما الى حكومات سلطوية متدهورة إو الى ديموقراطيات فاشلة».
وهكذا، فلم يكن الاستاذان العتيبي ود.ذبيان على خطأ تماماً إذن ماهي العوامل التي تعزز الديموقراطية الناجحة المستقرة؟ يتساءل نفس الصحافي «مارتن وولف».
الرد المختصر يقول، ان الديموقراطية تحتاج الى اربعة معطيات: الأول وجود مواطنين لا يندمجون فقط في الحياة العامة بل ويقبلون ان يكون ولاؤهم للمصالح العامة كذلك لا الخاصة. وعلى هؤلاء كذلك ان يقبلوا شرعية الحكومة التي يشكلها خصومهم، وألا يستخدم عامة المواطنين العملية السياسية للقضاء على قدرة خصومهم في العمل بسلام، كما ان عليهم تقبل شرعية الخلاف وحتى الاحتجاج الصاخب مع استبعاد الاستخدام العنيف من المعارضة.
والمعطى الثاني ان الديموقراطية بحاجة الى «حراس» و«أوصياء» يتولون مناصب سياسية وادارية وقانونية وعسكرية، وما يميز هؤلاء انهم لا يستغلون مناصبهم لمنافع مادية شخصية، فيرعون نموها ونضجها.
والثالث ان الديموقراطية كي تنجح تحتاج الى الاسواق الناحجة التي تضمن الازدهار والرخاء، «كما ان وجود مجتمع قادر على ضمان مستويات معيشية معقولة وآمنة سوف يكون عندئذ مجتمعاً مستقراً، تسود الثقة بين مواطنيه وفي مستقبلهم الاقتصادي».
والرابع، احتياج الديموقراطية الى «قوانين مقبولة». فالدولة التي تفتقر الى حكم القانون تقف عادة على نحو دائم على حافة السقوط في دوامة الفوضى او تنتهي بالانزلاق الى جحيم الطغيان. ومن الواضح ان الديموقراطية ليست مجرد مشاركة في التصويت، يضيف، بل هي «شبكة معقدة من الحقوق والواجبات والنظم الكابحة، وهي لن تكون ديموقراطية مالم تكن اداة تعبير سياسي لمواطنين احرار يعملون معاً من اجل الصالح العام».
الهند ليست الوحيدة التي نجحت في تطبيق «الديموقراطية الغربية» منذ الاستقلال عام 1947، فكذلك نجحت رغم كل ظروفها القاسية اسرائيل منذ 1948! ألا تستحق هذه التجارب وقفة؟
تعليقات