المرأة ليست مجرد مادة للتنكيت والاستظراف.. سعدية مفرح مؤكدة
زاوية الكتابكتب مارس 17, 2014, 12:48 ص 713 مشاهدات 0
القبس
خليكِ في مطبخك يا حرمة!
سعدية مفرح
تتجرأ إحدانا، نحن النساء، فتكتب رأيها في قضية سياسية معينة، ليأتيها الرد التقليدي المستظرف غالب؛ «أنتِ خلّيكِ في مطبخك»، أو «عشّي عيالك بالأول وبعدين تكلمي بالسياسة»، أو «دعي السياسة للرجال، وانشغلي بالكتابة عن الماكياج والأزياء». وعندما يريد أحدهم أن يضفي على تعليقه مسحة دينية شرعية تذكر ذلك الجزء المقتطع من الحديث الشريف معزولا عن مناسبته وسياقه: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً»!.
هؤلاء، وهم كثر، لا يرضيهم أن السياسة في الراهن الواقعي، خصوصا على الصعيد العربي، هي حكر على الرجال تقريبا، وحسب، بل انهم يريدون حتى حق إبداء الرأي في الشئون السياسية يبقى حكرا على الرجال أيضا. فلا تنطق امرأة إلا بما هو مرسوم لها سلفا، ولا تكتب ولا تقول إلا في إطار نسوي غالبا ما يتخذونه ذريعة للتندر والاستظراف. أي أنهم حتى وهم يحاولون حصر تفكير المرأة في المطبخ والأزياء وأدوات الزينة، فإنهم يفعلون ذلك وهم ينظرون لهذه المجالات نظرة فوقية لا تتناسب وأهميتها فعلا في حياتنا ككائنات بشرية بغض النظر عن أجناسنا. فالمطبخ سبة وعار، والاهتمام بالزي والزينة مدعاة للسخرية، أما إن أرادوا تجاوز الأمر قليلا تحت وطأة ادعاء الثقافة والتمدن لجأوا لحيلة معلوماتية مستهلكة ايضا، فتذكروا أن أشهر مصممي الأزياء والطباخين في العالم هم من الرجال أيضا لا من النساء.
حسنا.. ماذا يريدون إذن؟ لا يسمحون للنساء بالمشاركة الحقيقية في شؤون البلاد والعباد وبما يتناسب مع أعدادهن وقدراتهن ورغباتهن واستعداداتهن ومستوى تعليمهن، ولايرضون عنهن حتى وهن يستسلمن لمنطقهم الذكوري الظالم فيكتفين بمطابخهن، حيث يتحولن، في تلك الحالة، الى مجرد مادة للتنكيت والاستظراف، ثم إنهم يمتعضون منهن وهن يمارسن أبسط حقوقهن فيبدين آراءهن في ما يقرأن وما يشاهدن وما يعايشن.
والغريب أن الانفتاح الشعبي والجماهيري على ممارسة الحقوق في ما يتعلق بإبداء الرأي في القضايا العامة لم يغير في الأمر شيئا، بل إنهم ساهموا في مفاقمته. ولعل استقراء بسيطا لردود أفعال أغلبية الرجال على ما تكتبه النساء في مواقع التواصل الاجتماعي، التي أصبحت ميدانا مفتوحا لآراء الجميع في العالم كله، يجعلنا نتأكد من الواقع المرير. فكل تغريدة في تويتر، على سبيل المثال، تكتبها امرأة حول أي قضية عامة من القضايا التي تشغل بال الأمة بأسرها تجد في الردود عليها من يدعوها للعودة إلى المطبخ بدلا من الانشغال بما يحدث في مصر أو سوريا، وكأن المرأة لا تستطيع أن تكتب تلك التغريدة التي لا تستغرق منها سوى ثوان قليلة، وهي تنتظر نضوج صينية المعكرونة بالبشاميل في الفرن.. مثلا!
إن الكثير من هذه الردود الرجالية البالية يتبناها في تويتر رجال غالبا ما ينهزمون في النقاش الجاد فيلجأون لما يظنونه الجواب المسكت لأي امرأة، متبوعا بأيقونة تمثل وجها من وجوه الأجهزة الذكية وهو يمد لسان السخرية. وبعضهم يلجأ لتلك الردود حتى وهو قادر على النقاش ويملك أدواته، لمجرد أن من يناقشها امرأة لا تستحق، من وجهة نظره، أن يتناقش معها بشكل جاد، حول قضية جادة، مدخرا حججه وجدله ليجابه به رجلا آخر. أما المرأة فيكتفي بالنقاش معها حول الطعام أو الأزياء أو ربما في أحسن الأحوال حول الدراسة أو الجمعيات الخيرية. وإن أراد أن يبدو متحضرا ومتمدنا بشكل أكبر فمن الممكن أن يتجاذب معها أطراف الحديث حول بعض القضايا العامة الأخرى، شرط أن تكون غير سياسية، لأن السياسة لهم وحدهم.. وكأن الأوطان لهم وحدهم!
تعليقات