سحب السفراء والمالكي

زاوية الكتاب

بن طفلة يربط بين الأزمة وتصريحات رئيس الوزراء العراقي

كتب 4840 مشاهدات 0


  في معرض محاولته للتخفيف من الشرخ الخليجي الدبلوماسي بسحب ثلاث دول خليجية لسفرائها من قطر، قال: لنعتبر أن سحب السفراء خطوة وحدوية استباقية، ففي حالة الاتحاد الكونفدرالي الخليجي لا داعي للسفراء أصلا! يندرج تعليق هذا الصديق 'الظريف' ضمن محاولات العقلاء في منطقة الخليج –وبالكويت على وجه الخصوص- لاحتواء الأزمة الخليجية ومحاصرتها وتجاوزها على اعتبار أن الخلافات تنشأ بين الحكومات، لكن ما بين شعوب المنطقة ودولها أكبر من خلاف سياسي ستتجاوزه الظروف حتما في منطقة لا يثبت فيها شيء ولا تدوم فيها مواقف سياسة كعالم السياسة المتحرك دوما، كما عبر عن ذلك وزير الخارجية العماني –يوسف بن علوي- بتعليقه على سحب السفراء: 'ينبغي علينا ألا نعتقد أن ما حدث أمر هائل وأن ذلك مصيبة كبرى' مطمئنا الجميع بأن 'العملية ليست طلاقا بالثلاث'.
لا شك أن سحب السفراء كان محزنا ومخيبا لآمال الوحدويين بالخليج، ويطرح من جديد أهمية إعادة صياغة العلاقات الخليجية على أسس أكثر وضوحا وصراحة وشفافية، كي لا تتعرض لمثل هذه الانتكاسات الدبلوماسية، وتعرض موقفنا الخليجي لمزيد من التراخي والضعف، في وقت أحوج ما نكون فيه للتضامن ورص الصفوف. وقد نكون بالكويت أكثر الأطراف إدراكا لأهمية التضامن الخليجي ووحدة الصف، ففي عام التشرد والاحتلال (1990) كان الخليج بشعوبه وحكوماته سندنا ومغيثنا وناصرنا.
تزامنت أزمة سحب السفراء من الدوحة مع أزمة يعيشها رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي، فالسيد المالكي يرأس الحكومة ويحمل حقيبة الدفاع والداخلية وملف الأمن القومي، أي أنه يمسك بتلابيب القرار العراقي بيديه، ويحتكر السلطة دون شريك من أي من الأطراف. احتكار المالكي للسلطة أدى لعزلته التامة حتى من أقرب حلفاءه من الشيعة السياسية كالمجلس الأعلى والتيار الصدري الذي أعلن قائده مقتدى الصدر أن 'المالكي طاغية دكتاتور'. المالكي- الممسك بكل شيء- لم يستطع توفير أهم ثلاث متطلبات لأي سلطة: التعايش والأمن والخدمات في وقت تتلاشى فيه مداخيل العراق المليارية من نفط وغيره بنهب مبرمج وفساد غير مشهود في تاريخ العراق.
عام 2009، وبعد تفجيرات ماسمي 'بالاربعاء الأسود' الإرهابية التي استهدفت الوزارات بالمنطقة الخضراء، أطلق المالكي اتهامات لنظام بشار الأسد وقدم ملفا إلى الأمم المتحدة مليء بالاتهامات ضد نظامه ومخابراته بالوقوف وراء تلك التفجيرات. لكنه اليوم يقف مع نظام بشار بشكل مباشر وطائفي بغيض يصعد يوميا من حدته في محاولة لاستنهاض الروح الطائفية بين أوساط الشيعة لكسب تأييدهم الانتخابي بانتخابات الشهر القادم.
كما لم يتوقف المالكي عن اتهامات تركيا بالتدخل بشئون بلاده ودعمها للتمرد الكردي على سلطته بكردستان العراق. ثم وجه المالكي سهام الفشل نحو السعودية وقطر في تصريحات ولقاءات إعلامية ممنهجة ومتصاعدة لاستدرار التعاطف الانتخابي ولتبرير الفشل في إدارة الدولة.
طرفان لم يوجه لهما المالكي الاتهامات بالتورط في العمليات الإرهابية البشعة التي تجتاح بلاده: إيران والمالكي نفسه.
فاتهامات المالكي للسعودية وقطر لوقوفهما وراء العلميات الإرهابية بالعراق تستهدف التنصل من المسئولية ومحاولة يائسة للحصول على التأييد الإيراني العلني والمطلق له بالانتخابات القادمة وذلك باتهامه لخصمي إيران الرئيسيين بسوريا: قطر والسعودية.
'ورب ضارة نافعة'، فافتراءات المالكي لدولتين خليجيتين بالوقوف وراء فشله الذريع في توفير التعايش والأمن والخدمات بالعراق، تذكرة لنا بالخليج بأهمية تجاوز الخلافات والعمل على حل كل المعضلات وبأسرع وقت، ومن يدري؟ فقد يدفع يأس المالكي الانتخابي لارتكاب حماقة اعتداء مسلح جديد شبيهة بتلك التي استهدفت السعودية بنوفمبر الماضي من قبل عصابات البطاط. ولعل أصداء تصريحات المالكي تعيد ترتيب الأولويات، وتستنهض فينا روح التضامن الخليجي التي وهنت نتيجة أزمة سحب السفراء.
من أكثر جوانب أزمة سحب السفراء سوءا هو ظاهرة الردح وحفلة الزار التي رافقتها من أطراف صادقة-ساذجة وأخرى مسترزقة ينثرون الملح فوق الجرح، فهذا يشتم هذا الطرف، وذاك يؤيد بنفاق يثير الاشمئزاز، مشكلين بذلك ظاهرة ثقافة جديدة وطارئة على العلاقات الخليجية، ومعرقلين لجهود الخيرين والمخلصين بتسوية الخلاف.
أنصح السذج الصادقين بهذه القصة الدبلوماسية الحقيقية:
باستقباله لسفير خليجي، قال وزير خاريجة الدولة الخليجية المضيفة: نرحب بك سعادة السفير ببلدك ونعتذر منك مقدما! فتساءل السفير مستغربا: ولم الاعتذار؟ فقال له الوزير: لأن كثيرا من الأمور تتم 'من فوق' دون علمي أو علمك بها!


سعد بن طفلة العجمي

كتب سعد بن طفلة

تعليقات

اكتب تعليقك