علي بابا البنغالي و جهاز الأمن الوطني

عربي و دولي

2973 مشاهدات 0


لانعلم كيف قفز المغامر العربي النبيل  'علي بابا' من صفحات ألف ليلة و ليلة ومن عصر هارون الرشيد الذهبي في بغداد، لينتهي به الأمر كلقب لكل لص ومشاغب في بنغلادش !!
 وقد ظهر 'علي بابا' في الأيام القليلة الماضية  في شوارع الكويت لا ليسرق أغطية المناهيل المعدنية فقط ،و لا ليطالب ببقية راتبه التي أوصله جامعي  الاتوات الجشعين  الى 18 دينار من أصل 40 دينار عند التعاقد ، لقد ظهر'علي بابا' هذه المرة ليسرق أعز ما يملك جهاز الأمن الوطني الكويتي وهو نائم.

نتمنى مخلصين أن تكون الكويت- عند نشر هذا المقال -قد نجحت  في طي صفحة بائسة في مجال حقوق الإنسان وهي قضية العمالة البنغالية الهامشية المتمردة ، لكن مسئولية ماحدث يتحملها جهاز واحد لاغيره. جهاز هو المعني بإعداد الدراسات الاستشرافية ذات النظرة المستقبلية القريبة والمتوسطة والبعيد المدى.ولا يستطيع منصف أن يلوم وزارة القوى العاملة في أية دولة خليجية على تمرد العمالة الاجنيبة ،لأن تلمس مصدر الخطر هو مسئولية جهاز الأمن الوطني ،أو جهاز الأمن القومي كما يسمى في بعض الدول . كما لا نستطيع إلقاء اللائمة على  وزارة الداخلية لأنها جهة تنفيذية  ودورها يأتي بعد أن تصلها المعلومات من جهاز الأمن الوطني حيال الشركات التي تتاجر بالبشر أو بالعمالة الهامشية نفسها التي تنوي زعزعة الاستقرار منذ سنوات قبل حدوث الكارثة .

لا تختلف مشاكل العمالة الهامشية في دول الخليج عن الكويت ، كما لا يختلف جهاز الأمن الوطني الكويتي في هيكليته أوطريقة تعامله من القضايا الأمنية عن سواه من الأجهزة الأمنية الأخرى في دول الخليج .

لقد لاحظنا من قبل أن بعض الهياكل الأمنية الخليجية هي نسخ من أجهزة  أمنية أميركية قائمة ، ووجدنا ان علينا تتبع تلك الأجهزة الأصلية ومنها مجلس الأمن القومي الأميركي الذي نعيد ماسبق  وذكرنا عنه،وعن ما توصلنا إليه عند مقارنته بالأجهزة الخليجية القائمة ،وبحثنا في غياب البعد الاستراتيجي عن عمل أجهزتنا الخليجية.

مجلس الأمن القومي الأميركي

لم يكن لمجلس الأمن القومي وجود في هياكل صنع القرار في الولايات المتحدة الأميركية حتى عام 1947، وقد أنشأ قانون الأمن القومي الاستخبارات المركزية الأمريكية ومكتب وزير الدفاع الأمريكي،وفي عام 1949 تم إنشاء منصب سكرتير تنفيذي للأمن القومي الذي تطور عبر السنوات ليصبح مستشار الرئيس لشئون الأمن القومي. ويعتبر مجلس الأمن القومي أحدى الجهات الأساسية لدعم قرارات الرئيس المتعلقة بالسياسة الخارجية وقطاع الدفاع. وجهاز الأمن الوطني هو أعلى سلطة أمنية في البلاد وقد سطع في سماء السياسة الأميركية رجال اثروا سياسة بلادهم بالخبرة والقرارات الحكيمة كمستشارين للأمن القومي ومنهم مستشار الأمن القومي هنري كيسنجر في عهد الرئيس نيكسون ،وفي عهد كارتر مستشار الأمن القومي زيجينيو بريزينسكى وفي عهد ريغان مستشاري الأمن القومي المتتاليين جون بويندكستار وروبيرت ماكفرلاند . 

وفي سعيها لتوحيد قنوات التعاون بينها وبين دول مجلس التعاون وبعض دول الشرق الأوسط ، شجعت الولايات المتحدة على إقامة هياكل وتنظيمات بل وخطط إستراتيجية تتوافق مع أسلوب عمل رجال واشنطن وجنودها حتى يسهل التعاون بين الطرفين، وعليه أخذت أجهزة الأمن الوطني في المنطقة تبرز واحدا تلو الأخر،ولا غبار على ذلك فمن الطبيعي إن يكون في كل بلد جهاز للأمن الوطني يعنى بجمع المعلومات وتقييمها ورفعها لجهات الاختصاص وكذلك وضع إستراتيجية شاملة لأمن الوطن والمواطن. 

الجانب المظلم من القمر 

إن المهمة الأساسية لجهاز الأمن القومي هو جمع المعلومات وتقديمها لجهات الاختصاص، لتأخذ تلك الجهات القرار المناسب ومعني ذلك أن جهاز الأمن الوطني ليس جهازا تنفيذيا،أو محصور في الأمن بجانبه البوليسي أو ألاستخباري والعسكري ،لأن للأمن الوطني إبعاد أخرى كما يقول د. زكريا حسين -أستاذ الدراسات الإستراتيجية والمدير الأسبق لأكاديمية ناصر العسكرية ، منها البُعْد السياسي وحفظ الكيان السياسي للدولة،والبعد الاقتصادي لتوفير المناخ المناسب للوفاء باحتياجات المواطن والبعد الاجتماعي و المعنوي لتنمية الشعور بالانتماء والولاء والمحافظ على العادات والتقاليد والقيم. 

لكن ما حصل في دول الشرق الأوسط من خطأ كان في إقامة هياكل لأجهزة الأمن الوطني لاتمت إلى قدوتها الأميركي بشيء إلا في الاسم ، حيث قامت تلك الحكومات بدمج الاستخبارات العامة وقوى الأمن الداخلي أو بتقسيم وفصل أجهزة الأمن عن بعضها البعض وتسمية احدها بجهاز الأمن الوطني، أما أنشطة هذه الأجهزة فنجدها مانشيتات تتصدر بيانات الجماعات المعارضة وحقوق الإنسان ومنها:اعتقل من قبل الأمن الوطني ومات أثناء التعذيب في مقر جهاز الأمن الوطني. أو تواترت معلومات عن دور خطير يقوم به جهاز الأمن الوطني. أو قيادة جهاز الأمن الوطني كانت تعد لمرحلة جديدة من الفوضى والقتل والإجرام .واخيرا تخشى منظمة العفو الدوليةعلى سلامة المحتجزين من جانب أفراد جهاز الأمن الوطني ، وهكذا.... 

جهاز الأمن الوطني في الخليج 

في سنة 1997م تم في الكويت إنشاء مجلس الأمن الوطني برئاسة الرجل الفذ المرحوم علي صباح السالم، ثم صار الشيخ صباح الخالد رئيسا لجهاز الأمن الوطني بدرجة وزير عام 1998م،ثم تقلد هذه المنصب منذ يوليو 2006 م الشيخ أحمد الفهد ،وينوب عنه الشيخ ثامر العلي الصباح وهو الدينمو المحرك له والرئيس التنفيذي للجهاز، وحسب مرسوم إنشائه فإن اختصاصات مجلس الأمن الوطني الكويتي هي العمل على ضمان سلامة وأمن الوطن ووضع السياسات الإستراتيجية والبرامج والخطط لتحقيق هذا الغرض والإشراف على توفير المعلومات والبيانات وإعداد الدراسات والبحوث اللازمة في هذا الشأن وذلك بالتنسيق مع الجهات المعنية. وفي البحرين يرأس جهاز الأمن الوطني حاليا الشيخ خليفة بن علي آل خليفة خلفا للشيخ عبد العزيز عطية الله وكان قد تم تأسيسه في عام 2004م. 
وفي المملكة العربية السعودية تم في منتصف عام 2005م إعادة تنظيم مجلس الأمن الوطني كخطوة لتحسين آلية صناعة القرار الأمني والسياسي في المملكة.وفي الإمارات العربية المتحدة تم توحيد كل الأجهزةِ الأمنية الإماراتية ضمن جهاز أمني واحد جديد هو جهاز الأمن الوطني، ففي منتصف عام 2006 أصدر رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان مرسوما يقضي بإنشاء المجلس الأعلى للأمن الوطني بهدف تحقيق أمن الاتحاد وسلامته من جميع الجوانب، الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية وغيرها، وتم تعيين الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان مستشارا للأمن الوطني.

وجهاز الأمن القومي أو الوطني هيئة استشارية تقوم بإعداد الدراسات الإستراتيجية للشؤون السياسية والاقتصادية والأمنية وغيرها وعليه يجب أن يكون موظفيها مخططين وباحثين ، لا رجال شرطة أو تحقيق أو عقاب . ولا شك أن نجاح مجلس الأمن الوطني السعودي في وضع خطط أمنية وثقافية واجتماعية ساعدت في تقويض المخططات الإرهابية أمر يستحق التوقف عنده والإشادة به .كما يمكن الإشادة بجهود جهاز الأمن الوطني الكويتي لاستلامهم ملف التعاون مع حلف الناتو وما حققوه من إنجازات قد لا يراها المواطن العادي ،والأمر نفسه يمكن أن يقال عن الأجهزة الخليجية الأخرى . 

لكن المراقب لأجهزة الأمن الوطني الخليجية يرى أن الأجهزة تعاني من عدة أمور جوهرية أولها غياب ذوي الاختصاص القادرين على وضع الاستراتيجيات من خلال العمل الميداني ، والوصول إلى المصادر الاستخباريه وليس الاعتماد فقط على جمع المعلومات عن طريق محركات البحث على الانترنت. كما أن من عيوبها أيضا تحول تلك المراكز إلى ملجأ لمتقاعدي الجيش والشرط من كبار الضباط من دول مجلس التعاون أو مصر ولبعض الأكاديميين ذوي البريق الاعلامي لسد الطريق على النقاد أو للتنفيع المادي ،كما أن هذه الأجهزة أخذت في توسيع اختصاصاتها تبعا لطموح من يقودها ومدى نفوذه في مؤسسة الحكم ،وأخيرا تحول بعضها إلى أداة تنفيذية بدل عملها الأصلي وهو رسم الاستراتيجيات.
إن معني وضع الاستراتيجيات التي يجب أن تكون عمل جهاز الأمن الوطني تمر بمراحل هي :    
أولاً: تلمس حاجة البلد في فترة زمنية قادمة 
ثانياً: ًوضع الأهداف 
ثالثاً: بناء القدرات لتحقيق هذه الأهداف 

وعليه تقام أجهزة الأمن الوطني بما يعنيه ذلك من ضرورة وجود فريق مكلف لانجاز المرحلة الأولي والثانية ،أو بتكليف أحد مراكز الأبحاث الإستراتيجية للقيام بذلك ، وتترك المرحلة الأخيرة لأجهزة الدولة ينسق جهودها جهاز الأمن الوطني.

لقد تساءل فيلسوف ألمانيا الكبير هيغل، هل يعيد التاريخ نفسه وترك سؤاله ورحل .وقد أجابه كارل ماركس لاحقاً : عندما يحدث شيئ سيئ عظيم يكون في المرة الأولى كارثة وعندما يعيد  التاريخ نفسه مرة  أخرى يكون مهزلة. و يقول أحد العارفين إن ماحصل في الكويت هو أن علي بابا البنغلاديشي  قد سرق ملابس جهاز الأمن الوطني ، لكن المهزلة أن العمالة المصرية في منطقة أبرق خيطان  كانت قد قامت بنفس العمل قبل سنوات .
ولأن الأسئلة اكثر من الإجابات نرى ان من الموضوعية إنصاف جهاز الأمن الوطني  الكويتي بسؤال قد يخفف من مسؤوليتهم : هل تم تجاهل دراسات علمية موثقة توقعتم من خلالها حصول ما حدث مؤخرا ؟


 

الآن: فايز الفارسي- الدوحة

تعليقات

اكتب تعليقك