طواغيت الدين!.. بقلم سعدية مفرح
زاوية الكتابكتب فبراير 10, 2014, 12:27 ص 1038 مشاهدات 0
القبس
اسفار / صناعة الطواغيت.. الدينية!
سعدية مفرح
دخل علي عزت بيغوفيتش حين كان رئيساً للبوسنة المسجد متأخراً عن بقية المصلين، فأفسح له المصلون الذين سبقوه الطريق لكي يتقدم الصفوف نحو الصف الأول من الجماعة، فما كان منه إلا أن وقف رافعاً صوته الغاضب بقولته التي انتشرت بعد ذلك كثيراً: «هكذا تصنعون طواغيتكم»!
ربما يرى الكثيرون منا الفعل الذي قام به هؤلاء المصلون فعلاً عفوياً اعتدنا عليه جميعاً من باب توقير الكبير بغض النظر عن صفة هذا الكبير العامة. نعم، هذا صحيح جداً، ومطلوب فعلاً، ولكنه عندما يتعلق بشخص مسؤول، بل هو رئيس الدولة، وفي مكان لا وجود للبرتوكول الرسمي فيه إلا وفقاً لطقوس العبادة، كما أقرها الدين، حيث يتساوى الجميع بين يدى الله ولا يبقى ميزاناً للتفاضل سوى التقوى التي لا يعلمها إلا هو، فإن الأمر يتحول من توقير إلى نفاق.
طبعاً، بإمكاننا جميعاً اختراع الكثير من الأعذار لتقبل هذه الأمثولة الصغيرة، كأن نتذرع بمسؤوليات الأمن، وبمعاني الهيبة، وبمتطلبات الصورة العامة للدول ورموزها و... و... إلخ من هذه التبريرات المقبولة فعلاً أحياناً، وغير المقبولة أحياناً أخرى، ولكن هذا لا يمنعنا من التفكير في ما هو أبعد من حدود تلك الأمثولة بالذات.
إن إعجابنا بحادثة بيغوفيتش، التي نتداولها من دون أن نعتبر منها كثيراً، لم يمنع أغلبنا من التصرف وفقاً لمنطق هؤلاء المصلين في كثير مما يمر بنا ونمر به من مناسبات عامة وخاصة.
نحن فعلاً نصنع طواغيتنا هكذا، ومن دون أن يشعر أغلبنا بأنه يقوم بتلك الصناعة. ولعل هذا أخطر ما في الأمر، فقد أصبح أغلبنا يمارسها وكأنها جزء من متطلبات وجوده على هذه الحياة، بل إنه يمارسها بشكل عفوي. لقد تبرمجت عقول الأغلبية على تلك الصناعة بشكل غير واع ولا مستفاد منه، خصوصاً أن الكثيرين يظنون أن كلمة «الطواغيت» خاصة بالحكام وحدهم، مع أن هذه الأمثولة تصلح لكل «طاغية» في كل مكان، مهما كانت صفته في حياتنا العامة أو الخاصة أيضاً.
فالزوجة يمكنها أن تصنع من زوجها طاغوتاً، والزوج كذلك، والموظف يمارس الصناعة نفسها في مكان عمله، والجمهور في أي ندوة أو مباراة أو أمسية شعرية أو مسرح أو سينما قد لا يخرج مما هو فيه من دون أن يجعل من تصفيقه مثلاً خطوة من خطوات تلك الصناعة، حتى القراء بإمكانهم أن يفعلوا ذلك مع كتّابهم المفضلين.
والغريب أن هذه الصناعة تزدهر أحياناً حتى في تلك البيئات التي لا يتوقع أحد، منطقياً، أنها تناسبها، وأعني بها البيئات الدينية تحديداً. فإذا كان بيغوفيتش قد ساءه أن يرى المصلين وهم يساهمون في صناعة الحاكم الطاغوت، بينما يستعدون للوقوف بين يدي الله، فإن الإساءة تتضاعف عندما يتعلق الأمر بصناعة الطاغوت الداعية أو الطاغوت الشيخ أو الطاغوت الفقيه أو الطاغوت المفتي أو غير هؤلاء من «طواغيت» أو «مشاريع طواغيت»، فخطر هؤلاء يفوق أي خطر آخر، وطغيانهم يكاد يكون بلا علاج للأسف.
إن جمهور هؤلاء «الطغاة الدينيين»، الفرحين بذلك والمغترين به من دون الله، وأتباعهم ومريديهم يساهمون صناعتهم قصدياً أو عفوياً، وكأنهم يريدون إقناع أنفسهم قبل إقناع الآخرين بأنهم يقومون بتلك «الصناعة» في سبيل الله.. تعالى الله عما يصنعون!
تعليقات