الكويت بحاجة إلى قانون ينظم الإضرابات ويقيدها.. برأي محمد الزعبي
زاوية الكتابكتب فبراير 7, 2014, 12:48 ص 1172 مشاهدات 0
الأنباء
كلم / ضرب الإضراب
محمد الزعبي
ما أعرفه جيدا أن تشريع الإضرابات وجعلها حقا للعاملين إنما كان لأجل غاية نبيلة متمثلة بإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح وإعطاء كل ذي حق حقه وإقامة القسط والعدل، فضلا عن ضمان ألا يجور صاحب العمل ويستغل حاجة الأيدي العاملة لديه، وهي في العادة لا تنظم إلا بعد استنفاد كافة الوسائل الأخرى وجعلها خيارا أخيرا لا يجد فيها العاملون بديلا عنها.
تهديد نقابات موظفي شركات النفط بالإضراب الجماعي جاء إثر قرار وزارة النفط بمراجعة تخفيض مكافآت بدعة ابتدعتها النقابات وأطلقت عليها مكافأة «مشاركة النجاح» ويا له من نجاح، وهذه البدعة تنتزع دون موافقة من المجلس الأعلى للبترول ولا ضوء أخضر من ديوان الخدمة المدنية، وهي بهذه الصورة أشبه ما تكون بالأموال المغصوبة لا المكافآت المستحقة، مع العلم أن المنتسبين للقطاع النفطي يتقاضون أعلى الرواتب مقارنة مع غيرهم من موظفي بقية القطاعات الحكومية، وهم بالتأكيد يستحقون هذه الرواتب المجزية لما يقدمونه من خدمات ويبذلونه من جهود، لكن كان لزاما تخفيض المكافآت ـ لا إلغائها ـ لتأثيرها الشديد على الميزانية حالا ومآلا، دون أدنى مساس برواتبهم ولا بدلاتهم.
في الكويت غدت كثير من الإضرابات وسيلة ابتزاز مضمونة النجاح ومحمودة العواقب، وشرعت الأبواب على مصاريعها لأصناف من المطالبات التعسفية لا لشيء إلا لأن الإضرابات السابقة قد آتت أكلها وأثمرت استنزافا للمال العام لا يتلاءم البتة مع طبيعة ما يقدمه العامل في عمله وينال عليه أضعافا مضاعفة، وأخذت النقابات الأخرى تتسابق لاقتطاع ما تقدر عليه من الكعكة المالية دون حسيب ولا رقيب، ولم لا؟ مادام مجرد التلويح بالإضراب يرعد فرائص الحكومة ويجعلها في حيص بيص، بل ويشجع النقابات على الفرض والإملاء دون التفاوض والتوصل للحلول الوسط.
على الحكومة ألا تدير ظهرها للتهديد بالإضرابات، وهي إن فعلت ستعطي انطباعا خاطئا لمن لا يفكر فيها بتجربتها وخوض غمارها، الأمر الذي سيجعل العقد ينفرط من يدها وتهيئ من خلاله لسنن سيئة نحن في غنى عنها وعن تبعاتها، ولدى الحكومة من الأدوات والوسائل ما تجهض به تعنت بعض النقابات، ففضلا عن الحفاظ على الأموال من البعثرة فهي تغلق أبوابا من المجهول ما كان لها أن تغلق لولا قرارها بالمواجهة، وهو ما يتيح لها الالتفات إلى ما هو أهم وأجدى من إضاعة الوقت والجهد مع ضعاف غرهم الحلم ومدهم اللين، وآن لمبتدئي السياسة أن يعلموا أن للحكومة أنيابها ومخالبها، وتصريحات الوزير علي العمير بعدم التراجع عن تخفيض المكافأة، وتأكيده على جاهزية الخطط البديلة للتعامل مع الإضراب وضمان عدم تعطيل الإنتاج هي بشارة خير من أبي عاصم، ومن الفأل الحسن تواجده على كرسي الوزارة في هذا الوقت، ونأمل أنه منهاج حكومي جديد قائم على التصدي للعبث ومواجهة الابتزازات المزخرفة « بالنجاح» والمغلفة « بالمكافأة».
من الأهمية بمكان أن تعد الحكومة العدة لإضرابات مستقبلية متوقعة، وتجهز من الخطط والعمليات ما يجعلها تتجاوزها، لاسيما في المواقع الحيوية بأقل الأضرار على سير أعمالها وعمل المواطنين والمقيمين، ومن الضروري إذا ما لزم الأمر شق وحدة النقابات وتفريقها إذا ما خرجت المطالب عن نطاق المعقول والمتاح، وبذا ترغم على التفاوض أو الرضا بالواقع، وتحترق الورقة التي ربما تكون سببا في إشعال مواطن كثيرة.
ليس بالضرورة أن تكون مطالب النقابات مجحفة وليست جميعها ابتزازا، وبلا ريب ثمة مطالب عادلة يجب أخذها بعين الاعتبار، لكن المراد ألا يكون الإضراب أول الحلول وآخرها، والوصول لنقاط الاتفاق وطرق الالتقاء يمكن بشيء من المرونة والتنازل الشجاع والتحلي بروح المسؤولية، أما التشدق بالوطنية والتغني بحب الوطن ومن ثم ضربه في مواقعه الحيوية وتكبيده الخسائر الثقيلة وإلهاب الفوضى فلا أحسبه أبدا إلا دعاوى كاذبة ومزاعم عريضة سريعا ما تتلاشى خلف بريق المال وسعار الجشع.
نحن بحاجة إلى قانون ينظم الإضرابات ويقيدها بحيث نضمن سير الأعمال على منوالها، وتوصل في ذات الوقت مطالب العاملين إن كانت عادلة وممكنة التحقيق، ولا يساغ بحال ترك البعض حتى يتمادوا ويوقفوا البلد على رجل واحدة ويحبسوا الأنفاس نظير رضاهم وانتشائهم بانتصارات خداعة مع مصالح الوطن.
منعطف: تبرع سمو الأمير حفظه الله بخمسة ملايين دولار من ماله الخاص لإنشاء قرية متكاملة للنازحين السوريين في الأردن برهان سخاء كبير، ودليل عطف صادق.. ولم تشغل سموه المشاغل عن النظر في أحوال المعوزين والمشردين وذوي الفقر والفاقة، أسأل الله تعالى أن يجعل ما أنفقه سموه بركة في عمله وعمره، وبسطة له في محبة الله وخلقه، وذخيرة له في الآخرة.
تعليقات