المرأة السورية أسهل الأهداف للمتشددين الاسلاميين.. هكذا يعتقد خليل حيدر
زاوية الكتابكتب يناير 22, 2014, 1:06 ص 2246 مشاهدات 0
الوطن
أفكار وأضواء / محنة المرأة.. في سورية
خليل علي حيدر
مظاهر البؤس والشقاء تحاصر دمشق عاصمة الأمويين هذه الايام اينما حللت فيها، قالت صحيفة الحياة، تحاصرك مشاهد التعساء والمعذبين (2013/10/17) «رجال مسنون تائهون، عجزة وأصحاب عاهات يفترشون شوارعها والدروب».
متسولون ينتشرون في طول المدينة وعرضها.أطفال في عمر الورود يتراكضون من سيارة الى أخرى يتوسلون أصحابها بضع ليرات عند كل اشارة مرور.عائلات تحمل فوق أكتافها حقائب لا تعرف متى تضعها ولا أين تكون محطتها المقبلة.
يصعقك في دمشق عدد النساء اللواتي يجبن الشوارع بأياد ممدودة، سيدات هربن من جحيم الموت والاقتتال في الأرياف القريبة، فتحولن من أمهات وربات منازل الى متسولات وبائعات على الطرق الموحشة».
ظاهرة التسول تتفاقم في المدينة مع سعة انتشار الحرب ودمار مناطق الريف.«قبل اندلاع الثورة السورية»، يضيف التقرير، «كان التسول يقتصر غالباً على فرد من العائلة، أما اليوم، فباتت عائلات بأكملها في الشارع.كما بات من المألوف رؤية أفراد عائلة كاملة يقيمون في بناء مهجور، أو في حديقة، ويلتحفون بضع قطع من الخرق البالية».
النساء الهاربات والمغادرات لسورية مع أولادهن، يلجأن الى دول الجوار، كالأردن، بمشاكلهن العائلية.السيدة «أسماء» لجأت الى «دار الوفاق الأسري» في مدينة «اربد»، 80 كيلومتراً شمال العاصمة الأردنية عمّان، هرباً من ظلم زوجها المدمن وعنفه.
وتشرح أسماء مأساتها مع زوجها الذي فقد عمله مع بداية الازمة في سورية، وكيف نجا باعجوبة من مذبحة نفذها «شبيحة» النظام قرب دمشق، حيث عثروا عليه وهو على قيد الحياة، ملقى بين جثث اصدقائه وعدد من الرجال الذي صودف وجودهم في مكان الاشتباكات بين المعارضة والجيش النظامي. وعندما نقل الى احدى مستشفيات المعارضة ازداد تردي حالته العقلية من فرط ما شاهد من مناظر مروعة. وتقول اسماء ان زوجها تحول «حيواناً هائجاً كلما فقد زجاجة الكحول، او فقد علاجه، بعد انقطاع المعونات عن عائلتها بسبب خروجها من المخيم وتشرح اسماء ان اطفالها باتوا يكرهون والدهم بسبب ضربه اياهم بلا رحمة وبشكل دائم».
في نوفمبر الماضي، نددت 60 منظمة حقوقية بتعرض العديد من النساء في سورية للاعتداء والاغتصاب والتعذيب، واستخدامهن دروعاً بشرية وخطفهن لممارسة الضغط على عائلاتهن واذلالهن.
أكثر من ستة آلاف امرأة تعرضت للاغتصاب منذ بداية النزاع في سورية، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي على يد قوات النظام، عند نقاط التفتيش وفي مراكز الاحتجاز، للاذلال وتحطيم المعنويات من هذه الحالات الواردة في تقرير المنظمات الحقوقية حالة شابة تدعى «عايدة» تنحدر من «طرطوس»، وعائلتها مقربة من الاخوان المسلمين المناهضين للنظام.فخلال احتجاز عايدة بين أكتوبر 2012 ويناير 2013، تعرضت الفتاة للاغتصاب مرتين عشية مثولها أمام القاضي! وقالت الشابة ان «المحقق تركني في غرفة، وعاد مع ثلاثة جنود اغتصبوني واحداً تلو الآخر. قاومت مع الأول، لكن عندما وصل الثاني كنت مرتعبة الى حد اني عجزت عن المقاومة ومع الثالث تلاشيت كنت انزف طوال الوقت عندما انتهى، سقطت على الأرض وبعد عشر دقائق، وصل طبيب السجن ورافقني الى الحمام، حيث اعطاني حقنة لكي اتمكن من الوقوف أمام القاضي واكد التقرير ان الاغتصاب يستخدم في غالب الاحيان كسلاح خلال العمليات العسكرية، واورد حالة فتاة في التاسعة من العمر في حمص، تعرضت للاغتصاب في مارس 2012 أمام عائلتها من قبل القوات النظامة في حي «بابا عمر،» (القبس 2013/11/27).
ونقلت الصحف تقارير عن اللاجئات السوريات من القسم الشرقي في العاصمة الأردنية وما عانينه في «حي بابا عمرو» الذي يُعد مركزاً للحملة العنيفة لقوات بشار، فقد تحدثن عن حياتهن هناك في ظل الخوف من التعرض للاغتصاب والتعذيب، وكذلك عمن فقدن من الأهل والأقارب. وقالت لاجئة لوكالة رويترز: الأم ترى ابنها يذبح أمام عينيها ولا تجرؤ على أن تنطق بكلمة واحدة، قد يعتقل زوجها امامها ولا تجرؤ على الاعتراض. ان نطقت بكلمة قد تتعرض للاغتصاب او الاعتقال، فهل تستطيع الأم تحمل كله هذا؟ وقالت: «صار فيه اغتصاب. صار فيه مداهمات، والتفتيش.. يعني كثير مواقف تنحط فيها جد مخزية وعيب انه يحيكها. يعني البنت بعدما يغتصبوها..» وقالت اللاجئة أم محمد وهي تغالب دموعها: «أكثر شيء عرض البنات عندنا بنت عند حي جامع الرفاعي اخذوها اربعة ايام وجابوها لابوها. قال ابوها لو جابوها لي ميتة أفضل انا شفت هذا المشهد شوف عيني» (القبس 2012/3/9).
وتؤكد التقارير التي تعدها الجماعات الحقوقية ان قوات الأمن السورية الحكومية استهدفت النساء خلال الثورة والحرب الأهلية، وتعرضت آلاف منهن للتعذيب والاغتصاب. وذكرت محامية سورية من دمشق ان بعض المحتجزات اللاتي تزورهن في السجون يعانين كدمات وقرحاً مفتوحة في أقدامهن وجلدهن وعدوى في العين وتحمل أجسادهن بقعاً من الدماء المتخثرة. وقال أنور البني، المحامي الحقوقي الذي يقيم في دمشق كذلك، ان احتجاز النساء يتم عادة من دون اتهامات، ويحتجز بعضهن لقيامهن بتهريب الغذاء عبر نقاط التفتيش التابعة للجيش، أو لأنهن يحتفظن بصور مسيرات مناهضة للأسد على هواتفهن النقالة.لم تحمل أيٌّ منهن السلاح أو تقاتل القوات الحكومية، وقدر عدد السجينات اللاتي ما زلن على قيد الحياة في مراكز الاحتجاز في سورية بين 4000-3000 سجينة. وأضاف ان بعض النساء يحتجزن كرهينات لمبادلتهن برجال مطلوب القبض عليهم، «وامعاناً في الذل يُعذبن على أيدي رجال، ويُجبرن أحياناً على التعري، وهناك حالات اغتصاب خلال الاحتجاز، واذا لم تُغتصب يرجح تهديدها بذلك» (القبس 2013/11/13).
المرأة السورية كذلك أسهل الأهداف للمتشددين الاسلاميين.الذين يحرمونها من أبسط حقوقها ويتسلطون على حياتها ويراقبون أدق تفاصيل وجودها البشري! وتقول احدى السوريات انها «تفضل البقاء في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة لأنها، على الرغم من المخاطر التي تواجهها لا تتعرض لمضايقات لمجرد أنها امرأة».
وأضافت: «لا أثق بالمعارضة، ولا أعتقد ان حياتنا ستكون أفضل، خاصة النساء». وحتى لو فرّت الأسرة الى الخارج فان حياتها في الملاجئ والمخيمات قطعة أخرى من العذاب.
الصحافية اللبنانية «ديانا مقلد» رسمت الوضع في سورية بظلال كئيبة: «في سورية يشعر الأهالي الباقون بأن الجميع تخلى عنهم، فالنظام لا رادع لبطشه، و«داعش»، حيث تسيطر، لا قوّة مواجهة لها، والحراك المدني في سورية بات شبه معدوم بعد موجات من الهروب والهجرة من قبل الناشطين الذين يتعرّض من بقي منهم لخطر قتل وموت حقيقي». وتحدثت الكاتبة عن حالة فردية من البطولة النسائية تقوم بها «سعاد نوفل»! «انها المرأة التي تواظب منذ أكثر من شهرين على كتابة لافتات والتظاهر وحيدة أمام مقر «الدولة الاسلامية في العراق والشام» أو «داعش»، في مدينة الرقة، لتندد بما ترتكبه هذه الجماعة من قتل واعتقال وتعذيب بحق السوريين وما تمارسه من قوانين تعسفية على السكان، خصوصاً النساء.وسعاد معلمة ضئيلة الجسم سبق ان تظاهرت ضد النظام السوري، واليوم تحرص على النزول يومياً وكل مرّة بلافتة جديدة ترفعها أمام مقر «داعش»، متهمة اياهم بأنهم جماعة ظلامية يخدمون النظام وينكلون بالسوريين تماماً كما ينكل بهم بشار الأسد». وتقول المعلمة السورية سعاد في مقابلة لها: «مزعوجين من بنطلوني.. طيب أنا ما سألتهم ليش لابسين أفغاني» (الشرق الأوسط 2013/11/4).
وتحدثت وسائل الاعلام عن فوضى الهيئات الشرعية وأحكامها المتشددة في حلب. وكان لافتاً، كما جاء في الصحيفة نفسها، «القرار الذي أعلنته الهيئة الشرعية أخيراً في تعميم حمل الرقم 8، وتضمن فتوى بتحريم تناول «الكرواسان»، وهو نوع من المخبوزات المعجونة بالزبدة، باعتباره يحمل دلالة استعمارية». وقالت الهيئة موضحة ان الكرواسان، ويعني الهلال بالفرنسية، صُنعت على شكل «هلال» ليأكله الأوروبيون في أعيادهم ويحتفلوا بالنصر على المسلمين، اذ ان الهلال كان شعار الدولة الاسلامية.وكانت هذه الـ «هيئة الشرعية» قد تشكلت باتفاق بين أكبر ألوية بحلب هي لواء التوحيد وأحرار الشام وجبهة النصرة وصقور الشام». ولكن ما لبثت ان انضمّت اليها غالبية الألوية والفصائل مثل الفتح، وتجمع «فاستقم كما أُمرت»، ولواء «أحرار سورية»، و«لواء النصر»، و«دولة العراق والشام الاسلامية» وغيرها من الألوية، لتكون الجهة القضائية الأولى في مدينة حلب.لكن سرعان ما انشق عن الهيئة «النصرة»، لتشكل هيئة شرعية خاصة بها.ثم تبعها تنظيم «الدولة الاسلامية» الذي أقدم على الخطوة ذاتها وأسس هيئة شرعية خاصة بها، ليصبح نتيجة ذلك سكان الأحياء «المحررة» في حلب، تحت رحمة فوضى الفتاوى الدينية المتضاربة من جهات ومرجعيات مختلفة». (الشرق الأوسط 2013/7/30).
من جانب ثان، أثار الاردني «ياسين العجلوني» ضجة كبرى في الأوساط السورية والاسلامية، عندما قال «يجوز ان يتخذ المسلم اي عدد من النساء السوريات المهجرات كجوار وملك يمين، طالما أنه قادر على الانفاق عليهن، للحفاظ على المرأة من الاستغلال الجنسي». وقال العجلوني في مقطع اليوتيوب: «يجوز للمرأة السورية المهجرة ان تطلب من الرجل المسلم القادر على كسوتها وسترتها وايوائها ان يدخلها في عقد ملك اليمين كي تصير ملك يمينه». وقد قامت صحيفة «الوطن» الكويتية بالاتصال بياسين العجلوني في الاردن، للتأكد من صحة صدور الفتوى عنه فأكد أنه بالفعل افتى بذلك واضاف: «يجب ألا نخجل من مسألة نكاح ملك اليمين او الجواري لأنه امر مذكور في القرآن ولم يتم نسخ تلك الآيات كما يدعي البعض»، وقال ان الفتوى «غير مرتبطة بعدد محدد وانما تسعى لحماية المرأة وعدم الاعتداء عليها في ظل زيادة عدد الاناث وقلة عدد الذكور».
وقد اثارت فتوى الاردني العجلوني ردود افعال غاضبة بين دعاة كويتيين. فقد اعتبر الداعية «حاي الحاي» ان هذه الفتوى «تقّولٌ على الله»، واصفاً اياها بالفتوى الجائرة، واضاف ان ملك اليمين لا ينطبق على الحالة السورية، فالسورية حرة معروف نسبها، ولم نسمع احداً من العلماء يقول هذا الكلام».
وهاجم الفتوى كذلك استاذ الشريعة د.طارق الوطاري الذي قال ان «بنات سورية حرائر شريفات» (الوطن 2013/12/20).
ومما يلفت النظر في هذه الفتوى وهذا المقام جرأة المفتي الاردني، الذي اشتهر بفتاوى اخرى مثل قوله ان عام 1443 هـ، 2021م سيكون عام «فتح فلسطين»، وان عام 1446هـ سيكون عام «عودة الخلافة الراشدة»، ولا ادري ماذا كان سيحدث لأي «علماني» أو ليبرالي يتقدم بأي اقتراح مماثل حتى ضمن الاطار الاسلامي! ومما يستدعي التوقف كذلك ان الاسلاميين يؤكدون دائماً ان الرق وملك اليمين كانا اجراءً مؤقتاً مرتبطاً «بعصر الفتوحات»، ولا مكان لعقود «ملك اليمين» والرق اليوم. «فنظام الجواري في الاسلام» يقول محمد قطب، شقيق سيد قطب، «نظام كان قبل ألف وثلاثمائة عام، على انه نظام مؤقت غير مطلوب له الدوام» (شبهات حول الإسلام 1985، ص62).
كما أن الدول العربية والاسلامية قد وقعت الاعلان العالمي لحقوق الانسان، وقوانين الغاء الرق ومكافحته، وقوانين عدم التمييز ضد المرأة في الحقوق والحريات وغير ذلك.
ولكن ما أن تصبح المرأة محور الفتوى وموضوع الفتيا، حتى ينسى الاسلاميون للأسف هذه الالتزامات الدولية والقرارات الانسانية العالمية.. ان كانوا قد اعترفوا بها ذات يوم.
وفيما تعاني المرأة المهجرة وداخل المدن الممزقة ما تعاني، تضرب الاوضاع السياسية العلاقات الاسرية والروابط العائلية داخل دمشق نفسها، وتفجر مشاكل اجتماعية بين الازواج لا حصر لها. مقال لبيسان بني في «الحياة» يرسم جوانب من هذا الصراع داخل الشريحة المثقفة:
«أنا أو هم.الأسرة أو عنادك الفارغ...اختاري»! فوجئت ليلى برد فعل زوجها الصارم، عندما أخبرته أنها تريد المشاركة في احدى التظاهرات السلمية في دمشق.لم تكن تتوقع ان يقف زوجها المثقف والمهني اللامع ضد رغبتها في رفع شعارات تدعو الى مستقبل أجمل لوطنها الذي تحب.كما أنها فوجئت ب «شرقيته الدفينة» تحاصر حريتها وتجبرها على الاختيار بين بيتها الصغير وبيتها الكبير.وتروي ليلى: «لم أكن أحتمل صمتي...كل رفاقي كانوا يشاركون، بينما كبلني موقف زوجي الذي أحببته سنوات طويلة، وكنت أفتخر بمواقفه وقيمه الشريفة».
وتضيف: «لا يمر يوم من دون ان أفكر في التحدي.ولكن ما يُضعف ارادتي أطفالي الصغار، وخوفي ان نفذ تهديده وأبعد أولادي عني».تغصّ ليلى قبل ان تتمكن من الاستمرار بالبوح: «غيّرت هذه المحنة وجه علاقتي معه...حتى حال الحب والعشرة لم تعد كما كانت!». (2013/4/25).
مثل هذه المشادات باتت واسعة الانتشار في المجتمع السوري، مع تفاقم الأزمة واستمرارها.
تقول «الحياة»: حال ليلى وزوجها كحال كثيرين من الأزواج في سورية، بعدما كشفت الأحداث السياسية اختلافاً كبيراً في التفكير بينهم وفي اختياراتهم، لتعري الهموم الوطنية زيف الكثير من العلاقات الزوجية وتضع الزوجين على المحك ليظهر كل منهما عمق ارتباطه بالقيم والمبادئ وبالحب والأولاد والوطن.
وكشفت بعض الصحف المحلية أخيراً تراجع معدل الزواج في سورية بعد الثورة أكثر من %40، في مقابل ارتفاع حالات الطلاق.وكان أهم سبب للطلاق، وفق أحد القضاة السوريين، الاختلاف السياسي بين الزوجين وتباين الاستقطاب بين معارض وموالٍ، من دون ان ننسى دور سوء الأوضاع المعيشية وظروف العوز والحاجة وغياب الأمن، ما يولد مشكلات كثيرة يعجز كثيرون من الأزواج عن تداركها».
تدفع المرأة السورية ضريبة الازمة مرة كزوجة وأخرى كأم: يقول مقال «بيسان بني» عن تجربة طفل سوري:
«نزحت مع أمي الى دمشق»، يقول طفل في العاشرة من العمر.ويضيف: «بقي أبي في حمص، وقد طلق أمي بالثلاثة.كان صراخهم يرعبني كل يوم». يتردد كثيراً قبل ان يتابع بخوف: «أبي يريد ان يحارب، وأمي خائفة. لم أكن أستطيع النوم من صوت الرصاص والقصف. وكل مرة كنت أهرب الى حضنها، فأجدها أيضاً ساهرة تنتظر أبي. أنا أيضاً خائف جداً. أخاف على أبي، وأخاف على أمي التي تذل نفسها كي توفر لنا بعض ما نحتاجه لنعيش». (2013/4/25).
آلام المرأة السورية أعمق بكثير من هذا المقال!
تعليقات