تخاريف السياسة وغياب الحقيقة يتسأل علي الطراح ... أين العقل؟

زاوية الكتاب

كتب 622 مشاهدات 0


تخاريف السياسة

د. علي الطراح

كل شيء ما عاد يُفهم، الأوراق تختلط، ونعجز عن فهم ما يحدث حولنا. وجدت نفسي أتصفح رواية «شيكاغو » لعلاء الأسواني، ووقعت عيني على حوار فيها جرى بين المسؤول الأمني وبين المناهض للسلطة فيقول له:المشكلة في المثقفين أمثالك أنهم يعيشون أسرى الكتب والنظريات. أنتم لا تعرفون شيئاً عن حقيقة ما يحدث في بلادكم. أنا عملت ضابط بوليس عشرة أعوام في محافظات مختلفة،طفت بالقرى والنجوع والحارات، وعرفت قاع المجتمع المصري. أؤكد لك أن المصريين لا تعنيهم الديمقراطية إطلاقاً، كما أنهم ليسوا مؤهلين لها. المصري لا يهتم في الدنيا إلا بثلاثة أشياء: دينه ورزقه وأولاده. والدين هو الأهم. الموضوع الوحيد الذي يدفع المصريين إلى الثورة أن يعتدي أحد على دينهم. عندما جاء نابليون إلى مصر وتظاهر باحترام الإسلام،أيده المصريون ونسوا أنه استعمر بلادهم!

الفقرة جميلة في التحليل، ولو أطلقنا الخيال حول ما دفع شباب مصر للخروج إلى الشارع، لتساءلنا هل صدر من مبارك أي مساس بدينهم؟ الحكاية طويلة إلا أن الخروج عن طاعة الحاكم خرجت عن كل المفاهيم، فالناس شعرت بفقدان كل شيء، ولم يعد لديها ما تخاف على فقدانه، وحدث ما حدث، وجاء مرسي ليحكم مصر، وهو من يمثل حزبه الدين، وهم من يطلق عليهم 'الإخوان'، وهم من كان يحضر للحكم لعقود طويلة وجاءت الفرصة، وحكم مكتب الإرشاد مصر. نهض المصريون مرة أخرى ضد مكتب الإرشاد وثاروا ضد مرسي، وتطورت الأحداث إلى أن صُنفت جماعة 'الإخوان بالجماعة الإرهابية. الأحداث سريعة، ولا نعرف كيف لمصر أن تعود إلى القاطرة من جديد، فهل مصر تريد الديمقراطية والبطون خاوية والوظائف معدومة والاقتصاد يئن. كيف يستطيع الحكم الجديد أن يحقق أماني الغالبية من المواطنين، إنها مهمة ليست سهلة.

عندما قرر السادات المصالحة مع إسرائيل لم يجد أمامه سوى الدين ،فنشط بعض أهله وقالوا وهم يرددون الآية الكريمة 'وإنْ جنحوا للسلم فاجنح لها'. ونشط رجال الدين يباركون المصالحة وبعدها ينتهي السادات على يد جماعة دينية، ويُقتل في مشهد لم يتخيله، ولم يدر بخلده، ولكن حدث ما حدث. وجاء بعده مبارك لينتهي حكمه بطريقة مختلفة، ومهما اختلفنا معه، فهو فضل البقاء ومواجهة مصيره دون خوف،الوقائع التاريخية لها دلالات كبيرة، وأحيانا نغفلها.

أقتطف مرة أخرى من رواية شيكاغو هذه الفقرة 'أنت تحرث في البحر، تظن أنك ستحرج النظام أمام أميركا؟ أؤكد لك أن النظام راسخ كالجبل، ومرتبط عضوياً بالنظام الأميركي، كل ما كتبته معروف للأميركيين، ولا يهمهم في شيء مادام النظام المصري يحقق مصالحهم! فعلاً كان يحقق مصالحهم إبان حكم السادات ومبارك ومرسي، ولكن كان الخلاص مختلفا مع كل واحد منهم! تذكرت 'مصدق' وثورته على الشاه، وسفره ومن ثم رجوعه إلى الحكم، وتذكرت المحادثات السرية التي تدور تحت الأرض والثورة تشتعل ورحل الرجل، ولكن لم يعد كما كان يعتقد، وحدث ما حدث ليستمر الحكم الديني في إيران ويخرج نجاد ليقذف اليهود ويكذب محرقتهم، ويخرج علينا الرئيس روحاني ليعلن تعاطفه مع الهولوكوست. فكيف نفسر ما يحدث؟

تبقى الحقيقة غائبة، يضيع الناس بين هذا وذاك، لنتساءل جميعاً: أين العقل!

الآن - الاتحاد الإماراتية

تعليقات

اكتب تعليقك