د. أحمد الخطيب يكتب: ربيعنا العربي كفيل بتطهير بلدنا وأفكارنا
زاوية الكتابكتب يناير 8, 2014, 1:07 ص 1060 مشاهدات 0
الجريدة
لماذا ألغى تشرشل اتفاقية سايكس بيكو وفرض مشروعه التقسيمي؟
د. أحمد الخطيب
أعادت الصراعات المدمرة في الشرق الأوسط هذه الأيام إلى الأذهان اتفاقية سايكس بيكو، التي قسَّمت المنطقة بين بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية، بعد انهيار الخلافة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وهي معاهدة سرية كشف تفاصيلها النظام الشيوعي، الذي أطاح الحكم القيصري عام 1917، أي أثناء الحرب.
هذه المعاهدة السرية، حرص الشيوعيون على فضحها، كما يُقال، لتبرئة أنفسهم منها، وكذلك لحماية سمعة وطنهم، روسيا، في المنطقة.
إمبراطورية تشرشل
وحقيقة إن ما تم تطبيقه بعد الحرب شيء آخر لم يكن معروفاً، حتى تم كشفه من قبل البروفيسور البريطاني ريتشارد توي (Richard Toye) في كتاب له بعنوان «إمبراطورية تشرشل» صدر في عام 2010.
فالمصادر التي راجعها مذهلة، فهي علاوة على كل الدراسات الموجودة الرسمية حول هذا الموضوع في جميع مؤسسات الدولة والمراكز البحثية، تشمل أيضاً أوراقاً خاصة لعشرات السياسيين، ووقائع جلسات مهمة للجان حكومية وبرلمانية ليست في متناول الباحثين العاديين.
ولأنه باحث تاريخي، استطاع الاطلاع على ما هو موجود في الجامعات البريطانية مما لا يتاح لغيره.
فما الذي نفذ إذن؟
عندما عيّن تشرشل وزيراً للبحرية أصبحت مسؤوليته المحافظة على الإمبراطورية البريطانية التي لا تغرب عنها الشمس، كما يقولون.
فالأسطول هو الذي سهل السيطرة على مناطق مهمة في كل قارات العالم، وأوجد المستعمرات التي وفرت العناصر المادية والبشرية المهمة لبناء الإمبراطورية والمحافظة عليها.
ويعرف عنه أنه كان وزيراً متابعاً لمهمته بشكل جيد، فهو مشغوف بتفقد هذه الإمبراطورية شخصياً، وشارك في حروبها الاستعمارية، إلا أنه لم يتعرف على منطقة الشرق الأوسط بشكل معقول... لذلك، عندما زار المنطقة أثناء الحرب استمع للموجودين في المنطقة، من دبلوماسيين وضباط مخابرات، يعملون في المنطقة بشكل علني أو سري.
بداية القصة
القصة بدأت بتحضير للحرب العالمية الأولى، والتي كانت حرباً بين دول التحالف الأساسية، بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية، والخلافة الإسلامية العثمانية، بعد أن أصابها الوهن.
بريطانيا لم يعجبها هذا التحالف، لأنه سيفهم من قِبل المسلمين أنه حرب طائفية بين المسيحيين والخلافة العثمانية المسلمة، فالإمبراطورية البريطانية فيها شعوب إسلامية كثيرة في آسيا وإفريقيا ستكون ضد هذه الدول المسيحية.
إذن، لابد من إيجاد شريك مسلم مهم ومعترف به عند المسلمين ليحمي الغرب من هذه التهمة.
شريف مكة حسين بن علي، هو الشخص المؤهل لهذه المهمة، فتم تكليف ماكماهون حاكماً بريطانياً على مصر لتولي هذه المهمة.
نجح ماكماهون في إقناع شريف مكة بالمشاركة في الحرب، بعد أن وعده بأن يكون حاكماً على الشرق الأوسط العربي، أي سورية ولبنان وفلسطين والأردن والجزيرة العربية، وعزز هذا الاتجاه وجود حركة وطنية عربية تريد التحرر من الحكم العثماني.
لكن هذه الاتفاقية لم تعجب الحلفاء - بريطانيا وفرنسا وروسيا - فاستبدلوها باتفاقية سرية أخرى عُرفت باتفاقية سايكس بيكو، باسم الإنكليزي والفرنسي اللذين وقعا عليها، لتنفذ بعد انتهاء الحرب.
تشرشل لم تعجبه هذه الاتفافية، لأنها لا توفر الحماية الكافية للإمبراطورية التي أصبح الآن مسؤولاً عنها، فالهلال الخصيب، كما تعرف به هذه المنطقة، هو الطريق المهم إلى الهند، جوهرة تاج الإمبراطورية، علاوة على تنبؤه مبكراً للأهمية الاستراتيجية للنفط المتوقع وجوده في المنطقة، وخصوصاً بالنسبة للأسطول الملكي، فوجود دولة واحدة عربية وإسلامية تسيطر على هذه المنطقة سيشكل خطراً على الإمبراطورية لا يمكن قبوله، فأوجد البديل.
ما البديل؟
بدأ بعزل شريف مكة، بمساعدة غريمه في الصراع على حكم الجزيرة - الملك عبدالعزيز آل سعود - لأنه يعتقد أن عبدالعزيز ليست له طموحات خارج الجزيرة العربية، كما أنه قادر على منع قبائل الجزيرة من غزواتها المتكررة على العراق لنهب خيراته والعبث بأمنه، والملك أيضا سيشيع الأمن في الجزيرة، وينهي الصراعات الدامية التي أنهكت الجزيرة سنين طويلة.
وحتى لا يمتد نفوذه إلى سواحل الجزيرة العربية في البحر العربي والخليج، ما يشكّل خطراً على الملاحة، فإن الأمراء المنتشرين على هذا الساحل سيشعرون بخطر الملك عليهم، فيطلبون الحماية من بريطانيا، وهنا يقول تشرشل (الله لا يسامحه ومعه كثيرون): إن الأمير العربي همّه الأول والأخير هو حماية كرسيه في الحكم، ومستعد لأن يقدّم كل التسهيلات لمن يحميه، ونحن قادرون على تأمين هذه الحماية له.
خريطة تشرشل
وضع تشرشل خريطة المنطقة على الطاولة، وقسَّمها بخطوط مستقيمة، من دون أن يهتم بالحقائق الموجودة على الأرض من مكونات عرقية ودينية غير متجانسة، فأوجد كيانات جديدة، كالعراق وسورية ولبنان وفلسطين والأردن، وأوجد دولة صهيونية، لدق اسفين في الوطن العربي، ليفصل شرقه عن غربه، رغم كرهه لليهود، كما يقول الكاتب، فتشرشل عنصري حتى النخاع، ويحتقر العرب أيضاً.
حاول تشرشل التخفيف من تآمره على شريف مكة، فعيّن ابنه فيصل ملكا على سورية، ثم نقله إلى العراق، إرضاءً لشريكه الفرنسي، بعد أن زال الحليف الروسي، الذي أطاحه الشيوعيون، وأوجد دولة جديدة سماها شرق الأردن، سلمها لعبدالله، الابن الثاني لشريف مكة... وهكذا، أوجد الوضع المناسب في المنطقة بالنسبة لبريطانيا، إلا أن ذلك لم يدم طويلاً.
الموجة العالمية للتحرر من الاستعمار، التي سادت العالم بعد الحرب العالمية الثانية، واستفحال الصراع بين الشرق والغرب، وبروز دول عدم الانحياز... كل ذلك ساهم في هزيمة الاستعمار الغربي، وجاءت حكومات محلية لدول عربية مستقلة.
ولأن هذه الحركات تحررية وضد الاحتلال، فإن كل فئات الشعب تقريباً ساهمت في هذه المعارك، لأن الهدف كان واحداً وواضحاً للجميع، إلا أن معركة التحرير شيء ومعارك البناء شيء آخر.
خطأ جسيم
ولعل الخطأ الجسيم، الذي ارتكبه الجميع دون استثناء، هو عدم معرفة الألغام الخطرة والكثيرة التي زرعها المستعمر قبل رحيله، ألا وهي الفروق العرقية والطائفية وغيرها في كل بلد عربي، فالذين ساهموا في معركة التحرير ليسوا كلهم عرباً سُنة يؤمنون بالقومية العربية، حتى يلزموا الجميع بأن يكونوا كذلك، وكان من الواجب أن تعطى الأهمية القصوى لإيجاد صيغة ملائمة للحكم تراعي خصوصيات كل دولة، وتعطي الأقليات حقها الكامل في إدارة شؤونها وحدها في حكم ذاتي حقيقي يحترم خصوصيتها.
المفجع في هذا الشأن أنه لم يكن هناك أي مشروع جدي لدراسة مشكلة الأقليات ووضع حلول لها، قدم من أي طرف حكومي أو حزبي، كما لم يكن هناك أي مشروع وحدوي عربي يراعي الخصوصيات الاجتماعية والثقافية لكل دولة.
قد يقول البعض إن محاولة حزب البعث العراقي حل المشكلة الكردية كانت معقولة، إلا أن هؤلاء ينسون أن زعيم الحزب، صدام حسين، هو الذي أبطل هذا المشروع، بمحاولته الفاشلة اغتيال البرزاني، وكان موقفه العنصري واضحاً تماماً عندما انتدبت أنا من قبل الجبهة العربية المشاركة في الثورة الفلسطينية، وهي تضم معظم الأحزاب العربية، برئاسة كمال جنبلاط، لحثه على وقف حربه مع الأكراد، إلا أنه أكد قدرته على إنهاء الصراع بالقوة، وهذا ما فصلته في مذكراتي المنشورة في كتاب بعنوان «من الدولة إلى الإمارة».
صناعة محلية
ما ينشر الآن من دراسات عن مخطط أميركي - صهيوني لتقسيم المنطقة فيه الكثير من التجاهل لأصل الموضوع، فالوضع المأساوي الذي نحن فيه الآن هو صناعة محلية، قمنا بها عندما همشنا الشيعة والمسيحيين والأكراد والدروز والأقليات الأخرى، وطبيعي جداً أن يستفيد الأعداء من هذه الأرضية الخصبة التي قمنا بفرضها على أوطاننا، وأصبحنا نطلب من سياسيينا، الذين هم نتاج هذا الوضع التعس وأبطاله، أن يجدوا حلاً لما نعانيه، لأنهم وصلوا إلى السلطة راكبين هذه الموجة، فزوالها هو زوالهم أيضاً، ونراهم يستعينون بالأجنبي، ليدخل من الشباك بعد أن طردناه من الباب.
الحل الصحيح لما نحن فيه هو مهمة جيل جديد... جيل لم تتلطخ يداه بقذارة ما يحدث، وربيعنا العربي كفيل بتطهير بلدنا وأفكارنا من هذه الملوثات التي صنعناها نحن بأيدينا.
تعليقات