عبدالكريم الشمري يكتب عن الحوار المثمر

زاوية الكتاب

كتب عبدالكريم الشمري 867 مشاهدات 0


لا يختلف عاقلان على أهميّة الحوار المثمر …والناس في السابق تقول:(المجالس مدارس)…وذلك لأن المجالس -في السابق طبعاً- كان تضم كبار السن الذي عصرتهم الحياة وأكلوا من سنينها ما أضاف إلى أعمارهم أعماراً كثيرة…فجلوسك ساعة مع شخصية ملأتها الحياة من الخبرة والعلم يعادل جلوسك في المكتبة سنة…لأن هذا الشخص في ساعة واحدة سيُعطيك عصارة فكره وثمرة ما قرأه ونتاج تجربته في الحياة…ولن يحدث هذا وتستزيد منه لولا استثارته بالحوار…!

فالحوار هو بحق تلاقح للأفكار وتعبأة جديدة من الذخيرة العلمية لمستودع عقلك تضاف إلى ذخيرتك القديمة…؟!

ولكن الحوار كغيره من الأمور التي يتوقف نجاحها على شروط معينة…ومن أهم شروط الحوار المثمر دخوله بنيّة إدراك الحقيقة لا بنيّة التغلب وقهر المخالف…وقد يتساءل البعض كيف لنا معرفة نيّة المحاور…؟!

فأقول كما قال العلامة ابن الجوزي عند تفسير قوله تعالى {ولتعرفنّهم في لحن القول} :

(أي: في فحوى القول، فدل بهذا على أن قول القائل وفعله يدل على نيته)…!

فهناك قرائن واضحة لا تخفى على عاقل يستطيع بها التفريق بين من يحاور ليدرك الحق وبين من يحاور لينتصر ويعرّي خصمه…من هذه القرائن الظروف التي نشأ فيها الحوار وأسباب نشوءه والنظر إلى حال المُحاوِر وغايته من هذا الحوار الذي يستشفّها كل من (يفك الخط)…!!

فالدخول في حوار من هذا النوع (يفرّق ولا يجمع)…لأن الكل مقتنع برأيه وحتى لو أدرك أحد المتحاورين بأن الحق مع خصمه…فالظروف التي نشأ فيها الحوار واصطفاف الجماهير خلفه يعسّر عليه الإعتراف بالهزيمة والمثاليّة هنا منتفية…فالنفوس البشريّة في النهاية لها حظّها الذي لا يُستطاع دفعه بسهولة…؟!

ورحم الله العلامة عبدالرحمن المعلمي الذي حكى هذه الحقيقة المؤلمة في كتابه القائد إلى تصحيح العقائد حيث قال:

(وبالجملة فمسالك الهوى أكثر من أن تحصى وقد جربت نفسي أنني ربما أنظر في القضية زاعماً أنه لا هوى لي فيلوح لي فيها معنى، فأقرره تقريراً يعجبني، ثم يلوح لي ما يخدش في ذاك المعنى، فأجدني أتبرم بذاك الخادش وتنازعني نفسي إلى تكلف الجواب عنه وغض النظر عن مناقشة ذاك الجواب، وإنما هذا لأني لما قررت ذاك المعنى أولاً تقريراً أعجبني صرت أهوى صحته، هذا مع أنه لا يعلم بذلك أحد من الناس، فكيف إذا كنت قد أذعته في الناس ثم لاح لي الخدش؟ فكيف لولم يلح لي الخدش ولكن رجلاً آخر أعترض علي به؟ فكيف كان المعترض ممن أكرهه؟

هذا ولم يكلف العالم بأن لا يكون له هوى؟ فإن هذا خارج عن الوسع، وإنما الواجب على العالم أن يفتش نفسه عن هواها حتى يعرفه ثم يحترز منه ويمعن النظر في الحق من حيث هو حق، فإن بان له أنه مخالف لهواه آثر الحق على هواه)

فإذا كان هذا حال العلماء الأتقياء…فكيف بنا نحن (اللي يدوب يدرّجها)…؟!!!

فالأولى بنا تجنّب الحوارات العقيمة التي تشحن النفوس لا العقول وتستنفذ من الجهد والوقت الشيء الكثير…لاسيما وقد جاءت السنة النبوية حاثّة بتجنب المراء…فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(أنا زعيم بيتٍ في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقًّا)…!!!

 


عبدالكريم دوخي الشمري

كتب: عبدالكريم الشمري

تعليقات

اكتب تعليقك