المرأة السعودية كما يراها خليل حيدر اجتازت بعض تحديات العمل التجاري
زاوية الكتابكتب يناير 5, 2014, 12:37 ص 1214 مشاهدات 0
الوطن
أفكار.. وأضواء / وظائف للسعوديات فقط!
خليل علي حيدر
«28 ألف امرأة تقدمن للبيع في ملابس النساء الداخلية ومستلزمات التجميل، بعضهن جامعيات، براتب لا يتجاوز 3000 ريال أي ما يعادل 800 دولار، وبينما اعتبر البعض ان هذا خطأ تم تصحيحه أي ان بيع الرجل للملابس الداخلية للمرأة كان هو الخطأ، اعتبر آخرون انه انجاز كبير في مسيرة عمل النساء لأنه تجاوز مقاومة شرسة.
ويعود السبب لوصفه بالانجاز لأن القرار الذي صدر منذ عام 2004 لقي مقاومة شديدة من المؤسسة الدينية».
هكذا تحدثت الكاتبة السعودية البارزة بدرية البشر في مطلع سنة 2012 عن بدء السلطات السعودية، تنفيذ مراحل أهم قرار يمس عمل قطاعات نسوية واسعة في المملكة العربية السعودية بعد صراعات وطول ترقب [انظر: الجريدة 2012/1/7].
بدأ تنفيذ قرار «تأنيث» بيع الملابس والاكسسوارات وسط اهتمام حكومي وشعبي واسع لارتباط مستقبل آلاف الفتيات بتولي مراحل تطبيقه، حيث نفى وكيل وزارة العمل، ان يتم تأجيل قرار تأنيث المحال الداخلية والتجميل، وقال لصحيفة الشرق الأوسط 2012/1/4: إن فرق وزارة العمل ستقوم بدءاً من الغد بزيارات ميدانية للمحال والبالغ عددها 7353 محلاً، ولن يستثني القرار أي شركة أو مؤسسة تعمل في جميع المدن والقرى، وكانت وزارة العمل قد حسمت مسألة الاختلاط باشتراط توظيف ثلاث فتيات داخل أي محل في الوردية الواحدة، كما فرضت قوانين محافظة أخرى في المجال نفسه بشأن الملبس والمظهر، وحظرت على صاحب المنشأة توظيف عاملين ذكور وعاملات في محل واحد، وجاء في التقرير المطول الذي أُرسل من جدة ان نحو %90 من المستثمرين في قطاع الملابس سيواجهون أزمة حقيقية «بعد التطورات الجديدة التي أطلت عقب قرار إلزام محال الملابس بتوظيف سعوديات بدلاً من العمالة الوافدة».
وأشارت الصحيفة نفسها في 2012/1/6 إلى أنه «بدأت فرق وزارة العمل جولاتها الميدانية صباح أمس وقدر متعاملون نسبة التطبيق في محال الملابس الداخلية والتجميل بـ%75 في المدن الكبرى كالرياض وجدة، بينما لا تتجاوز النسبة %30 بالمدن الصغيرة والقرى، وأضافت ان بعض المحال بدأت أول أيام تنفيذ القرار بتشغيل الرجال».
وقد «بينت السيدات ارتياحهن للقرار وتطبيقه، الا ان هناك بعض المآخذ على العاملات في المحلات، حيث ينقصهن الخبرة ويفتقدن للسرعة في المحاسبة ويرتبكن كثيراً، وأتمنى من أصحاب المحلات ان يعملوا على تدريبهن حول كيفية التعامل مع زبائن المحل، لاسيما أنهن يمثلن واجهة المحلات العالمية».
وطالبت احدى السيدات بالمزيد من التشدد وقالت ان المطلوب منع الرجال من دخول هذه المحال وتخصصه للنساء. «نجاة عرب»، احدى الزبائن رأت ان القرار أفضل ما تم اتخاذه لأنه يوفر على المرأة «الكثير من المعاناة والاحراج الذي كانت تتعرض له خلال التعامل مع البائعين، وأتوقع ان ينجح القرار، ولكن نحتاج الى كثير من الصبر، كما أتمنى ان نعطي للفتيات فرصة ليثبتن جدارتهن». وانتقدت بعض السيدات السماح للفتيات دون سن 25 بالعمل، وقالت سيدة: أعتقد ان الفتيات في عمر الـ20 سنة «لا يمكن ان يتحملن مسؤولية وأكثر الفتيات اللاتي جئن للعمل لم يستمررن لأنهن يعتقدن ان العمل حرية وانفتاح وخروج من المنزل ومكياج وغير ذلك، وبالفعل حدثت مشاكل كثيرة بسبب اختلاطهن مع الشباب في المحال الأخرى، وأنا لا ألومهن لكونهن مراهقات بعد، لذا أقترح على وزارة العمل ان تعيد النظر في أعمار الموظفات حتى ينجح القرار، فلا يمكن ان نضع النار بجانب البنزين دون ان تشتعل. ولابد من وجود مديرة أو مسؤولة عن الموظفات لأن الرجل ليس لديه القدرة الكافية للتعامل مع الموظفات وضبطهن، كما ان الفتيات ليس لديهن القدرة على التعامل مع أجهزة الكاشير، الأمر الذي يسبب لنا الكثير من المتاعب». وقالت «هيفاء خالد» إن أصحاب المحلات غالبا ما يتعمدون مضايقتهن والضغط عليهن بالعمل حتى يتركن الوظيفة، «فهم لا يريدون لهذا القرار أن ينجح» وقالت موظفة أخرى في المحل، «إن صاحب المحل يقول دائماً لهن إنهن يكلفن ضعف ثمن موظف، وإنه لولا القرار لما وظفهن لأنه لا يؤمن بعمل المرأة». وقالت ثالثة «إن صاحب المحل غالباً ما يظهر لهن استياءه من وجود موظفات، إلا أنهن مضطرات إلى أن يسمعن كلامه ولا يجاوبنه، رغبة في الحفاظ على الوظيفة». وذكرت الصحيفة في 2012/1/8 أن رجال رجال الأعمال في الطائف «تفاعلوا مع القرار، ومنهم من يمتلك أكثر من 12 محلاً سيسعون لتأنيثها بالكامل، فضلا عن استقبال قسم سيدات الأعمال في غرفة الطائف للكثير من ملفات الراغبات في العمل من الفتيات في المحلات النسائية».
وكتبت مراسلة الصحيفة من جدة يوم 2012/1/12، أن «بوادر تفاؤل كبيرة بدت واضحة بشكل جلي في الأوساط النسائية السعودية اثر تطبيق قرار تأنيث محال بيع الملابس والمستلزمات النسائية». وصرحت احدى الموظفات «نتيجة خبرتي في بيع الملابس النسائية منذ نحو ثلاث سنوات أقوم حالياً بمهمة تدريب البائعات الجدد ومن ثم رفع تقرير بشأنهن لتحديد امكانية استمرارهن من عدمه»، وقد أكدت لكاتبة التقرير الصحافي «أن مستويات البائعات أكثر من رائع في ظل حماسهن الشديد لخوض مضمار البيع والشراء». وفيما يعلق برواتب البائعات، أبان مدير مبيعات الشرق الأوسط في «شركة نعومي» أنها تبلغ 3500 ريال، مضيفا أن الشركة تقوم بتطبيق نظام الحوافز المادية والمعنوية. وبحسب توقعات الخبراء فإن قرار تأنيث محال المستلزمات النسائية فقط من شأنه ان يوفر نحو 500 ألف وظيفة للمواطنات، كما ان شريحة الملابس النسائية تعد أكبر نسبة شرائية في المملكة، حيث بلغت %54 من مجمل الشراء في سوق الملابس الجاهزة.
من جانب آخر، رفضت العاملات في محلات الملابس الزي المقترح من قبل غرفة جدة، والذي جرى اعتماده بديلاً للعباءات أثناء العمل في محلات الملابس، وأكدت العاملات أنهن لا يحبذن «فكرة الذهاب إلى العمل والعودة منه بزي محدد، وأشرن إلى أن أرباب العمل لم يلزموهن بالزي».
وفي عدد الصحيفة يوم 2012/12/22، أكدت «آلاء عبدالرحمن» وهي طالبة في المرحلة الثانوية وتعمل في محل لبيع أدوات التجميل جنوب مدينة جدة، «أن المضايقات والتحرشات التي يتعرضن لها في المولات تكاد تكون ضئيلة جداً، خاصة مع وجود حراس أمن، كما أن رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يترددون بشكل دائم على تلك المراكز التجارية. وأكدت أن ثقافة عمل المرأة السعودية في المراكز التجارية تعتبر جديدة على المجتمع السعودي خاصة فئة الشباب». أما «سميرة أحمد»، 29 عاما، فلفتت إلى وجود «بعض المضايقات والمشكلات التي يتعرضن لها بشكل مستمر من قبل الشباب الذين يأتون للمركز دون هدف سوى مضايقة الفتيات»، واعتبرت هذه المضايقات لا تبرر ترك الفتاة للعمل وقالت: «لابد أن نتجاوز تلك المرحلة حتى تتغير ثقافتنا».
وتحدث «وليد القرني» الذي يعمل حارس أمن في المركز التجاري جنوبي جدة، وهي منطقة شعبية تسكنها عمالة غير سعودية في الغالب، «أن هناك بعض المشادات والمشكلات التي تحدث بشكل شبه يومي بينهم وبين الشباب الذين يترددون بشكل دائم على المركز دون حاجة. وقد يستدعي الأمر أن يستعينوا برجال الشرطة أو رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تتردد دائماً على تلك المراكز. ولفت إلى وجود مشادات تحدث بين العاملات أنفسهن، مطالباً بوجود حارسات أمن نساء ليتمكن من حل النزاع بين العاملات» [2012/12/22].
وتبدو هذه الفكرة معقولة إلا أنها ستثير مشكلة احتمال «الاختلاط» بين رجال ونساء الأمن، مما سيجعلها غير عملية على الأرجح!.
وتعد قضية العلاقة بين الجنسين في المملكة العربية السعودية، والمسماة عادة بـ«الاختلاط» من أعقد القضايا الاجتماعية والدينية، ومن أبرز محاور الصراع والشد والجذب بين المتزمتين والاصلاحيين.. ولهذه الظاهرة أسباب معروفة، فالمرأة في الثقافة العربية والاسلامية نقطة تقاطع دينية - اجتماعية، حيث تتلاقى المحظورات وفق الأعراف والتقاليد، بما يعتبر حراماً أو مكروهاً في الدين، ولاشك ان العقد المتحكمة بهذه العلاقة، كانت كذلك أساس الكثير من المشاكل التنفيذية التي رافقت ولاتزال مشروع «تأنيث المحال التجارية النسائية» في المملكة.
ومما يزيد من تعقيد العلاقة أن القانون السعودي التجاري، كالقوانين في دول خليجية أخرى، يمنع موظفي الدولة من الحصول على سجل تجاري يمكنهم من ممارسة الأعمال التجارية لذا يلجأ العديد من المواطنين هناك إلى إصدار سجلات تجارية بأسماء نسائهم من زوجات وبنات وأخوات وأمهات وعمات وغير ذلك.
وتعتبر السيدة «دلال الكعكي»، رئيسة القسم النسائي في غرفة مكة المكرمة في حوار مع الشرق الأوسط، 2012/1/26، مثل هذه الخطوة الالتفافية تحايلاً على الأنظمة يعرقل استفادة المرأة من حقوقها. وكشفت السيدة دلال الكعكي بعد التواصل المباشر مع السيدات أثر افتتاح القسم النسائي، أن أكثر من نصف السجلات يعود إلى رجال، ممن يشغلون وظائف حكومية في الدولة، بل قد يكونون من العمالة الوافدة، أو من المقيمين بشكل غير قانوني. وتضيف أن قوانين عمل المرأة الجديدة التي توالى صدورها منذ عام 2008، أدت إلى «دعم دور المرأة واطلاعها على القوانين الخاصة بالعمل التجاري، وإدراكها حقوقها في ممارسة أعمالها بنفسها، مما تسبب في الحد من استخراج السجلات التجارية المستغلة لاسمها ومدى التحايل والاستغلال الذي يقع عليها معرضاً أموالها واسمها للمساءلة القانونية أو النصب والاحتيال».
ومن مشاكل عمل المرأة الأخرى التي لفتت السيدة الكعكي الانتباه اليها ان من الأسباب التي كانت تحد من توسع عمل المرأة السعودية، وجود «الوكيل الشرعي» الذي كانت مهامه وصلاحياته «تعرقل نمو تجارتها»، وأضافت رئيسة غرفة مكة السيدة دلال الكعكي، «أن هذا الشرط سقط منذ ما يقرب من سنتين في معظم مدن المملكة، الا ان بعض المدن الصغيرة تأخرت في تطبيق النظام، وبعد الغاء شرط الوكيل الشرعي استُحدثت في النظام تسمية مدير أعمال، في حال كان النشاط الذي تقوم به المرأة يعرضها للاختلاط مع الرجال».
وأردفت قائلة: «إذا كان المجال التجاري نسائياً بحتاً، فمن حق المرأة مزاولة التجارة من دون مدير أعمال، ومع ذلك كان مدير الأعمال يعتبر عائقاً، وتم ازالته مؤخراً نظراً لكثرة مشاكله، فهو إما أن يكون فرداً من عائلة التاجرة سيدة الأعمال، أو غير كفء أو يكون كبيراً في السن وعاطلاً عن العمل لعدم كفاءته، ومع سقوط تسمية مدير الأعمال استبدل بالشرط كتابة تعهد خطي بعدم الاختلاط مع الرجال في مجال تجارتها وفق الضوابط الشرعية».
بدا المسؤولون السعوديون رجالاً ونساء راضين عن نتائج تطبيق قانون تأنيث المحال التجارية خلال عام 2012، وقالت «عليا عابد العجيمي» عضو لجنة الملابس في غرفة جدة، والمشرفة على معاهد متخصصة في تدريب المعاقين لصحيفة الشرق الأوسط: «ان نتائج الشركات والمؤسسات العاملة في المحال التجارية كانت مبهرة، وتم رصد تحقيق أرباح جيدة منذ البدء في التطبيق، ولكن كانت الأرباح كبيرة وغير متوقعة في الموسم التجاري خلال الاجازة الصيفية وتتراوح أرباح تلك الشركات بين 50 و%80، خاصة في المنطقة الشرقية»، وأضافت السيدة العجيمي: «كان أصحاب الشركات متخوفين في بداية التطبيق من التأثر بالخسائر بسبب عدم وجود خبرات للعاملات، ولكن زالت هذه المخاوف مع زيادة الأرباح الشهرية لفروع الشركات، وهناك شركات تعمل حالياً على توسيع دائرتها من خلال فتح فروع لها في معظم المدن الصغيرة والهجر»[2012/7/3].
وقررت وزارة العمل السعودية، مع يوليو 2012، تأنيث محال بيع العباءات وفساتين السهرة وفساتين العرائس والاكسسوارات، وأصدرت الوزارة عدة قرارات منها قرار يختص بتنظيم عمل المرأة في محاسبة المبيعات، بعد ان تم تحديد «حظر الخلوة»، و«تعامل المرأة مع الجمهور»، ويختص قرار آخر بتنظيم عمل المرأة في المتنزهات العائلية، حيث ان «من الملاحظ ان غالبية من يقومون بخدمة النساء هم من العمالة الوافدة من الذكور، لذا حدد هذا القرار اشتراطات عمل المرأة في المتنزهات الترفيهية العائلية»، وأصدرت الوزارة أيضاً قراراً يتعلق بتأنيث أماكن اعداد وتجهيز الأكل في مطابخ المطاعم، «حيث تشبه هذه البيئة الى حد كبير بيئة المصانع، لذا فقد نظم القرار عمل المرأة في هذه المحال بشكل مشابه لتنظيم عملها في المصانع، مع تأكيد توفير البيئة الملائمة لعمل المرأة ومنع الخلوة منعاً باتاً». [الشرق الأوسط 2012/7/19].
لقد اجتازت المرأة السعودية فيما يبدو بعض تحديات العمل التجاري والبدء باكتساب الخبرة العملية وثقة المستثمرين، وسنرى مع تطور هذه العملية تأثير نزول المرأة، والكثيرات منهن متعلمات وجامعيات، بمثل هذه الأعداد الكبيرة، على الحياة العامة والحريات الاجتماعية في المجتمع السعودي.
تعليقات