ظاري جاسم الشمالي يكتب عن أسباب تزايد ظاهرة الطلاق فى المجتمع الكويتي

زاوية الكتاب

كتب 890 مشاهدات 0





ظاهرة الطلاق تحت المجهر
ظاري جاسم الشمالي 

 
عندما تنتهي 37 في المئة من الزيجات نزاعا يفضي إلى الطلاق، فهذا يعني ببساطة أزمة اجتماعية تضرب بجذورها في النواة الحاضنة للتماسك الاجتماعي وهي الأسرة. لقد كانت احصائية وزارة العدل دقيقة من ناحية عرضها لأهم أسباب الطلاق، ولكن البحث الاجتماعي يبدأ من حيث انتهت الوزارة، وقد ورد في الإحصاء أن الاضطراب في العلاقة الجنسية على رأس قائمة الأسباب سواء كان عجزاً أو شذوذاً أو مثلية، ومن أهم ما ورد أن نسبة الطلاق كانت تنخفض نسبيا مع ارتفاع المستوى التعليمي للزوجين، وأن النسب المرتفعة للطلاق تركزت في السنوات الخمس الأولى للزواج، وهذا يلتقي مع دراسات عالمية تقول ان الزواج يبقى مهدداً في السنوات الخمس الأولى.

ومن الناحية النفسية يزخر المجتمع الاستهلاكي الكويتي بمتطلبات لا يمكن لأي علاقة زوجية أن تلبيها بالكامل، والجيل الطالع قليل الصبر شديد الإلحاح يميل إلى التملك أكثر مما يميل إلى المشاركة، وفي ظل هذه الصفات النفسية يصبح الشريك الزوجي من كلا الجنسين «شيئاً» ينبغي اقتناؤه ليؤدي وظيفة معينة، فإذا أظهر أي تقصير في أداء وظيفته لا يعطى أي فرصة للمعالجة أو للتعلم، فيتخذ أحد الشريكين قرارا باستبدال السلعة بعد أن تكون جذوة الحب الرومانسي قد انطفأت وأصبحنا نتعاطى مع حقيقة عارية من الأحلام.

الواقع أننا نعد أبناءنا ليتزوجوا لا ليكونوا أزواجاً، فالبيت الأسري مدرسة لتعلم المشاركة والصبر والتضحية قبل أن يكون سوقا لاستهلاك الشريك في البيت، ونضوج العلاقات الزوجية يحتاج إلى مهارات نفسية يمكن تعليمها في المدارس والجامعات، بل يجب أن يبادر المجتمع المدني مع الحكومة إلى تنظيم دورات تأهيل للجيل الصاعد مع المتزوجين، تهدف إلى تعليم مهارات التواصل مع الشريك وتحدد الفارق الأساسي بين منطق الاستحواذ والتملك ومنطق المشاركة في الآلام والآمال.

ومن أهم ما ينبغي لنا أن نتناوله في تلك الدورات حالة الانكشاف التي يواجهها الزوجان عندما تسقط الأقنعة ويتصرف كل منهما بوحي من طبيعته الحقيقية وتربيته وبيئته، في هذه المرحلة يبلغ الصراع أقصاه على السلطة وصورة الحياة والعلاقات الاجتماعية والتبعية أو الاستقلال ونمط الحياة ومستواها وأسلوب الخطاب، فكلا الزوجين يحمل تصورا لهذه الأمور لا يطابق بالضرورة ما يتصوره الآخر وكلا الزوجين يفترض أن مهمة الشريك هي تحقيق ما يريده بلا ممانعة أو تصلب، وعندما تزداد نقاط الخلاف والاختلاف تظهر إرادة الانسحاب أو الاستمرار ويصبح مصير العلاقة الزوجية متوقفا على مهارات الطرفين الاجتماعية والتواصلية، فإذا بادر أحد الطرفين إلى إدارة هذه «المعركة» بود ورأفة ورحمة كما علمنا القرآن الكريم: «وخلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة». فإن الأمور تسير باتجاه فهم الاختلاف وتقبله ثم معالجته على حساب «الأنا» من كلا الزوجين، وهذه اللحظة هي لحظة تلاقح النفوس قبل النطف، لتتولد من هذا التلاقح شخصية جديدة للأسرة تضمن بقاءها ونموها ورسوخها.

الأمر أصعب بكثير من ركوب سيارة وقيادتها، وأهم بكثير من شراء سلعة واستهلاكها، والاستخفاف بالزواج يفضي غالبا إلى نتائج وخيمة. فلنرفع مستوى الاهتمام حكومة وشعبا عن طريق «تعليم» الزواج لأن الإحصاءات أعطتنا أول إنذار مبكر وأهم مؤشر لمستوى التماسك الاجتماعي في دولة تقدس صلة الأرحام.

 

النهار

تعليقات

اكتب تعليقك