المجتمع الواعي المنسجم ألد عدو لأي نفس فاسد.. عمر الطبطبائي مؤكداً
زاوية الكتابكتب ديسمبر 30, 2013, 12:49 ص 1322 مشاهدات 0
الراي
من بين الآراء / المجتمع ما بين الانسجام والتناقض.. (2)
عمر الطبطبائي
في الجزء الأول من هذا المقال بينا بأن ثقافة المجتمعات الديموقراطية هي نتيجة وليست سببا، وحاولنا توضيح من يقف خلف عملية توجيه المجتمع كما أشرنا عن سمات المجتمعات المنسجمة ومقارنتها بمجتمعنا. وفي هذا الجزء لن أتطرق الى طرق تغيير ثقافة المجتمعات لأننا لم نصل الى هذه المرحلة بعد انما سأضع مثالا لمجتمع واجه ما يواجهه مجتمعنا اليوم بل أسوأ بكثير منا واستطاع أن يخلق له أرضية صلبة أساساتها قصص نجاح ساعدت على الانطلاق نحو التقدم والتطور عل وعسى أن يجد هذا المثال صدى بقلوب المخلصين لهذا الوطن.
لعل اول مثال يجب التطرق اليه هو التجربة السنغافورية أو بالاحرى المعجزة السنغافورية والتي تدور حول مجتمع هزيل يقبع تحت ركام الفساد، فالمجتمع السنغافوري آنذك كان مشابها للمجتمع الكويتي كثيرا، بل كان أشد فسادا وتخلفا من مجتمعنا.
المجتمع السنغافوري هو خليط من أعراق مختلفة أهمها الصينيية والملاوية والهندية الامر الذي ادى الى نشوب غلو عنصري وديني وقف امام أي بادرة اصلاحية، وبالمناسبة كانت سنغافورة آنذك جمهورية تشكل حكوماتها من خلال انتخابات برلمانية أي باختيار الشعب ورغم هذا فشلت كل الفشل في بناء مجتمع متطور يمثل دولة محترمة! ويكمن السبب في ذلك... ثقافة المجتمع!
يقول لي كوان مؤسس سنغافورة الحديثة في كتاب سيرته الذاتية، «بعد الانفصال مباشرة (وهنا يقصد الانفصال عن الاتحاد الملايو عام 1963)، توليت منصب رئيس الحكومة، وكل شيء حولي ينذر بالانهيار فنسبة البطالة 15 في المئة والدولة تخلو من كل شيء، البنية التحتية متخلفة للغاية، المدارس والجامعات لا تفي بالحاجة، الغليان العنصري والديني يهدد بالانفجار في أي لحظة والتهديد الخارجي لم يتوقف»، وهنا قام السيد كوان بالتخطيط ووضع استراتيجيات لبناء المجتمع السنغافوري من جديد وركز في البداية على أمرين، الأول من خلال بناء ثقافة الفرد عن طريق تبني سياسة تعليم جديدة وربطها بمتطلبات المجتمع السنغافوري اذ يقول «الدول تبدأ بالتعليم»، اما الامر الآخر فمن خلال تغيير سلوك وفكر المجتمع العنصري من خلال توزيع منازل على المواطنين السنغافوريين والهدف من ذلك كان لانصهار كافة أطياف المجتمع وأعراقه لتتسنى لهم مقومات التعايش الحقة فكان كل منزل يجاوره منزل آخر لمواطن من عرق مختلف وكانت الحكمة خلف ذلك هو النظرة المستقبلية للاجيال القادمة عبر احتكاكهم ببعض في «الفريج» والمدارس، ناهيك عن التوجيه الاعلامي والتعلمي لزرع كل هذه الثقافات الأمور التي ادت الى خلق مجتمع منسجم قاد البلد الى احتلال مكانتها العالمية التي نراها اليوم، فسنغافورة من بعد الدمار المجتمعي وصلت اليوم الى ان تكون وجهة سياحية مهمة ودولة صناعية اقتصادية من الطراز الأول والسبب في ذلك لم يكن الا من خلال ثقافة مجتمع!
ان امكانات سنغافورة آنذاك أقل من امكاناتنا اليوم بكثير ولكن الفرق بأن من كان يتحكم بوسائل تغذية المجتمع وتوجيهه هناك لديه الرغبة الجادة في استخدامها لبناء «مجتمع منسجم» مع نفسه ليحقق أهدافه لا هدمه وتفكيكه كما حصل في مجتمعنا الكويتي في الفترة الأخيرة، وكذلك ان الامنيات وحدها لا تبني مجتمعات ديموقراطية وعلى عكس ما يتوهم الكثير فإن الحكومة البرلمانية المنتخبة لا تؤدي الى بناء مجتمع واعٍ بشكل حقيقي انما الوعي والثقافة وانسجام المجتمع هي الطرق المؤدية الى ذلك، ففي مجتمع كمجتمعنا قد ينتخب أشخاص عنصريون، فاسدون، طائفيون وقبليون باسم الديموقراطية نفسها ولك في مثال سنغافورة خير دليل!
قد يسأل البعض أين البداية والجواب هو... أنت!
د ا ئ ر ة م ر ب ع ة :
المجتمع الواعي المنسجم هو ألد عدو لأي نفس فاسد، لذلك يحرص البعض على تدميره!
تعليقات