متى بدأ الاسلام السياسي في الكويت؟!.. سؤال يطرحه ويجيب عنه خليل حيدر

زاوية الكتاب

كتب 1135 مشاهدات 0


الوطن

طرف الخيط  /  الشيخ مبارك الكبير.. والإسلام السياسي الكويتي

خليل علي حيدر

 

متى بدأ الاسلام السياسي في الكويت؟ تقول المراجع ان مجتمعنا «عرف الاتجاه الديني مع بداية القرن العشرين، وكان انصاره من علماء الدين والتجار الذين تأثروا بزعماء الاصلاح الديني المستنير مثل جمال الدين الافغاني ومحمد عبده ورشيد رضا وعبدالرحمن الكواكبي». (جماعة الاخوان، د.المديرس، ص7).
ومن الشخصيات التي يذكرها د.المديرس بالاسم «الشيخ عبدالعزيز الرشيد والشيخ يوسف بن عيسى القناعي وياسين الطبطبائي وفرحان الخالد وخالد العدساني. ويضيف ان هؤلاء وغيرهم «من المصلحين الكويتيين الذين اعجبوا بحركة النهضة في البلاد العربية، وسعوا الى محاولة تحقيق ذلك في المجتمع العربي».
ولا جدال في ان الدور التنويوي والتحديثي الذي قام به هذا الجيل الرائد كان في غاية الاهمية، وبخاصة في ترسيخ مفاهيم الانفتاح والتسامح والاعتدال الديني والثقافي والاجتماعي والمذهبي. ولا شك انهم خاضوا معارك ثقافية لاسباب لا تكاد تصدق اليوم. فقد اعتبر المتشددون دينيا قراءة الجرائد والمجلات من البدع والمحرمات، «وتم تكفير احدى العائلات الكويتية لأنها اشتركت في احدى المجلات العراقية، واصدروا فتوى بتكفير جميع من يقرأ أو ينقل أو يعمل على ترويج هذه البدع. وعند صدور اول مجلة كويتية، «مجلة الكويت» التي اصدرها الشيخ عبدالعزيز الرشيد في عام 1928، كان يدور على صدر صفحاتها سجال بين الاتجاه الديني المتسامح والاتجاه الديني المتشدد». (د.المديرس، ص9).
كانت فترة حكم الشيخ مبارك الكبير (1896 – 1916) عشرين عاما من التطورات المحلية والاقليمية البالغة الخطورة. فالدولة العثمانية كانت في انحدار وعلى وشك السقوط، والمملكة العربية السعودية على وشك الظهور، والازمات الدولية تتوالى حتى توجت عام 1914 بالحرب العالمية الاولى.
وكانت الكويت آنذاك، كشأنها منذ ذلك الوقت، بين قوى اقليمية تفوقها عددا وعدة، وكان على الشيخ مبارك ان يبذل كل ما في جهده وحيلته للاستفادة من نقاط القوة لديه ونقاط ضعف الآخرين!
ولا شك ان تفاصيل الصراع بين التحديثيين والمتشددين في الكويت ما بين 1900 – 1930 كانت تحمل بعض ملامح الصراع الراهن بين الاسلاميين والليبراليين. غير انني اميل الى اعتبار سنة 1333هـ - 1914 بالذات، البداية الواضحة والعلامة البارزة في انطلاق الاسلام السياسي في الكويت، عندما قاد الاسلاميون حركة سياسية واسعة في المجتمع الكويتي ضد موقف الشيخ مبارك الصباح، المؤيد لبريطانيا في الحرب العالمية الاولى (1914 – 1918)، ضد الدولة العثمانية. فقد وقعت ثورة ضد صديقه الشيخ خزعل بعد احتلال الانجليز للبصرة باعتباره من حلفائهم، واعلنوا عليه الجهاد مناصرة للدولة العثمانية. وضيق الثوار الخناق على الشيخ خزعل في المحمرة مما جعله يستنجد بصديقه الشيخ مبارك الصباح.
وحاول الشيخ مبارك ان يمده بجند من الكويتيين يشد ساعده بهم، فأظهروا العصيان وجاهروا بالامتناع، كما يقول المؤرخ عبدالعزيز الرشيد. وكانت القيادة الفكرية والدعوية لحركة العصيان فيما يبدو، لقيادات اسلامية عربية مقيمة في الكويت، فيقول الرشيد ان «الشيخ محمد الشنقيطي والشيخ حافظ وهبة المصري، كانا يطوفان المجالس ويغشيان الاندية لتحذير الناس من الطاعة – للشيخ مبارك – وان من انقاد فقد يُحكم عليه بالارتداد عن الدين، فأثار ما قالاه الحماس في النفوس، حتى صمم القوم على الإباء مهما كان في الامر من شدة، ومها نزل بهم من بلاء، وذهبوا الى الشيخ جابر – ابن مبارك – وقد تأبطوا مسدساتهم، فقالوا له عندما أمرهم بالمسير لنجدة خزعل: لا نسمع ولا نطيع. فقال جابر: لماذا؟ فقالوا لأن الطاعة في هذا الامر معصية، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. فبهت جابر من مفاجأتهم.. وساور مباركا غضب شديد سيما على من ظنهم مدبري العصيان من الرؤساء، فشرع يتوعدهم بما يقضُّ عليهم المضاجع».
ويقول المؤرخ سيف مرزوق الشملان: «كان المرحوم الشيخ الشنقيطي والشيخ حافظ وهبة المصري يحثان الناس ويحرضانهم على عدم الطاعة للشيخ مبارك، وان هذه الطاعة تُعدُّ ارتدادا عن الاسلام، وأخذا يضربان على هذا الوتر الحساس، حتى هيّجا النفوس واشعلا فيها نار العصيان، فذهب وفد من الكويتيين من النواخذة لمقابلة الشيخ جابر وابلاغه عدم امتثالهم لهذا الامر.. فكيف يقاتلون اخوانهم في الدين لأجل الشيخ خزعل خان، وكيف يشتركون في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل». (طبعة 1986 ص170).
كان الشيخ مبارك خارج الكويت عند خزعل بالفيلية. وعندما رجع، يقول الشيخ الرشيد، «استدعى الشيخ الشنقيطي والشيخ حافظ وهبة الى قصره، وكان هناك القنصل الانجليزي في الكويت، استدعاهما للوم والتهديد على ما قاما به في غيابه».
ويستوقفنا هنا ما قاله الشيخ مبارك ومدى وعيه بالخطوة السياسية التي اتخذها في مساندته المجهود الحربي البريطاني، وما يشوب الموقف من الناحية الدينية. قال الشيخ مبارك لكل من الشنقيطي وحافظ وهبة: «من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه». ثم اردف ذلك بقوله: «انا مسلم عثماني أغار على ديني وعلى دولتي ولا احب من يتعرضهما بسوء، غير اني اتفقت مع الانجليز على أمر فيه نفع لي ولبلدي، ولهذا لا ارضى بالطعن فيهم وان كنت لا احبهم وديني غير دينهم».
وقال: «قد ورد الي كتاب بأنكما وثالثا، من اثاروا الناس في الكويت وحرضوهم على العصيان ضدي، والكويت بلدي وأنا الحاكم فيها، والذي ينازعني فيها فليس له عندي الا القتل». وهنا التفت الى الشيخ حافظ فقال له: «ان ابناء المدارس في الكويت يجهرون في الشوارع والاسواق بسب الانجليز ومدح الألمان، لا ريب انهم لصغرهم لا يعرفون الا ما يلقنهم معلموهم».
وعلى الرغم من ان الحادثة انتهت بمحاسبة الكويتيين المشاركين في التمرد بشدة، وبخروج وهروب الشنقيطي وحافظ وهبة، الا ان الشيخ مبارك كان يدرك مكانة الدولة العثمانية في نفوس المسلمين آنذاك. وقد جاء في حديثه مع عبد المسيح الانطاكي نشر في مجلته «العمران» عام 1327هـ - 1909، قول الشيخ مبارك: «اننا جميعا ندرك ان لكل زمان دولة ورجالا، وان دولة ورجال هذا الزمان هم الاتراك. فبقاء الخلافة فيهم مما يعزز راية الاسلام ويؤيد كلمة المسلمين». (انظر المؤرخ الشملان، ص264 وما بعدها).
يزخر هذا الحدث الذي وقع عام 1914، قبل قرن تقريبا، وقبيل رحيل الشيخ مبارك بعد عامين، بكل العناصر الدرامية والسياسية التي لا تزال تحرك الجماعات الاسلامية والاسلام السياسي اليوم: دولة نصرانية كافرة تشن الحرب على دولة الخلافة، عدم جواز الاستعانة بالكافر أو الوقوف معه ضد المسلم وحتى مسالمته لدخوله الحرب ضد الاتراك. ونرى في الواقعة كذلك الفجوة بين رؤية الحاكم والموقف الشعبي، ومعضل التضارب بين المصلحة الوطنية والدينية. وقد كتب الشيخ حافظ وهبة الى الوجيه الكويتي «شملان بن علي»، جد المؤرخ سيف مرزوق الشملان، وكان مقيما في البر لبعض الوقت، طالبا منه المجيء الى مدينة الكويت للتأثير في الاحداث: «كنا نود وجودك في هذه الازمة التي نخشى ان نخرج منها خاسرين الدنيا والآخرة.. الأوفق ان تؤم الكويت لتنظر في الامر مع باقي اخوانك لعلك تنقذ المسلمين والاسلام من هذا الخزي والعار. فكروا في املاككم التي في البصرة وعاقبتها، وانظروا الى دينكم الذي يستغيث مما ألمّ به». (من تاريخ الكويت، سيف مرزوق الشملان، ص171).
وعلينا الآن ان نتصور مصير الكويت.. لو لم يفعل الشيخ مبارك ما فعل!

الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك