سقطت حبة تينة.. فبكت سمكة

زاوية الكتاب

عبدالرحمن الفرحان يكتب عن التعامل الغبي بإختزال مفهوم الوطن بثقافة بلاستيكية

كتب 3264 مشاهدات 0

من الأرشيف

كتابة السيرة الذاتية فن يكشف فيه الكاتب عن مكنونات النفس ويعصر خلاصة تجربته بآنية من ذهب للقارئ، أجمل ما شربت من هذه التجارب هي سيرة القامة الأدبية المفكر ادوارد سعيد التي ؤمن بأنها من أجمل السير التي كتبت في القرن الماضي لما فيها من أبعاد تاريخية وفكرية تنبع من أغوار نفس بشرية عاشت أحداثا عالمية وتجارب مختلفة، ما يسرق الدهشة منك أحيانا وأنت تتكئ على حروف النص هو ادوارد الطفل الذي يبكي انتماءه ورغبته بالعودة إلى القدس، وجعه الأول و زيارة جزء اخر من نفسه تركه غارقا بالنيل. هذا النوع من الحنين لا يمسني لأني آمنت بقول شاعر الانسان نزار قباني وهو يرتل على مسامعي

أنا لست مهتما بأصل قبيلتي
ورائي نزار أم ورائي تغلب
فليست بلادي بيرقا أو خريطة
ولكن بلادي حيث أسطيع أكتب

الإنتماء إلى الأرض أمر، وأن تحيا حياة طيبة في وطنك أمر آخر. قد فاضت مشاعر ادوارد لاغتصاب الصهاينة مكان نشأته، لكن لو عاش في فلسطين وهي حرة عربية هل سيشعر بالانتماء ذاته ؟ أشك في ذلك، ولكن لست أدري! 0

******
في 'المنبت'، وهي الجزء الرابع من خماسية عبد الرحمن منيف الخالدة مدن الملح، استغرق منيف من الزمن أربعة أجزاء ليخبرنا أن ' الوطن وهم كبير، وتكفيني الأوهام التي عشتها في حياتي' لتأتي الخلاصة بعد ذلك تتقدمها الحقيقة بقوله 'وطن الإنسان حيث يكون قوياً ومؤثراً وقادراً. الوطن ليس التراب أو المكان الذي يولد فيه الإنسان، وإنما المكان الذي يستطيع فيه أن يتحرك' ليختصر قصة أكثر من انسان حاول أن يكون انسانا في أغلب الاقطار العربية.
الحياة أقصر من أن تعاني على أرضك حتى تسلب أغلب حقوقك، ثم تجد الدنيا قد ضاقت عليك فلا يسليك إلا قول فهد العسكر

وطني ولي حق علي أضعته
وحفظت حق الداعر المتسكع

******

أنا من أولئك الناس الذين تضيق صدورهم ثم تتصعد حرجا عند ربط الانتماء بأوراق ثبوتية، أو فهم الوطن من خلال منهاج التربية الوطنية، لتنتج لنا آلة استنساخ العقول وفرض الولاءات والمفاهيم حتى لا يغدو الانسان أكثر من آلة استهلاكية تنتهي صلاحيتها كي ينتج المجتمع قطعة أخرى

الوطن لا تتعدى حدوده دموع الأم وهي تدعو لك، عطف الأب الذي يشعرك بالأمان، وقلب تحمل فيه من تحب أينما حللت فتشعر بأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة

******

من أشد الأشياء على نفسي التعامل مع الغباء الذي يختزل مفهوم الوطن والانتماء بثقافة بلاستيكية معلبة تنتج وطنا مشابها لمجموعة من الناس تجمعهم حدود واحدة. أن تجعل محور الكون تشابه الناس بتعريفهم ومشاعرهم لوطن أو لانتماء كمن يحاول أن يجد رابطا في قول أدونيس ' سقطت حبة تينة فبكت سمكة ' . 0

عبدالرحمن سعود الفرحان

الآن- رأي: عبدالرحمن الفرحان

تعليقات

اكتب تعليقك