خليل حيدر يكتب عن حلول مشكلات الاقتصاد الكويتي
زاوية الكتابكتب أكتوبر 30, 2013, 12:47 ص 1066 مشاهدات 0
الوطن
أفكار وأضواء / اقتصاديون يحاولون.. انتشال الكويت
خليل علي حيدر
في الرابع من رمضان هذا العام 2013-1434، خرج مسؤول كويتي بارز في وزارة الشؤون لتفقد حال العمل في وزارات الدولة. وجاء في الصحف ان ما كشفت عنه جولة السيد وكيل الوزارة «جمال الدوسري»، هو غياب الموظفين، وعدم دوران عجلة العمل، «بحجة الصيام». وقيل ان السيد الوكيل الذي قام بتفقد مفاجئ في ادارة عمل العاصمة «فوجئ بغياب عدد كبير من الموظفين بلا اذن ولا عذر ولا مبرر، الامر الذي عطل معاملات المراجعين». وكانت القبس قد ذكرت قبل يوم من تلك الجولة ان «ثلث الكويتيين فقط يتقيدون بدوامهم»، و«بعضهم يعمل أقل من ساعة». وقالت الصحيفة ان عدد الاجازات المرضية خلال شهر رمضان بموجب احصائية صادرة عن ديوان الخدمة المدنية لموظفي الجهات الحكومية، زادت عن 96 الف اجازة مرضية ما بين 7 يوليو و5 اغسطس، بما يقارب 132 الف يوم عمل وبتكلفة تزيد على مليونين وستمائة الف دينار. وجاءت وزارة الصحة في المقدمة في منح موظفيها «اجازات مرضية»، اكثر من 17 الف اجازة! ثم وزارة الداخلية، نحو 13 الفا، فالتربية 11 الفا، ثم العدل قرابة العشرة آلاف. كما تجاوز عدد الاجازات المرضية للموظفين الذكور عدد الاناث في بعض الوزارات ومنها الاوقاف والكهرباء والخارجية والدفاع.. ومجلس الأمة. (2013/8/19).
ولا يمكن من واقع الاجازات المرضية والغياب والتسيب، اعتبار هذه الظواهر رمضانية بحتة، وان كانت تزداد في هذا الشهر. فالواقع ان الغياب والتمارض وسلبيات عديدة اخرى، لا تزال طاغية على سير العمل في ما يسمى بالعمل الحكومي او القطاع العام.
نشرت القبس الكويتية في يوليو الماضي تقريرا عن اصلاح القطاع العام في دولة الكويت. وهي دراسة قام باعدادها كل من «الجمعية الاقتصادية الكويتية»، وهي منظمة غير حكومية مستقلة تأسست في عام 1970، و«المركز المالي الكويتي» وهو يخضع لرقابة هيئة اسواق المال وبنك الكويت المركزي، وكانت الجهة الثالثة المشاركة في اعداد هذه الدراسة د.ستيغان هيرتوغ المحاضر في كلية لندن للاقتصاد، حيث تشمل خبراته الاكاديمية العمل كأستاذ متخصص في دولة الكويت.
واشارت الدراسة الى ان الكويت قد حصلت على «درجات متواضعة في المؤشرات الدولية الخاصة بنوعية الادارة وفعالياتها، حيث يضعها البنك الدولي في اسفل الجدول بين باقي دول مجلس التعاون الخليجي، بالتساوي مع السعودية، التي تتفوق على الكويت بشكل واضح في استقطاب الاستثمار الاجنبي، فيما يخص مؤشر فعالية الحكومة»، من جانب آخر، ذكرت الدراسة ان الكويت ايضا، «تأتي في اسوأ مرتبة بين دول المجلس فيما يخص مؤشر الفساد التابع لمنظمة الشفافية الدولية. وفي ترتيب الامم المتحدة لتصنيف الحكومات الالكترونية لعام 2012، تتخلف الكويت عن باقي دول مجلس التعاون باستثناء عمان. وتنتشر في الكويت على نطاق واسع الحكايات حول البيروقراطية البطيئة التي لا تستجيب ولا يمكن الاعتماد عليها، خصوصا من قبل رجال الاعمال الكويتيين والاجانب. فالاستثمارات حساسة من ناحية الوقت في حين ان الاجراءات الحكومية تستغرق وقتا طويلا.
ويبين التقرير ان هذه السلبيات كانت واضحة الانعكاس على مجالات وحجم الاستثمارات الاجنبية. فقد جذبت الكويت حوالي ملياري دولار فقط ما بين 2011-2000، في حين تمكنت البحرين وهي الاصغر منها والاقل ثراء، جذب حوالي 11 مليار دولار، بينما وصل حجم الاستثمارات في دولة الامارات العربية التحدة الى 83 مليار دولار. وتواجه الكويت صعوبة كبيرة في جذب الشركاء الاجانب، وبخاصة بعد الغاء عقد «داو كيميكال» في عام 2008، كما ان رأس المال المحلي يفر من البلاد بشكل مطرد الى اجزاء اخرى من العالم بما فيها دول كالبحرين والامارات، حيث المستثمرون الكويتيون من بين الاكثر نشاطا.
وتشمل أسباب تجنب الاستثمار في البلاد ضعف البنى التحتية وحالة عدم الاستقرار السياسي وصراعات الحكومة والبرلمان وكذلك القوانين والاجراءات القديمة التي عفَّى عليها الزمن. وتتفوق على الكويت مثلا في مجال «ممارسة الاعمال» في تصنيف البنك الدولي، دولة «تونس»، صاحبة المرتبة 50 بينما تقبع الكويت في المرتبة 82 غير أن الكويت تتفوق على المعدل القائم في الشرق الأوسط في مجال حماية المستثمرين والحصول على الائتمان ودفع الضرائب، بينما تتراجع إلى مراتب اسوأ من باقي جيرانها في دول مجلس التعاون، وحتى من دول أخرى في المنطقة.
وتشكل البيروقراطية الكسولة، يقول تقرير الجمعية الاقتصادية، عبئاً على الأعمال التجارية المحلية والدولية.
ومما يفسر هذا الوضع المتردي في الإدارة الحكومية، أن الوظيفة العامة في دولة الكويت تخدم كأداة توزيع للثروة، وذلك من خلال توفير الوظائف الحكومية لمعظم المواطنين. ففي عام 2012 مثلاً، بلغ التعداد السكاني للمواطنين في الكويت حوالي 1.2 مليون وتم توظيف 380 ألفاً منهم في القطاع الحكومي والخاص، نحو ثلاثة أرباعهم 300 ألف، في القطاع العام.
ولا توجد في أي مكان خارج دول مجلس التعاون مثل هذه النسبة العالية من العدد الإجمالي للسكان والمواطنين العاملين في القطاع العام. وقد خصصت الدولة أكثر من عشرة مليارات دينار في ميزانية 2012 – 2013 للرواتب والبدلات. ويشير التقرير إلى مشكلة «الواسطة»، وإلى «غرف المحاولات السابقة لإصلاح القطاع العام، حيث كان اللوبي المؤيد لقطاع الأعمال يخوض معركة صعبة مع المصالح الشعبوية والغالبية البرلمانية، وإلى التأثير السلبي لزيادة رواتب القطاع الحكومي حيث بدأت هجرة معاكسة من القطاع الخاص إلى القطاع العام بعد جهود مضنية لتشجيع العكس.
وينوه التقرير بأهمية الإصلاح الشامل للقطاع العام الكويتي لتحسين الأداء، وأن يتم التركيز على تنظيم التوصيفات الوظيفية وهيكلية الرواتب والبدلات وسياسة التوظيف، والنظر في الحاجات الإدارية الحقيقية بدلاً من السعي الدائم لزيادة عدد الكويتيين الباحثين عن وظائف. ويرى التقرير أن تطوير الاداء المنخفض والمتوسط للبيروقراطية هو التحدي الأصعب في قضية إصلاح القطاع العام، ويعترف معدو التقرير أنه «سيكون من المستحيل تقريباً خفض التوظيف بشكل جدي وتشديد معايير الاداء وفرض عقوبات على الاداء الضعيف، من دون الاعتماد على بعض السياسات التعويضية، وستكون هناك حاجة للإبداع بتصميم تعويض كهذا، بحيث تستفيد منه الحكومة وقطاع الأعمال، وكذلك النواب والمواطنون».
ومن الاقتراحات استثمار مدخرات الكويت في الخارج، وافتراض عائد بنسبة %5 من هذه الأصول حيث «يمكن أن يمول منحة نقدية مقدارها حوالي 700 دينار لجميع المواطنين الكويتيين البالغين، وستكون الكلفة الإجمالية أقل من نصف ما تنفقه الحكومة حالياً على الأجور، والذي يبقى، بالإضافة إلى ذلك، في تصاعد حاد ومستمر، ويمكن لهذا النظام أن يكون بديلاً لمخطط «دعم العمالة» الحالي، وربما أيضاً يحل مكان دعم الكهرباء والوقود، ويمكن لهذا النظام أن يدعم نفسه من خلال مساهمته في خفض رواتب القطاع العام».
ومن احتياجات الكويت وجود قياديي القطاع العام ذوي المستوى الرفيع من غير السياسيين، خصوصاً وأن التوظيف مسيس على جميع مستويات الإدارة العامة تقريباً، ولابد من حماية طبقة معينة من الإداريين الدائمين من المؤثرات السياسية.
وتفتقر المؤسسات ذات المهام الاستراتيجية في الكويت إلى قدر كاف من الاستقلالية، على غرار دول أخرى في مجلس التعاون. كما أن الجهود الرامية إلى تأسيس جهات مستقلة مثل هيئة أسواق المال لم تنجح بشكل فعال. وفي حقيقة الأمر، غالباً ما يتعرض معظم هذه المؤسسات للضغوط السياسية الدافعة للإفراط في التوظيف على أسس أقل من الكفاءة، وفي بعض الحالات لا تكون هذه المؤسسات مستقلة في مسألة صنع القرار الإداري. فمؤسسة البترول الكويتية، وهي الشركة الأم في مجال النفط، مرتبطة بآليات التوظيف الخاصة بديوان الخدمة المدنية. وقد جرى تبني قرارات التوظيف أحياناً بالاعتماد على معايير سياسية واضحة، مثل الإعلان العام لوزير النفط السابق عن توظيف 4000 موظف جديد في القطاع النفطي الذي كان يعاني أصلاً من تضخم في التوظيف، كما هاجم اعضاء في البرلمان مؤسسة البترول الكويتية بسبب ما أفيد عن محسوبيات في الترقيات.
وفي حين تجذب مؤسسة البترول الكويتية وشركاتها التابعة أفضل الشابات والشباب الكويتيين وأكثرهم ذكاء، يقول التقرير، إلا أنها الأقدار بشكل مستقل، ولا تتسم عملية التوظيف فيها بالانتقائية المطلوبة، بعكس القطاع النفطي السعودي مثلاً المملوك من قبل الدولة، حيث تحدد الاجور وقضايا التوظيف فيه بشكل مستقل الى حد كبير من قبل الادارة العليا، ويتم التوظيف والتقييم بشكل احترافي للغاية. وهذا ما نراه كذلك في شركتي «أرامكو» و «سابك» السعوديتين، بعكس ما نرى من تسييس وانتقائية في الكويت.
ومن مشاكل الكويت انها لاتزال تعمل وفق قوانين وضعت خلال فترة الستينيات او السبعينيات، ولديها القليل من الهيئات الرقابية المستقلة، وليس لديها منطقة تجارية حرة فاعلة، كما انها لا تملك الا بنى تحتية محدودة للصناعة والموانئ. ويضيف التقرير ان معظم الكويتيين على سبيل المثال، معجبون بالخطوط الاماراتية للطيران او شركة ارامكو السعودية، ولكن قليلاً منهم مدرك الظروف المؤسساتية التي سمحت بهذا الازدهار، او العوامل التي منعت ابطالاً وطنيين مثل هؤلاء من الظهور في الكويت ايضاً. وتتطرق الدراسة الى ـ النجاحات الآسيوية في مجالات الصناعية، كما في كوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورة، وتعيد السبب الى الاشراف الاستراتيجي على الوزارات من قبل هيئات التخطيط المركزية ذات المستوى العالمي، والتي كانت تتمتع بحق الدخول المباشر الى قنوات المعلومات الخاصة بالمؤسسات الحكومية، وتقوم بدور رئيس في وضع ميزانياتها، بالاضافة الي تمتعها بعنصر آخر لا يقل اهمية، وهو احتضانها لموظفين من افضل الاقتصاديين والمخططين في البلاد، والذين تقوم بتوظيفهم بشكل مستقل وبرواتب تنافسية، كما ترسل الهيئات التخطيطية هذه تقاريرها عادة الى رئيس الجمهورية، او رئيس الحكومة مباشرة، بخلاف المؤسسات التقليدية، وتكون احياناً جزءاً من مكتب رئاسة الدولة. وفي هذا السياق، فان دور «مجلس التخطيط الاقتصادي» القوي والمرموق في العجلة الصناعية لكوريا الجنوبية كان محط انظار واهتمام كبيرين، ومادة لتاليف عدد كبير من الكتب والمقالات، بينما تم ابطال محاولة حديثة لانشاء وحدة للتخطيط السياسي ضمن مكتب رئيس الوزراء في الكويت، في خضم الاحداث السياسية المتلاحقة.
ويضيف التقرير ان هذا النوع من المؤسسات الصغيرة والتي تعمل فوق المستوى الوزاري، على موظفين ذوي كفاءة عالية، حيث يحصلون على رواتب جيدة، وبعضهم ممن يتمتع بخبرة من القطاع الخاص، وقد تمكن مكتب رئاسة الوزراء هذا من توظيف عدد من افضل الكفاءات الكويتية، حيث تمت اعادتها مجدداً الى الوطن من اماكن كثيرة حول العالم، [القبس، 30-30 يوليو 2013].
ان مشكلة الكويت، كما هو واضح من هذا التقرير الذي عرضنا ابرز محتوياته، ان ماهو اقتصادي يعيق ماهو سياسي، وما هو سياسي يعرقل الاقتصاد! ومع تزايد الضغوط الشعبوية وخضوع البرلمان لها اكثر فاكثر، ومع تزايد الضبابية في الرؤية والاستراتيجية الحكومية، بل وقدرتها على رسم سياسات عصرية وانتاجية في قطاع الدولة، تتفاقم ازمات كثيرة مثل البطالة المقنعة والترهل الوظيف وضياع الاهداف التنموية وطغيان التسييس على مجمل مفاصل القطاع العام.
ان العديد من الدارسين للاقتصاد الخليجي يتوصلون مثلا الى بعض النتائج الواردة في دراسة «تحديات التنمية البشرية في منطقة الخليج»، التي قام بها د. عادل عبداللطيف، المنشورة ضمن ابحاث كتاب مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2009، بعنوان «الموارد البشرية والتنمية في الخليج العربي». ومن هذه التحديات التي تشير اليها دراسة د. عبداللطيف ان «مساهمة المواطنين في سوق العمل غير متوازنة»، وان «مشاركة المرأة في سوق العمل تبقى خجولة»، وان «التحديات الناجمة عن الاعتماد على العمالة الوافدة» لاتزال قائمة. كما ويرى د. عبداللطيف ان حجم القطاع العام «يعد حجر عثرة امام تحقيق نمو أسرع». وان دول الخليج «لا تستطيع الاستمرار في الاعتماد على القطاع العام لتوفير فرق عمالة لمواطنيها» [ص 56-54].
ان الشكوى الرائجة اليوم في دول عربية كثيرة عن مخاطر خلط الدين بالسياسة. وقد يبدأ الحديث قريباً عن مضاعفات خضوع الاقتصاد والتنمية وخطط الانتاج.. للسياسة!
تعليقات