مصر وحكم العسكر

زاوية الكتاب

كتب 1577 مشاهدات 0

ارشيفية

يبدو أن مقولة 'يسقط حكم العسكر' في مصر فشل السياسيون في إدراك مضامينها وكيفية تطبيقها، وهم لا يلامون بذلك على كل حال. فالحزب الوحيد الفاعل على الأرض هو، كما أسماه من هتف لأحمد عرابي ومجموعته، 'الحزب العسكري'. أما مرحلة التحرك الشعبي وتأسيس حزب الوفد في بدايات القرن الماضي فهي ليست سوى مرحلة طارئة لم تلبث أن تتآكل أو تُحاصر بأحسن الأحوال. ورغم أن المقاومة الشعبية للهيمنة العسكرية على الحياة السياسية في البلاد لم يتوقف نبضها أو شعورها بالحياة حتى في أحلك أوقات حكم الرئيس جمال عبد الناصر ثم نفوذ عبد الحكيم عامر أثناء ذلك، إلا إن ضيق مساحة حرية الحركة السياسية أدى لتصحرها وإفراغها من مقومات الحياة، كما اتفق بذلك رجالات الفكر والسياسة في مصر.

وأدى حكر العمل السياسي على العسكر وخلق طرف مقابل وهو تيار الإخوان المسلمين ونشوء صراع وهمي ومصطنع ما بينهما إلى تكريس حالة الفراغ الفكري والنضوب الناجم عنه. وفي ذات الأثناء، أمعن العسكر بالتغلغل لمؤسسات الدولة واختراقها والسيطرة على مفاصلها شيئا فشيئا بدءا من انقلاب/ثورة يونيو 1952، وهذا لا يعد من غرائب الأشياء، لكن الغريب هو ذلك السكوت المريب -إن لم يكن التواطؤ- من كبار رجالات السياسة والقضاء والثقافة والفكر والاقتصاد والأكاديميين على تصرفات العسكر المراهقين الطائشة والرعناء منذ 1952 وحتى الآن. وقد تواتر نقل العديد من الوقائع التاريخية التي تشير لهذا التواطؤ، ومنها مثلا عدم دعوة البرلمان للانعقاد عمدا لعدم الشروع في إجراءات الوصاية على العرش بعد انقلاب 1952 بسبب الصراع بين جناحي الوفد مصطفى النحاس ومكرم عبيد. ومن المجهول إن كان الطرفان يعلمان أن التخلي عن الدور السياسي قد أعاد 'شبح عرابي' مجددا، وتطور إلى نضوب تدريجي للحياة السياسية في البلاد. وها هي المتلازمة المرضية تظهر على السطح جلية ناصعة، فنراها على نماذج بسيطة وإنا كانت معبرة عن عمق الأزمة في المجتمع مثل 'نعم للعسكر' و'ما تكمل جميلك' و'تسلم الأيادي' و'احنا شعب وانتو شعب'. ولعل المطلع على بديهيات التاريخ يدرك ببساطة أن العامة والدهماء ليسوا هم من يصيغ الإرادة الشعبية العامة ويؤطرها تأطيرا يخدم مقومات بناء الدولة ومؤسساتها، بل يقع ذلك على عاتق النخبة الممثلة للشعب عبر الأدوات النيابية والتمثيلية الصحيحة، وهم باختصار 'رجال السياسة'. ويقع الخلل واعتلال الموازين حين يتخلى هؤلاء عن دورهم المفترض، كما رأينا ذلك مع اطلالة الشهر السابع من هذا العام، أو أن يفشل هؤلاء السياسيون بتفعيل حياة سياسية تؤدي إلى بناء الدولة واستقرارها وتنميتها، وهو ما لمسناه بعيد الخامس والعشرين من يناير 2011، حيث وقع هؤلاء بسهولة بالفخ المتكرر -'شبح عرابي'- ولم يدركوا دروس الماضي ليتجنبوا الوقوع في حبائلها.

من نافلة القول أن *شبح عرابي لا يخيم على مصر وحدها بل ينسحب كذلك على بلدان عربية عديدة.، مع اختلاف الأشباح وتباين الضحايا وتعدد الظروف. أقول هذا رغم إنني لا أؤمن بوجود الأشباح!


*وصف تاريخي للدكتور محمد الجوادي

فيصل كريم الظفيري

كتب: فيصل كريم الظفيري

تعليقات

اكتب تعليقك