سوريا والضربة الوشيكة: عقاب النظام أم إسقاطه؟
زاوية الكتابكتب أغسطس 27, 2013, 11:05 م 5363 مشاهدات 0
يجمع المراقبون على أن ضربة غربية تركية وربما بمشاركة عربية للنظام السوري أصبحت وشيكة، ولكل من هذه الأطراف أسبابها المختلفة وتوقيتها المحتم بضرورة القيام بعمل عسكري ضد نظام بشار الأسد بعد المناظر المأساوية لضربه المدنيين العزل بالأسلحة الكيماوية.
ولكن ما هي أبعاد وسعة ونتائج هذه الضربة المحتملة؟
يتمنى النظام السوري أن تكون الضربة العسكرية عقابا محدودا وقصيرا وأن يتمكن من استيعابها وأن يحولها لصالحه إعلاميا بإظهار فشلها مع دعوة صحافيين أجانب لتصوير آثارها التي طالت 'المدنيين الأبرياء'، ومن ثم فبعدها يرى أنه في حل من أي التزام تجاه أي طرف دولي بكيفية إدارة الصراع مع المعارضة وبالتالي الإمعان بالبطش وربما تكرار استخدام الأسلحة الكيماوية على نطاق أوسع. لكنه لا النظام السوري ولا غيره يمكن أن يتكهن بنتائج الضربة ضد النظام إن كانت واسعة النطاق وتشمل مطاراته العسكرية وشل قدراته العسكرية وفرض حظر جوي وقلب الموازين لصالح المعارضة والجيش الحر بما يمكن معه حسم الصراع والتخلص من النظام، وبعد ذلك لكل حادث حديث. لكن ذلك سيتوقف على تطورات المواجهة وقدرة المعارضة السورية والجيش الحر على ترتيب أوضاعها وتجاوز خلافاتها والتركيز على الهدف الأساس: إسقاط النظام، فقد يكون هدف الضربة عقابا للنظام وليس إسقاطه، وتكون المعارضة بذلك أضاعت على نفسها فرصة قد لا تتكرر قريبا.
إدارة الرئيس الأمريكي باراك اوباما أضحت رهينة تصريحاتها بأن استخدام أسلحة الدمار الشامل من قبل النظام هو خط أحمر، ومن ثم فإن تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بأن النظام قد استخدم الأسلحة الكيماوية دون تمييز وعلى نطاق واسع، يفرض على إدارة الرئيس الأمريكي القيام بعمل ما يقوي صورة الرئيس والإدارة في الداخل حيث تتعرض للنقد الدائم بالضعف وعدم الخبرة في السياسة الخارجية.
أظهر الموقف الروسي ليونة وتبدلا من خلال مؤتمر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الذي عقده أمس والذي ذكر فيه أن روسيا لن تدخل الحرب مع أحد، وهو تصريح يعكس موقفا جديدا لروسيا المتعنتة باستماتتها بالدفاع عن حليفها السوري طيلة فترة الصراع التي امتدت لأكثر من عامين ونصف. ولو أن لافروف قال أن روسيا لن تقف متفرجة على أي عمل عسكري ضد سوريا لكانت قراءة الموقف الروسي شيئا مختلفا.
تذكر مصادر متعددة أن المملكة العربية السعودية ودول خليجية أخرى قد لعبت دورا كبيرا في تليين الموقف الروسي وإقناعهم بضرورة التوقف عن دعم نظام أوغل في قتل شعبه حيث أن استمرار الموقف الروسي ليس في صالحها وأن النظام ساقط لا محالة.
وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف
العلاقات الأمريكية-الروسية ليست في أحسن أحوالها بعد منح روسيا اللجوء السياسي لموظف المخابرات الأمريكية ادوارد سنودن الذي أفشى أسرار التجسس الأمني الأمريكي على المواطنين الأمريكيين وربما أكثر من ذلك، فألغى الرئيس الأمريكي لقاء كان مقررا له مع الرئيس الروسي بوتين، وألغت أمريكا لقاء آخر كان مزمعا غدا للتناقش حول الأزمة السورية والتحضير لمؤتمر جنيف2 الذي أصبح في خبر كان بعد أهوال المذابح الكيماوية التي ارتكبها النظام بغوطة دمشق، ولا ترى روسيا في استمرار تشنج العلاقة المستمرة مع الغرب مصلحة لها على كافة الجبهات، فالسياسة 'أخذ وعطاء'، وربما حان الوقت لإعطاء نظام بشار لتحالف دولي مقابل حصول روسيا على مصالح اختلفت التكهنات والتقارير حول طبيعتها. كل هذه العوامل قد تفسر الليونة التي ترجمها المراقبون بتصريحات لافروف أمس.
ستكتفي الصين بترديد تصريحات ترفض القيام بعمل عسكري دون تفويض الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
الفرنسيون يحاولون تعزيز مواقفهم بمستعمرتهم السابقة- سوريا- ويرغبون بلعب دور محوري بإسقاط النظام كما فعلوا بإسقاط نظام القذافي في محاولة لاستعادة نفوذهم بشمال أفريقيا التي تشهد حضورا مكثفا للنفوذ والشركات والمصالح الأمريكية.
لا ترغب بريطانيا بالغياب عن المشهد الدولي، ولن تلعب دور المتفرج في حرب يقودها الناتو وبمشاركة الولايات المتحدة الأمريكية، بل إن بعض المراقبين يفسرون دعوة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون للبرلمان بالانعقاد الطارئ بعد غد الخميس وقطع إجازته الصيفية من أجل شرح أسباب الضربة التي ربما تكون قد وقعت قبل الخميس، وليس دعوتهم من أجل استئذانهم للقيام بها.
كما أعلنت تركيا أنها جاهزة للمشاركة بعمل عسكري بعدما تأكدت بأنها لن تخوض حربا منفردة ضد سوريا بدون الناتو خشية التورط في وحل لا تعرف مدى عمقه منفردة، ولقد تحملت تركيا طيلة الأزمة محاولات استفزاز نظام بشار لها ومحاولة جرها للحرب لتوسيع نطاقها وقلمنتها (من الإقليم)، فقد أكدت تركيا مرارا وتكرارا بأنها ستشارك بالحرب على النظام السوري منذ اندلاع الأزمة السورية شرط مشاركة الناتو لها، وهذا ما يفسر تصريح وزير الخارجية التركي أحمد داوود أغلو بأنه 'لا حاجة لقرار دولي للقيام بعمل عسكري ضد النظام السوري'، وهو التصريح المتطابق مع تصريح وزيري الخارجية البريطاني وليام هيغ والفرنسي لوران فابيوس. ولكن لم يطلق وزير الخارجية الأمريكي كيري تصريحا مشابها لزملائه البريطاني والفرنسي والتركي، وسبب ذلك يعود لذكرى الحرب على العراق وانتقاد الديمقراطيين للجمهوريين لشنهم الحرب على العراق عام 2003 لإسقاط صدام حسين دون تفويض دولي. يذكر أن وزير الخارجية الحالي جون كيري كان منافس الرئيس السابق جورج بوش في الانتخابات التي نجح بها بوش بولايته الثانية.
من الواضح أن الموقف الإسرائيلي الداعي إلى التفرج على 'فخّار يكسّر بعضه' بسوريا قد انتهت صلاحيته لأسباب مختلفة أهمها أن إدارة اوباما وحكومة إسرائيل بقيادة نتانياهو ليست سمنا على عسل، وتوقف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بالأمس بعد مقتل ثلاثة فلسطينيين على يد القوات الإسرائيلية، أجهض جهود إدارة الرئيس اوباما بتهدئة الجبهة الفلسطينية الإسرائيلية للتركيز على جبهة سوريا. تذكر مصادر أن تل أبيب قد أبلغت نظام بشار أن أي هجوم عليها من قبل نظامه ستؤدي لاستهدافها له، وهو ما يفسر تلقي النظام الإهانة تلو الأخرى والهجوم تلو الآخر من إسرائيل دون رد، ولكن طبيعة ونطاق الضربة القادمة للنظام السوري قد تفرض على النظام نهجا انتحاريا بهجوم ما على إسرائيل –وربما عن طريق حزب الله أو جبهة القيادة العامة-جبريل- في محاولة لتوسعة نطاق المواجهة والظهور بمظهر المحارب لإسرائيل كمحاولة لاستدرار التعاطف العربي. وهي محاولة تذكرنا بمحاولة صدام حسين اليائسة إبان حرب تحرير الكويت حين أطلق صواريخ لم تقتل أحدا ولم تجرّ إسرائيل للمواجهة بضغط أمريكي. تذكر مصادر أن الناتو قد أعطى ضمانات لإسرائيل بالدفاع عنها وشدد على ضرورة وقوفها على الحياد أتناء ضرب النظام، فهل تلتزم إسرائيل بذلك؟ يتوقف ذلك أيضا على نطاق وحجم وطول فترة الضربة التي أصبحت وشيكة.
أصبح موقف إيران كبالع الموس، فلا هي التي تريد الدخول في مواجهة مباشرة مع الناتو، ولا هي تريد التخلي عن حليفها العنيد- بشار الأسد- الذي أنهكها وكلفها كثيرا على كافة الصعد السياسية والعسكرية والمالية دون أن ينتصر في حربه التي طالت ضد شعبه. مساعد الأمين العام للأمم المتحدة –جيفري فيلتمان- كان بطهران أمس، وتذكر مصادر أنه أوصل رسالة للإيرانيين مفادها أن الأمم المتحدة تشدد على ضرورة احترام حزب الله لقرار مجلس الأمن رقم 1701 المتعلق بوقف الحرب بين حزب الله وإسرائيل عام 2006، وذلك في حال اندلاع مواجهة عسكرية ضد النظام السوري. وتفيد المصادر أن رد إيران كان حذرا ومبهما دون إعطاء أية ضمانات، ومفاد الرد الإيراني-كما تفيد المصادر- أن هناك منظمات أخرى غير حزب الله لا ولاية لإيران عليها، وأنها قد تقوم بأعمال خارج إطار قرار مجلس الأمن، وأنه إذا ما ردت إسرائيل عليها بضرب لبنان فإن ذلك قد يدفع حزب الله للدخول بمواجهة مع إسرائيل مما يوسع نطاق المواجهة. معروف أن الإيرانيين يكرهون فيلتمان ولا يثقون به منذ أن كان مساعدا لوزير الخارجية الأمريكي حينئذ لشئون الشرق الأوسط، وقد قام بزيارات مكوكية للبنان وإسرائيل عام 2006 أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان وكان زعيم حزب الله –حسن نصرالله- ينعت حكومة رئيس وزراء لبنان حينها- فؤاد السنيورة- 'بحكومة فيلتمان'.
جيفري فيلتمان
لعل أكثر المتوترين المحاذين لسوريا بالمنطقة هما الأردن والعراق، فالأول يعيش أزمات اقتصادية وسياسية متكررة زاد طينها بلة مئات الآلاف من اللاجئين السوريين، والثاني يعيش حالة من الانقسام الطائفي والاختلال الأمني الدامي، ولا يعرف أي منهما أين ستنتهي النتائج بعد الضربة وسيقومان بتقييم الموقف حسب تطوراته، لكن المؤكد أن للأردن دور لوجيستي مهم في حال المواجهة يتضح من انعقاد رؤساء أركان جيوش عشر دول غربية وعربية أمس بعمان لا أحد يظن أن اجتماعهم كان للنزهة والسياحة رغم تصريحات الأردن رسميا بعدم سماحه للضربة انطلاقا من أراضيه.
مصر مشغولة بأوضاعها الداخلية، وترى بانشغال العالم بسوريا فرصة لترتيب بيتها الداخلي وتخفيف الضغوط المختلفة عليها- وبالذات الأمريكية المساندة للإخوان المسلمين، أما دول الخليج وموقفها واستعداداتها ومدى مساهمتها بما هو قادم فمسألة تحتاج لمقال آخر.
بشار الأسد
طبول الحرب تقرع، ونتائجها يصعب التكهن بها، ولكن السبب الأساس الذي قاد الأمة لما وصلت إليه فهو بلا شك ولا مواربة نظام البعث السوري الذي أدى ببطشه وقهره ومذابحه للوضع في سوريا –تماما مثلما كان نظام صدام السبب الأول بجلب البلاء والمحن للشعب للعراق وشعبه.
ورغم عدم التفاؤل بأن رحيل نظام بشار سيجلب المن والسلوى بسرعة للشعب السوري المنكوب، ولكن الأساس أنه لا أمل لسوريا ببقاء الأسد مهما كانت النتائج.
تعليقات