'الشرعية' الصامتة

زاوية الكتاب

ما بين واقع مصر والكويت يكتب عبدالهادي العجمي

كتب 2824 مشاهدات 0

تظاهرات مؤيدة للرئيس المعزول الدكتور محمد مرسي -أرشيفية

في محاورة معاوية و بني هاشم يسترسل معاوية في تبيان أن الشرعية هي نتاج تقبل المجتمع لسلطة معينة فيقول: 'أحق قريش بها من بسط الناس أيديهم إليه بالبيعة عليها ونقلوا أقدامهم إليه للرغبة وطارت إليه أهواؤهم للثقة وقاتل عنها بحقها فأدركها من وجهها. إن أمركم لأمر تضيق به الصدور إذا سألتم عمن اجتمع عليه من غيركم قلتم حق، فإن كانوا اجتمعوا على حق فقد أخرجكم الحق من دعواكم.'


هذا الحوار هو المدخل الذي استخدمه المستشرق موشي شارون (M. Sharon) في مقالته المهمة (The Development of the Debate Around the Legitimacy of Authority in Early Islam) التي تناول فيها بصورة مميزة مفهوم الشرعية وتطوره في المجتمع الإسلامي الأول.

إن جدلية موشي شارون ليست محط نقاشي في هذه الأسطر فقد تحدثت عن ذلك في كتاب (الشرعية السياسية في بدايات الإسلام ...) ولكن المثير للحديث مرة أخرى انتباه الجميع لمفهوم الشرعية وخاصة نتيجة للحوار الدائر بين مجاميع المثقفين العرب بل وحتى غير المثقفين عن نتيجة الحالة المصرية ومحورية كلمة الشرعية في تلك الحالة.

من هو الشرعي وما الشرعية وكيف ندركها
وكيف يدخل المجتمع كعامل مهم في تحديدها
أو حتى في تغيرها، كل هذه الأسئلة مستحقة ولا بد من التمعن بها، ولكن ما يهمني في هذا السياق فقط آن أعلق في هذه السطور على مفهوم الجماعة إذ لا يتسع المجال للحديث عن بقية الأسئلة،

الجماعة (الناس) في نص الحوار الذي قدمناه يستخدم مفهوم الجدلية من الصمت أو الحجة من الصمت وهي إحدى طرق الاستدلال المعروفة ( argument from silence)
وكذلك تعتبر هذه الأدلة هي الأضعف حيث أن الغياب لا يعني الوجود كما هو مقرر منطقياً.

ولكي أوضح هذا المعنى فإن الجدلية تقول
إن السلطة شرعية لأن الجميع منخرط في عمله اليومي ويقوم بالقبول بشكل المجتمع
والسلطة وينفذ تعليمات هذه السلطة مما يعني
إن السلطة بكل بساطة تحصلت علي قبول 'المجتمع' أو الجماعة أي عامة الناس،

إن هذا المعني لفهم الشرعية ستجده متأصل في الثقافة العربية ولكنه بلا شك متواجد في أطراف التجربة الإنسانية ، وهنا تدرك أهمية وخطورة أي مشهد يستطيع فيه المجتمع أوالجماعة الإعلان عن أي موقف رافض لممارسة السلطة، لان هذا الرفض يؤثر ويستهدف بصورة مباشرة 'الشرعية' المبنية علي صمت المجتمع ولهذا تستطيع أن تفهم خطورة المظاهرات التي وقعت في كل بلد لأنها خروج عن الصمت الاجتماعي المحسوب تلقائياً لصالح السلطات، ولا شك أن المجتمعات التي تحصلت علي حق اختيار حاكمها منحته شرعية من نوع آخر وهي شرعية الجماعة المعبرة وليست الصامتة.

إن المشهد المصري مهم لتأمل الأحداث، المظاهرات التي خرجت ضد الرئيس المنتخب كانت بشكل رئيسي تسعي لتقليص قيمة الشرعية التي امتلكها عن طريق الانتخاب وكذلك المظاهرات المستمرة ضد الانقلاب تحرم السلطة الجديدة من حق الاستمتاع بمفهوم 'الشرعية' الناتج عن الصمت!

لذلك يحتاج النظام الجديد للبحث عن شرعية تصدر عن انتخاب أو اتفاق يخلي الساحات!، والمشهد في الكويت كذلك يستحق التأمل من هذه الزاوية فخروج أعداد ضخمة للشارع الكويتي كان تعبير عنيف يمزق حجة الشرعية من الصمت وكذلك المقاطعة بهذه الإعداد هو محاولة جادة لحرمان السلطة من نيل الشرعية المعبرة الناتجة عن الانتخاب، ولو جزأ كحالة الكويت لان المنتخبون يصدقون علي وجود الحكومة، فالمقاطعة استمرت في ترسيخ أزمة الشرعية في الكويت فمن تغيب عن حضور الانتخابات متعمدًا كان يرسل تلك الرسالة التي تسلب الشرعية!

كانت السلطة مسيطرة من خلال الإعلام الموجه ترسيخ الشرعية من الصمت ولكن المتغير الرئيسي هو تقلص فعل السلطة في عقل الأفراد من خلال مساحات التغير الذي أحدثته وسائل التواصل الاجتماعي، فالجميع يتكلم وهذا ما يخترق بقوه حالة الصمت المانح للشرعية.

هذه الجوانب الحديثة هي بلا شك عامل مهم وجديد تحتاج السلطات خاصة التقليدية أن تفهم كيف سيؤثر بقوه على شرعية أي نظام .

 

الآن - الدكتور عبدالهادي العجمي

تعليقات

اكتب تعليقك