نواب «لجنة الظواهر السلبية»، يريدون أن يكونوا أوصياء على الحرية، وأن يتدخلوا في الحريات الفردية والمجتمعية..فحوى مقالة فاخر السلطان
زاوية الكتابكتب يونيو 17, 2008, منتصف الليل 542 مشاهدات 0
الحرية تنتهك باسم «لجنة الظواهر السلبية»
كتب:فاخر السلطان
بانشاء مجلس الأمة «للجنة الظواهر السلبية»، التي تعتبر لجنة غريبة على الواقع الثقافي والاجتماعي الكويتي، فان بعض الأسئلة تطرح نفسها: أين موقع الحرية من ذلك؟ وهل يتصادم انشاء اللجنة مع المفهوم الحديث للحرية؟ وهل النواب الذين تبنّوا اللجنة يؤمنون بهذا المفهوم الانساني؟
مما هو معروف أن مفهوم الحرية وأهميته بالنسبة للانسان في الماضي يختلف عنه في الحاضر، اذ كان نداؤه عبر التاريخ خافتا ومختلفا مقارنة بالعصر الحديث الذي علا فيه وأصبح من أهم المفاهيم الانسانية منزلةً. فهو يمثّل أحد الحقوق الأساسية للانسان الراهن. ونحن اذ نجهد للمطالبة بحقوقنا والدفاع عنها كان لزاما علينا تركيز مطالبنا على الحرية، التي نعتقد بأنها تتوافق مع حقوقنا الفطرية، وأن نسعى الى اثبات ضرورتها وأهميتها في الحياة.
وعلى أن الحرية هي جزء لا يتجزأ من الاطار الذي تتشكل من خلاله العدالة، فاننا نعتقد بأنه لايمكن للعدالة أن تتحقق الا بوجود الحرية. فاذا كان تعريف العدالة بمعنى احقاق حقوق الانسان، فان الحرية هي أحد الحقوق التي لايمكن للعدالة أن تتحقق الا باحقاقها.
واذا ما ادّعت ايديولوجيا فكرية ما، من خلال نشاط أفرادها أو حزبها أو نظامها السياسي، بأن من أهدافها تحقيق العدالة لكنها تضيّق على الحريات في المجتمع، فان مسعاها هذا سيكون ناقصا.
وبما أن نواب الاسلام السياسي والمتعاطفين معهم المؤسسين «للجنة الظواهر السلبية» قد تعدّوا حدود حرية أفراد المجتمع بانشاء هذه اللجنة، من خلال شرعنة التدخّل في الحريات الخاصة للناس، والتضييق على الحريات العامة ومواجهة أي مسعى لتطويرها بما يتناسب مع مستلزمات الحياة الحديثة وتطورها، بزعم الحفاظ على ثوابت المجتمع وقيمه الدينية وعاداته المحافظة، وهي بالنسبة لرؤاهم قيم وعادات وثوابت ربّانية طبيعية غير قابلة للتغيير، فان شعار الدفاع عن الحرية لتحقيق العدالة الذي يرفعه هؤلاء هو ادّعاء فحسب، ما يعكس معاداتهم لمفهوم الحرية الحقيقي الساعي لتغيير الحياة لتحقيق مزيد من الاستفادة منها، كما يعكس تأييدهم للمفهوم التاريخي الساعي الى الابقاء على الواقع.
ان الفكر الديني لم يكن في يوم من الأيام مساهما في تأسيس وانتاج المفاهيم الانسانية الحديثة، ومن ضمنها مفهوم الحرية. كذلك لا نجد اسهاما لهذا الفكر في مواجهة النظام الرعوي العبودي المعادي للحرية الذي كان سائدا في العالم القديم، مستبدلاً به نظاماً يستند الى الحرية وحقوق الانسان. ولايزال رموز هذا الفكر يساهمون في تشجيع النظام الرعوي السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المجتمعات العربية والمسلمة بوصفه نظاما طبيعيا يجب ألا يتغيّر، نظاما يتوافق مع الفكر التاريخي والحياة القديمة. اذاً، كيف يمكن للأحزاب والتنظيمات التي خرجت من رحم هذا الفكر أن تكون مساهما فاعلا في الدفاع عن الحرية بمعناها الحديث؟ فهي تسعى الى تفعيل فهمها الماضوي المتوافق مع النظام السياسي والاجتماعي التاريخي، أي المتوافق مع النظام الرعوي العبودي الفردي، وقد اتصف هذا الفهم بصفات انتهت صلاحيتها ولم تعد تصلح للحياة الحديثة.
الانسان في العصر الحديث قد تغيّر، ولم يعد يرضى بسيادة المفاهيم القديمة التي تضيّق على انسانيته وتلزمه بأطر تاريخية وتعيق مسار حياته الحديثة، كما لم يعد يشبه انسان العصر القديم في صفاته وفي نظرته تجاه نفسه وتجاه القضايا والمسائل. وقد ترتب على ذلك تغيّر النظرة تجاه الحرية، وكذلك تجاه العدالة وحقوق الانسان، وتجاه مختلف القضايا والمسائل. لذلك أصبحت الحرية بالنسبة للانسان الحديث أساس الحياة وأحد المصادر الرئيسية لاحقاق الحقوق المختلفة والدفاع عنها، كما باتت ذات شأن بارز ومكانة مرموقة لم تكن كذلك عند انسان العصر القديم. فنحن بتنا نعشق الحرية بصورة لا تتشابه مع ما كانت عليه شكل العلاقة لدى القدماء. وهذا كله لم يكن ليولد لولا ولادة العقلانية الجديدة التي خلقت العالم الجديد الذي نعيش فيه. وأصبحنا نرى آثار تلك العقلانية من خلال ولادة الفلسفة الجديدة والعلم الجديد والتكنولوجيا الجديدة، وفي ولادة حقوق جديدة ومفاهيم جديدة كان على رأسها مفهوم الحرية. وكان ذلك التحوّل أمرا طبيعيا، اذ كانت حاجات ومطالب الانسان القديم تختلف عن حاجات ومطالب الانسان الحديث بسبب اختلاف تفسير العقلانية عند الاثنين، وبالتالي أصبح هناك اختلاف في انتاجات كل منهما. فلم تكن هناك حاجة الى الحرية بمفهومها الحديث لدى الأفراد الذين كانوا يعيشون في العصر القديم، في المقابل لايمكن تحقيق حاجات الانسان الحديث الا من خلال العيش في ظل حرية تستند الى تفسير حديث، ما يعني أن الحاجات اختلفت في العصر الحديث عنها في العصر القديم. فالعصر القديم كان يوصف بالعصر الطبيعي، أي أن جميع الأشياء كانت تعتبر طبيعية ولا تحتاج الى تغيير. فمثلما كانت البحار والجبال والسماء مسائل طبيعية، كانت صور الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية تعتبر أيضا من المسائل الطبيعية التي لاتحتاج الى تغيير. فاذا كان الله قد خلق الشمس والقمر والفلك والبحار والأنهار والهواء والأمطار، أي الطبيعة، لكي تخدم البشر، وهي غير قابلة للتغيير، فان نوع الحكم الذي كان سائدا آنذاك، والقائم على الحكم الفردي المستند الى النظام الرعوي العبودي، كان أمرا طبيعيا غير قابل للتغيير، بل ان أي خروج عن ذلك النظام الطبيعي كان عملا غير مألوف. أما في العصر الحديث فقد تغيرت الأمور، وبات رفض وصف الأمور والمسائل بالطبيعية هو ما يميز الحياة.
ان الانسان الحديث أصبح يطرح تساؤلا مهما: كيف نستطيع أن نغيّر مختلف المسائل ونستفيد منها؟ بمعنى أن التغيير بات يطال مختلف الأمور، ومنها على سبيل المثال شكل الانسان الذي كان يوصف بالطبيعي في الماضي، في حين أن الانسان الحديث أصبح يوجه سؤالا جديدا: كيف يمكن أن نغيّر الحياة لكي نحسّن شكلها الطبيعي؟ لذلك كانت ممارسة عمليات التجميل تعتبر تدخلا من قبل الانسان لتغيير شكله (الطبيعي) نحو الأفضل. وقس على ذلك مختلف الأمور.
على هذا الأساس، فمن يعتقد بأن الحرية هي جزء من الطبيعة، وأن تعريف السياسة والاقتصاد والاجتماع تاريخي ماضوي ينتمي الى العالم القديم أو الى الفهم الطبيعي للأمور، وأنّ لامبرر للحرية في مقابل ثبات الطبيعة، وهذه وجهة نظر أنصار الفكر الديني تجاه مختلف القضايا والمسائل والمفاهيم، فان هذا الشخص لايستطيع الا أن يرفض مفهوم الحرية الحقيقية أو الحرية وفق فهمها الحديث التي تعطي الانسان حق التدخل في الحياة لتغييرها نحو الأفضل وترفض الوصاية المعرقلة لهذا التغيير. وهذا بالضبط ما يريده نواب «لجنة الظواهر السلبية»، وهو أن يكونوا أوصياء على الحرية، وأن يتدخلوا في الحريات الفردية والمجتمعية ويعرقلوا التغيير ويحافظوا على الواقع بوصفه شأنا طبيعياً بأمر ربّاني غير قابل للتغيير. بعبارة أخرى: أن يمارسوا الاستبداد من خلال التضييق على الحريات بحجة المحافظة على القيم الدينية والعادات المحافظة. فاذا كان للحرية الحديثة سلبيات (وفق زعمهم)، فان سلبيات الاستبداد تفوقها بأضعاف.
تعليقات