لبنان و'السمنديقه'
زاوية الكتابيتصرف حزب الله كدولة داخل دولة لا حول لها ولا قوة
كتب أغسطس 23, 2013, 10:48 ص 2999 مشاهدات 0
من الكلمات الطريفة الدخيلة على اللهجات الخليجية كلمة 'سمنديقة' (بتشديد السين لتصبح كالصاد) ويبدو أن أصلها هندي، حيث توارد أن تجار الخليج الذين كانوا يذهبون للهند -قبل ظهور النفط- يتركون حارسا لبضائعهم ليذهبوا لمعاينة الأسواق والمتاجرة، وكلما أتى أحد لهذا الحارس ليشتري من البضائع الخليجية يقول لهم: 'سامان' أي بضاعة 'ديقي' أي حارس أو يحرس، بمعنى 'أنني لست سوى حارس لهذه البضاعة ولا أملك أن أبيعها أو أتصرف بها'، وإذا جاءه أصحاب البضاعة ليسألوه عما فعل بغيابهم، يقول لهم 'سمان ديقي' فعلِقَت هذه العبارة عندنا في اللهجة الخليجية وتحوّر معناها قليلا لتصبح 'سمنديقة' أي من لا شأن له بشيء أو المتفرج بسلبية، والمؤكد أهل نجد مثلا لا يستخدمون هذه الكلمة إطلاقا بحكم عدم معايشتهم للظروف سالفة الذكر. وقد تكون كلمة 'سمنديقة' قريبة المعنى شيئا ما من كلمة 'طرطور' المستخدمة في مصر والشام وبعض المناطق العربية الأخرى رغم أن الأخيرة قد تحتمل معنى تهكمي أكثر (تعني بالأصل 'الرجل الدقيق الطويل أو القلنسوة الطويلة أو الوغد الضعيف'، حسب المعجم الوسيط).
الشاهد أن هاتين الكلمتين تذكرتهما عند قراءتي اليوم لخبر إطلاق صواريخ على شمال فلسطين المحتلة من مدينة صور في لبنان. ولا اتهم الرئيس اللبناني هنا أنه 'سمنديقة' أو 'طرطور' فهذا مما لا يحتاج إلى بحث أو تدليل، رغم أن معظم من احتل هذا الموقع من الشخصيات العسكرية الصارمة كالرئيس الحالي ميشال سليمان أو سلفه إميل لحود. لكن من الواضح أن إشكالية السلبية في مركز الرئيس اللبناني ليست ذاتية، بل متجذرة ويصعب التخلص منها بسبب الموقع الجيو-استراتيجي للبنان، وهو ما يعني ضمنا أن استقرار البلد يخضع لعوامل خارجية بحتة لا علاقة لها بشخصية الرئيس أو ترويكا الحكم أو الحكومة برمتها. فلن تستطيع الدولة اللبنانية الخروج من هذا المأزق، وإن جلبت أقوى الرؤساء شخصية أو أكثر الحكومات فعالية. وها هو حزب الله يمرّغ هيبة الدولة علنا بخروجه السافر عن الإجماع الوطني وتدخله بالشأن السوري واشتراكه بجريمة إبادة الشعب في سوريا . ومن هنا يتبين لنا وقوف الرئيس اللبناني عاجزا مكتوف اليدين حيث لا حول له ولا قوة. فإن كان من أطلق الصواريخ تجاه شمال الكيان الصهيوني هو حزب الله فهذه طامة جديدة على رأس الرئيس، أما إن كان من أطلقها جماعات غير حزب الله فالطامة أشد وأقسى. ليس لأننا لا نود إزعاج منام الصهاينة، بل لأن مثل هذه العمليات العبثية لا تشكّل سوى رسائل محلية محضة تحاول تغيير مجرى تيار القوى الداخلية في لبنان، وقد تنذر بصراع أهلي لأن حزب الله لن يقبل أن يأخذ أي تيار آخر (لاسيما إن كان سنيا أو من الجماعات الجهادية مثلا) المبادرة منه في مواجهة الصهاينة الذين يدركون بلا شك مغزى هذه الرسائل، وأتوقع أنهم لن يسمحوا بتغيير قواعد اللعبة ودخول طرف ثالث أو رابع خارج منظومة التفاهم غير المباشر مع حزب الله، لأنه حزب يتصرف كدولة داخل الدولة وما من قوى تردعه أو تنافسه. فلا بد أن لسان حال حكومة الكيان الصهيوني يقول 'إن عدوا أعرفه خير من عدو لا أعرفه'. والساعات القليلة القادمة كفيلة بكشف طبيعة الرد الصهيوني.
كل هذا وذاك والسيد الرئيس وحكومته المستقيلة يراقبان الوضع ويتفرجان عليه ويتصلان ويبحثان... إلخ. ولا أعتقد الجنرال ميشال سليمان يعرف معنى كلمة 'سمنديقة'... رغم معايشته الحقيقية لها!
تعليقات