مصر، هل هناك طريق مختصر ؟!
زاوية الكتابجاسم السعدون يكتب: لا استمرار سوى لدولة المؤسسات والباقي مآله للسقوط
كتب أغسطس 21, 2013, 11:24 ص 4147 مشاهدات 0
مصـــــر .. هـل هنـاك طريـق مختصـــر ؟
في أغسطس من عام 2012، كتبت مقالاً قصيراً تحت عنوان 'دولة الجيش وجيش الدولة'، خلاصته أن التاريخ الحديث يؤكد أن مصر الحديثة كانت دولة الجيش الذي يملك على أقل تقدير 10% من حجم الاقتصاد المصري، بمعنى أنه المؤسسة التي تملك عصاها وجزرتها دون الحاجة لأحد. يومها قام الرئيس المنتخب 'محمد مرسي' بعزل قادة الجيش، وذكرت أنه قرار ربما يحول الجيش إلى جيش الدولة، ولكنه قرار مستعجل جداً، لا يحاكي قرار 'أردوغان' بعزل قادة الجيش التركي في عام 2011، لأن 'أردوغان' انتظر 9 سنوات حقق فيها الاقتصاد التركي ثلاث أضعاف حجمه وهبط كثيراً بمعدلات البطالة والتضخم، حتى يتخذ هذا القرار. واستعجال الرئيس 'محمد مرسي' دون إنجاز يذكر مع تفاقم خصوماته الأخرى بالإضافة إلى الجيش، من الفلول إلى القضاء إلى شركاء الثورة، سوف يغدي ويسارع في تحول دولة الجيش إلى دولة الحزب، بوصاية سماوية، وهي حالة أخطر.
ذلك تماماً ما حدث، وخسر الإخوان في سنة واحدة ما جمعوه من رصيد في 80 سنة، وكان يفترض احترام شرعية 30 يونيو 2013 كما في حالة 25 يناير 2011، ولكن، وكما هي حالة العرب، قرر الجيش اختصار الطريق الديمقراطي ليقطع الطريق على عملية تغيير سياسي مستحق. لقد وصل الإخوان إلى الحكم رغم إعلانهم عدم رغبتهم في المنافسة على كرسي الرئاسة، وبدعم ظاهر من الآخرين، وارتكبوا خطأ سياسي مميت كان يمارس ضدهم، فهم بسبب مظلوميتهم وإقصاء الآخر لهم حشدوا التعاطف، ولكنهم مارسوا إقصاء الآخر في أول سنة حكم. والسبيل إلى تصحيح الأخطاء هو الطريق الديمقراطي، وحشد 30 يونيو ودون دعم الجيش كان كفيل بتحقيق ذلك، ومن يلحظ مفردات خطاب الرئيس 'محمد مرسي' الاستفزازي في 26 يونيو، ثم تصريحاته ما بعد 30 يونيو، مثل الاعتراف بالأخطاء وضخامة حجم المعارضة، يعرف بأن مخرجاً سياسياً كان يلوح بالأفق. وكان المخرج السياسي غاية في الوضوح، وهو الدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة، ومن تحليل كم ونوع الحشود المعارضة في 30 يونيو، لم يكن أمام الإخوان سوى القبول بهذا الخيار.
وكانت الانتخابات الرئاسية المبكرة، إما أنها سوف تؤكد تفويض آخر من الغالبية لحكم الإخوان، وكان احتمالاً بعيداً، أو إقصائهم ديمقراطياً وتحولهم إلى المعارضة السياسية، وكانت حالة لو تحققت سوف تغني بشدة التجربة الديمقراطية الوليدة في مصر. وفوز الإخوان المستبعد، كان يعني أن الاستمرار في سياسة إقصاء الآخر طريق محفوف بالمخاطر، وأن حشد آخر سوف يطيح بهم، والانحسار المحتمل لرقم التأييد لهم لو فازوا، سيكون رسالة سياسية مهمة لهم بضرورة احترام الآخر والعمل معه. وخسارتهم، وكانت الاحتمال الأكبر، كانت تعني أن مراجعة جراحية داخلية سوف تؤدي بالإخوان إلى الإطاحة بالحرس القديم، والانتصار للمستقبل على حساب الماضي، وضمن دولة شراكة مدنية يتقدم فيها الدستور على الدين بمليمتر واحد، كما حدث في تجربة 'أردوغان' مقابل 'أربكان'. وتعني للفصائل الداعمة للفائز من القوى المدنية الأخرى، ضرورة التعلم على العمل ضمن ائتلاف سياسي واسع، وهي تجربة لم تعتادها المجتمعات العربية، وفيها دعم كبير للحركة الديمقراطية، ليس في مصر وحدها، وإنما على النطاق العربي.
في عملية بناء الدولة، ليس هناك طريق مختصر، فالتاريخ قاطع في تأكيد أن دولة المؤسسات هي الدولة الوحيدة التي استمرت، سقطت على مر التاريخ دولة الأسرة ودولة الجيش ودولة الحزب، لم يستثني ذلك الاتحاد السوفييتي أو اليوغسلافي، وقبلها لم يحمي قياصرة وملوك أوروبا، وبعدها لم يحمي دول الشرق الأوروبي أو الربيع العربي. والعودة إلى القديم في مصر، أو دولة الجيش، أو إلى إقصاء من يخطئ بالقوة، هو إجراء يؤخر بناء مشروع الدولة الديمقراطية أو دولة المؤسسات، وهو خيار يعطي العنف من أجل التغيير مشروعية، ومهما بلغت مكافآت المدى القصير، لن تنجح في خلق بيئة سياسية واقتصادية قابلة للاستدامة. وإقصاء الإخوان المسلمين من العملية السياسية، أو سياسة الفزاعات العربية، تكرار لنفس خطأ الإخوان خلال سنة حكمهم، صحيح أن تجربة الجزائر الدموية بعد انتخابات عام 1992 لن تتكرر في مصر، ولكن، تخلف تركيا ربع قرن بعد تجربة إقصاء 'أربكان' في أواخر سبعينات القرن الفائت، لن تكون بعيدة عن مصر.
جاسم السعدون
21 أغسطس 2013
تعليقات