الاستبداد العميق و ذاكرة السمكة

زاوية الكتاب

كتب 854 مشاهدات 0


لاشك بأن في الخمسين أو الستين عاما الماضية كانت من أهم مراحل التاريخ العربي الحديث الذي حدث به أحداث تاريخية سُجلت بالتاريخ على أنها أيام تاريخية ، وهذا صحيح مائة بالمائة ومن أهم الأحداث التاريخية هي الثورات العربية من سوريا والعراق واليمن حتى موريتانيا و تونس والجزائر وليبيا و السودان و على رأسهم ثورة 23 يوليو التي كانت أم الثورات وراعيتها ، و رغم أن تلك الثورات قامت على قاعدة رفع الظلم  عن تلك الشعوب إلا أن جميعها أجهض و اصبحت ثورات استبدادية لا تختلف عن أي نظام استبدادي موجود حينها ولازال ، بطبيعة الحال كررت الشعوب العربية ثورتها مرة أخر في الألفية الثالثة بعد فشل كل التجارب السابقة إلا أن إجهاضها جاء مبكرا جدا من خلال إدخال التيار الديني بالمعترك السياسي على اعتبار انه احد المكونات الرئيسية في المعادلة الإجتماعية و لا يمكن تجاهلها رغم أن التيار الديني و هذا ليس تهجم كما سيحلو للبعض تفسيره و لكنه الواقع الذي أثبته التاريخ ، لم يشارك في انطلاقة المطالب الشعبية التي تفجرت و إنما كان ضدها على قاعدة الخروج على الحاكم هو الخروج على ولي الأمر و هذا محرم شرعا ، و لكن هذا التيار بكافة أفرعه لم يستطع مجابهة الشعوب و ثنيها عقائديا عن عدم الخروج على الحاكم و رغم أنه كان يُكفر فكرة الديمقراطية و الانتخابات إلا أنها لم تجد بدا من مسايرة الشعوب و الدخول معها بلعبة الديمقراطية و الانتخابات ، و الذي لم ينتبه له الكثيرين بأن تغيير المواقف من التحريم إلى التحليل و المشاركة جاء و بزخم قوي و دفع لأجله المليارات لكي يصل التيار الديني لسدة الحكم بدلا من تلك الأنظمة التي سقطت بضربة قاضية و سريعة و مفاجأة من الشعوب التي أنتفضت لكرامتها التي امتهنت طويلا ، و لكن ما الذي حدث بعد ذلك؟ أفضل تعبير قاله اوردغان لمرسي أنك تقضم أكبر من ما تستطيع بلعه و هو تعبير دقيق يعبر عن شفاحة (لهفة) و عدم حصافة سياسية دفع ثمنها بسرعة وسط تخلي الحزب السلفي عنه بانتهازية فجة لا نظير لها و لقد باعوهم برخص التراب ، و لكن هل الاستبداد العميق كان خارج هذه اللعبة ؟ بكل تأكيد الاستبداد العميق أصابه الهلع و الارتجاف مما حصل من تطورات بشكلها المفاجئ لذلك عمل جاهدا لإجهاض تلك الثورات كما حصل أبان فترة الخمسينيات و ستينيات القرن الماضي لاحتواء تداعيات تلك الثورات ونجح بتحوليها من ثورات شعبية ضد الظلم و الطغيان إلى دكتاتوريات لا تختلف في منهجيتها عن محيطها، و الأسوء من ذلك مع الأسف الأخوان المسلمين لم يلعبوها سياسية و إنما أعمت أعينهم نشوة النصر و الذي لم يكن نصرا حقيقيا و أنا شاهد على ذلك بحكم مراقبتي للانتخابات الرئاسية في جولتيها الأولى و الثانية و خصوصا الثانية التي وضعت الشعب المصري بين خيارين أما الإخوان الذين لم يجربوهم من قبل أو النظام القديم الذي أذاقهم الذل و الفساد والإفساد لذا كان خيارهم تجربة غير المجرب و فاز الأخوان و لكنهم ارتكبوا أخطاء شنيعة فتحت المجال للقوى المتربصة بهم لكي ينقضوا عليهم غير مدركين بأن رياض الخليج المليئة بالمليارات التي اخذوا منها سابقا متربصة لهم أيضا ليس بسبب أنهم إخوان فقط و إنما السبب الحقيقي هو أن لا تكون مصر بها ديمقراطية قد يقبلوها على مضض في موريتانيا أو الصومال أو حتى جيبوتي و لكن مصر قلب العروبة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يسمحوا لها بأن تكون ديمقراطية و العراق خير دليل فمنذ التخلص من الطاغية صدام و العراق لم يهدأ رغم أن الشعب تحرر من طاغية و لكن هناك من لا يريد له أن يستقر ليكون أنموذجا بالمنطقة و الحقيقة كانوا يريدونه أنموذجا لمن يفكر بالتحول للديمقراطية مثل بقية خلق الله بالمعمورة وهي رسالة نموذجية أيضا لما ستؤول أليه الأمور بدونهم فموجة التفجيرات غير العادية التي سبقت الرابع عشر من أغسطس كانت مؤشر لمحاولة التغطية على ما سيحدث بمصر و فشلت التغطية بكل تأكيد لما لمصر من ثقل لا يمكن الاستهانة به ، نحن كعرب مع الأسف الشديد لا نستفيد من تجاربنا الماضية و نكرر الأخطاء نفسها مرة تلو الأخرى و الأسوء من ذلك بأن لدينا ذاكرة السمكة التي سرعان من تنسى لا بل يعمل الإعلام الفاسد على مسحها بكل الطرق.

أنور الرشيد

كتب - أنور الرشيد

تعليقات

اكتب تعليقك