السقوط المهني .. للإعلام المصري !

زاوية الكتاب

كتب 2301 مشاهدات 0

موفق عناد فهد العنزي



المتابع للإعلام المصري في طريقة تغطيته للأحداث الجارية في مصر ، سيلاحظ حجم الفساد المتفشي داخل مؤسساته الاعلامية والتي ظهرت من خلال تغطيته الإعلامية المتحيزة وخاصة بعد الانقلاب العسكري أو مايسمى (بثورة 30 يونيو) والذي أطاح بأول رئيس مصري منتخب ، فقد ساهمت تلك الأحداث في وأد أول تجربة ديمقراطية في تاريخ مصر لأنتخاب رئيس للبلاد عن طريق صناديق الاقتراع . فمنذ قيام القوات المسلحة بعزل الرئيس مرسي المنتخب في يونيو 2013، بدأت الساحة المصرية تشهد عودة إلى زمن الرقابة والهيمنة على وسائل الاعلام ، حيث أقدمت السلطات على إغلاق جميع القنوات المؤيدة للرئيس المعزول وصاحب هذا الاجراء كذلك غلق القنوات الاسلامية والصحف والمجلات التابعة لجماعة الاخوان وغيرها من التيارات الإسلامية ، فمصر عاشت فترات سابقة مشابه للوضع القائم حاليا ، حيث مارست فيها السلطة الرقابة والهيمنة على مضامين ومحتوى الرسائل الإعلامية وتحديدا بعد ثورة 23 يوليو 1952 وهي فترة الحكم العسكري لمصر وأستمرت هذه الهيمنة في عهد عبدالناصر وتفاوتت هيمنة السلطة على وسائل الاعلام في عهدي السادات ومبارك.

لقد أعلنت وسائل الاعلام المصرية ومن اللحظة الاولى تأييدها للانقلاب العسكري ومارست خطابا أيدت فيه جميع الاجراءات التي قامت بها سلطات الجيش ضد مرسي وحكومته ، وكانت عناوين وسائل الاعلام تصرح 'أن ما فعله السيسي جاء تلبية لنداء الشعب ! وما حدث في 30 يونيو 2013 ، أنما هي ثورة شعبية ضد جماعة الاخوان وضد الرئيس مرسي الذي فقد شرعيته ! ، فإن من واجب الجيش التدخل وسحب تلك الشرعية وإعادتها للشعب وأن من واجباته أيضا قيام الجيش بحماية الجبهة الداخلية والسلم الاهلي ، فالدور الذي قام به الجيش يعد دورا وطنيا نابعا من العقيدة التي تأسس من أجلها الجيش المصري ، فالقوات المسلحة لاتطمع بسلطة ولاتتدخل في السياسة ويقتصر دورها فقط في نزع الشرعية من الرئيس بناءا على رغبة الملايين من الشعب الذي خرج إلى ميادين مصر في 30 من يونيو مطالبا بإسقاط النظام ' ، ضاربة بعرض الحائط العملية الديمقراطية وصناديق الاقتراع ! ، ومارست الصحف القومية أيضا نفس الدور في تبني وجهة نظر واحدة لإجراءات الجيش المصري .
لقد أساء الاعلام في تعامله وتغطيته للاحداث سمعت الاعلام المصري في الخارج فلم تلتزم أغلب وسائل الاعلام بالموضوعية في نقلها للاعتصامات والمظاهرات المؤيدة للشرعية فخرج الكثير من القنوات الفضائية عن الحيادية في تعليقاتها على مجريات الاحداث ، وانحازت معظم تلك القنوات إلى بيان السيسي والذي أعلن فيه عزل مرسي وتعليق الدستور وتعين رئيس المحكمة الدستورية رئيسا مؤقتا للبلاد . ومن الواضح أن المهنية الإعلامية فقدت من وسائل الإعلام المصرية ، فالمهنية الإعلامية تتطلب عرض الرأي والرأي الآخر وتحري الدقة والمصداقية في نقل الأخبار وإتاحة الفرصة للمعارضين في الحديث والتعبير عن آراءهم بكل حرية خاصة في ظل إغلاق السلطات المصرية الحالية لجميع وسائل الإعلام المعارضة.

ومن اللافت أيضا في هذه الفترة اتخاذ القنوات الإعلامية المصرية مسلكا مشابها للقنوات الإذاعية الموجهة التي تتبنى وجهة النظر الواحدة تلك القنوات التي أنشأتها الدول المستعمرة مثل بريطانيا وايطاليا والتي عملت القنوات ببث رسائلها إلى مستعمراتها في افريقيا والدول العربية خدمة لمشروعها الاستعماري فكانت هذه القنوات تبث رسائلها إلى هذه الدول بنفس لغة البلد الموجه إليه، فأصبحت أغلب وسائل الإعلام المصري تمارس نفس الدور الذي مارسته القنوات الموجهة والفارق الوحيد هنا بينها وبين تلك القنوات أن القنوات المصرية وجهت رسائلها للداخل المصري! ، و بعيدا عن الممارسة الإعلامية الحرة والتي تتيح للآخرين أبداء آراءهم حول جميع الأحداث والقضايا المختلفة ، فإن من حق المتلقي المصري أن يستمع للآراء المختلفة من كل النخب السياسية المؤيدة أو المعارضة ، ومن حقه كذلك أن يشاهد الزوايا الأخرى للكاميرا عن الأحداث التي تجري في الشارع المصري وأن لا تحجب عنه الأصوات المصرية الأخرى .
إن الإعلام المصري فشل في نقل صورة واقعية إلى العالم الخارجي عن حقيقة مايجري وصور الأحداث على أن الشعب المصري بكامله مؤيدا للانقلاب ! وتغافل الإعلام المجاميع الأخرى المؤيدة للرئيس مرسي والمعارضة للانقلاب العسكري ، وفي خضم هذه الأحداث وتطوراتها لجأ الكثير من الشعب المصري إلى القنوات الأجنبية لشعوره بعدم قدرة الإعلام المصري في تغطية الشارع المصري والأحداث التي أعقبت الانقلاب مما أضطره للبحث عن قنوات أخرى تتمتع بقدر من الحيادية في تعاملها مع كل القضايا والاعتصامات التي تدور في ميادين مصر .
وكما ذكرنا في مقال سابق ، أن وسائل الإعلام في أي بلد ما ،' ماهي إلا إنعكاس للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة في المجتمع' .
وبالتالي فإن الأوضاع السياسية والاقتصادية تؤثر على مساحة الحرية التي تتمتع بها وسائل الإعلام في تغطيتها لمختلف القضايا ، فإن عمل وسائل الإعلام تعتمد على نقل الأخبار بمصداقية وحيادية ولا تتعمد تشويه الحقيقة وأن تتلزم بأخلاقيات المهنة في تعاملها مع جميع الأحداث العالمية .

موفق عناد فهد العنزي
بكالوريوس اعلام جامعة القاهرة

الآن -رأي : موفق عناد فهد العنزي

تعليقات

اكتب تعليقك