سجن.. 7 نجوم بقلم عواطف العلوي
زاوية الكتابكتب أغسطس 4, 2013, 9:23 ص 1117 مشاهدات 0
برنامج تلفزيوني عُرِض قبل فترة تم خلاله مقابلة محبوسين على ذمة قضايا متنوعة داخل السجن المركزي لاستطلاع أحوالهم داخل السجون، فكانت ردودهم تتزامن مع عرض صور للمزايا والخدمات التي وفرتها إدارة السجن لهم.
أَسِرَّة نظيفة مرتبة بشراشف ذات ألوان مشرقة، سجاد من نوعية جيدة ومساند وتلفزيون وبلياردو و(جنجفة)، صحف ومجلات، هواتف وإنترنت.. ساعة ترفيه يومية لممارسة الرياضة في الهواء الطلق.. مطعم مركزي يقدم وجبات متنوعة مجانية، وإمكانية الطلب من مطاعم خارجية لتوصيل ما يطلبه السجناء.. وفي رمضان تقام موائد الإفطار العامرة في السجن يجتمع حولها المساجين مع زوارهم من ذويهم وأبنائهم وأصدقائهم.. زاخرة بما لذ وطاب من المقبلات والمحمر والمشمر وأشهى الحلويات والفواكه.. سخانات وقدور لها أول مالها تالي.. مصفوفة بشكل يوازي بلا مبالغة ما يتم في بوفيهات الأعراس والمناسبات الاجتماعية التي نراها في كل مكان!
«كل شي متوفر.. وما حسينا بفرق بين داخل السجن وخارجه»، هذا نص ما قاله السجين الذي أُجرِي معه اللقاء!
هذا عدا الإعاشة الشهرية التي تصرفها إدارة السجن للسجين وتحفظها له -كما سمعت- في حساب خاص به لحين الانتهاء من فترة سجنه ثم تقوم بتسليمه ما ادخرَته له كاملا!
مرت تلك الصور سريعا أمام عيني وأنا أستمع إلى الوالدة يوم أمس، وهي تحكي لي عن جارتها التي تعرّض بيتها للنهب من قبل مجهولين اقتحموا البيت فترة غياب أصحابه عنه يوما واحدا فقط، عادوا بعده ليجدوا أموالهم ومجوهراتهم بل وحتى أجهزة الحاسوب.. قد اختفت!
حادثة نسمعها ونقرأ مثلها كل يوم.. وأغلب مرتكبي تلك السرقات -كما أخبرني أحد من يعملون في الداخلية- من الآسيويين الذين يراقبون البيوت عن كثب ليتعرفوا على البيت الخالي من أهله، وأحيانا كثيرة بمساعدة من خادمة البيت نفسه والمعلومات التي تمدهم بها عن مواعيد حضور وغياب أهل البيت.
وضعت نفسي مكان هذا الحرامي، وحاولت أن أتقمص تفكيره ودوافعه.. إن كنت أقطن جُحرا من تلك الجحور المسماة زورا غرفا مستأجرة في منطقة جليب الشيوخ أو غيرها، وراتبي لا يتعدى الثلاثين دينار شهريا يزيد عنه قليلا أو ينقص.. ومحرومة من أبسط سبل الحياة الكريمة.. ولدي أسرة في بلدي أعيلها وتنتظر مني أن أبعث لها شهريا ذلك الذي تركتُ موطني لأجله فاكتشفت أنه كذبة وحلم تحول إلى سراب بمجرد ملامسة أقدامي أرض هذا البلد!
ثم تسنح لي فرصة السرقة وكسب مئات أو آلاف الدنانير في عملية لا تستغرق أكثر من دقائق.. وهذا كويتي فلوس واجد ماكو مشكل.. وأن أسوأ ما يمكن أن يقع لي إن فشلت هو القبض علي وإيداعي فندق سبع نجوم مقارنة مع الجحر الذي أقطنه.. هل كنت أرفض السرقة؟!
لا طبعا.. لن أرفضها بل وسأكررها كلما وجدت فرصة لارتكابها.. فإما تصيب وأغتني.. أو تخيب وعوضا عنها سأتمتع بخدمات فندقية متكاملة ما حلمت بها في عرس أمي.. طبعا الكلام عن تفكير الحرامي!
أذكر ذات مرة خلال مراجعتي للمستشفى كانت تجلس بجانبي شرطية من جنسية عربية سوبر لارج اللهم صل على النبي.. دار بيننا حديث عرفت منه أنها برفقة سجينة مريضة أحضرتها المستشفى للعلاج، وبسؤالها عن سجن النساء أجابتني بتهكم: «هو ده اسمه سجن؟ ده وربنا فندق 7 نجوم»!
أظن أنه حان الوقت للمسؤولين بالتفكير جديا في عقوبات رادعة بديلة عن تلك السجون التي باتت أوكارا للتمرس في فنون الإجرام بدلا من الإصلاح، وكثير من دول الغرب اكتشفت فشل عقوبة السجن في الحد من الجرائم ومدى تكلفتها المادية الباهظة على ميزانية الدولة، والبدائل كثيرة وتم تطبيقها في بلدان عدة وكانت نتائجها إيجابية.. أعمال تطوعية وخدمات نافعة للمجتمع بما يتناسب مع قدرات كل محكوم، غرامات نقدية، مصادرة للأموال، دفع تعويضات مجزية للضحايا، أساور إلكترونية تحدد أماكن وتحركات فئات من المحكوم عليهم خاصة الأحداث منهم، بحيث يكون تحت مراقبة الشرطة لفترة تطول أو تقصر حسب حكم القاضي، ترحيل الأجانب، وغيرها..
ويا ليت يتم ذلك في القريب العاجل.. لأني واثقة أن هذا المقال سيغري عددا لا بأس به من القراء.. بارتكاب ما لا يحمد عقباه..!
تعليقات