كاتب لبناني يرصد الانتخابات الكويتية
زاوية الكتابإنتخابات نزيهة القشور، فاسدة الجوهر
كتب يوليو 19, 2013, 1:42 ص 1863 مشاهدات 0
يتساءل معظم الكويتيين عن سبب تحديد موعد الإنتخابات النيابية في واحد من أشدّ أيام السنة حرّا، ويراودهم الشك بأن هناك من يتعمّدإجراء الإنتخابات خلال تلك الفترة التي تكاد تخلو فيها الكويت من مواطنيها. فماذا يعني انتخابأعضاء البرلمان في بلد صغير المساحة، عظيم الموارد، سافر أبناؤه للإصطياف؟ ليست هذه المَرّة الأولى التي تجري فيها الإنتخابات النيابية الكويتية صيفا، لكنها المرة الأولى التي يُحَدّد لأجلها يوم اللظى27 تموز (يوليو). وللإطلاع على حقيقة انتخابات مجلس الأمة في الكويت لا بدّ من رصد مُعطيات أخرى إلى جانب مُعطى التوقيت، نجمعُها ونتأملها، فنلاحظ ان كلّ تلك المُعطيات تصبّ في خانة واحدة،يُدركها كلّ عاقل، وهي الإبتعاد قدر الإمكان عن التمثيل الصحيح للإرادة الشعبية. تشوبُ الإنتخابات بشكل عام ظاهرة شراء الأصوات، وعلى الدوام تسعى الجهات الصادقة في مكافحة هذه الظاهرة إلى مُعالجة أسبابها، سيّما وأن بعض تلك الأسباب تجعل منهاأمرا حتميّا لا غرابة في وقوعه. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: ماذا لو وجدنا كلّ تلك الأسباب مجتمعة؟ يُنبّهُنا علم الإجتماع السياسي إلى أهمّيّة ما يُسمّى وزن الصوت Le poidsd’unevoix ، حيث كلما زاد وزن الصوت زادت رغبة المُرَشّح في شرائه، وسرعان ما يستشعر الناخب أهمّيّة صوته بنظر المرشّح، الأمر الذي يشكل إغواءً حقيقيّا،فيتحضّر الناخب نفسيّا لفكرة قبول الرشوة. برزت خلال الأعوام الأخيرة ضمن أدبيّات السياسة الكويتية عبارة 'الإيداعات المليونية'، حيث نواب يدورون في فلك الحكومة انتفخت حساباتهم المصرفيّة على نحو عجزت معه إدارات تلك المصارف عن الكتمان، فتجاوزت السرية المصرفية وفضحت المستور، ومعظم أصحاب تلك الحسابات هم اليوم معروفون ويجولون في جميع الدوائر الإنتخابية، ليكتمل المشهد الذي يشمل الناخب المستعد لبيع صوته والمرشح اللاهث لشراء ذاك الصوت. في قرارها الذي أبطلت بموجبه مجلس كانون أول (ديسمبر) 2012، أبقت المحكمة الدستورية على قانون الصوت الواحد، ومن تبعات العمل بهذا القانون عدم احتياج المرشح لعدد كبير من الأصوات كي يفوز على غريمه، ما يجعل حوافز المرشحين لشراء الأصوات في أقصاها. أحد أبرز الوجوه الثقافية الكويتية أجابَ عندما سُئِل ما إذا كان سيقطع إجازته في الخارج ويتوجّه إلى الكويت يوم الإقتراع قائلا: 'أعوذ بالله، إن مجرّد التواجد في الكويت يوم الإقتراع هو شبهة'. نعم، رغبة منهم في جبّ الغيبة عن أنفسهم يتعمّدون البقاء خارج الكويت في اليوم الذي تسمّيه وزارة الإعلام 'عرسا ديمقراطيا'، والذي استدعَت لأجل تغطيته هيئات إعلامية من جميع أنحاء العالم كي تبدو العملية الإنتخابية شفافة.
إضافة إلى كل هذه المعطيات الكفيلة بتزوير الإرادة الشعبية، تظهر أمامنا مشكلة قديمة جديدة تتمثل في غياب تشريع الأحزاب السياسية. فلو ان هناك أحزابا بالمعنى الصحيح للكلمة، لتوفرت حوافز تحمل المواطنين على المشاركة السياسية بدرجة أكبر، ولوجدنا ماكينات إنتخابية تتشكل من الناخبينالذين يصحّ فيهم القول بأنهم أصحاب قضيّة، يتمتعون بمناقبية تجعل التفكير ببيع أصواتهم أمرا مُستبعدا إلى أقصى الحدود. ختاما، إنها بكلّ تأكيد إنتخابات نزيهة القشور فاسدة الجوهر، لا يُمكن لمخرجاتها إلا ان تكون أحد أمرين، إمّا عدم الإستقرار السياسي وإمّا حلّ البرلمان مُجَدّدا، وفي كلا الحالين ينسحب الفشل على الجهود التي يتعطش إليها شعب الكويت من إحترام الحقوق، مكافحة الفساد، تحقيق التنمية، إصلاح التعليم، تحسين الرعاية الصحية، إلخ.
الكاتب: وليد المحب (رئيس جمعية صون حق التعبير)
تعليقات