أهم تداعيات تصدير أمريكا للغاز الطبيعي بقلم سليمان الخطاف

الاقتصاد الآن

976 مشاهدات 0

من الارشيف

غيرت أمريكا خريطة الطاقة باستغلال الغاز الصخري والتمكن من استخراجه بكميات تجارية. بلغ احتياط أمريكا من الغاز الطبيعي في عام 2002 5.3 تريليون متر مكعب وبنهاية 2012 ارتفع هذا الاحتياطى بسبب الغاز الصخري إلى 8.5 تريليون متر مكعب بحسب تقرير ''بريتش بتروليوم'' الأخير. وتقدمت أمريكا على روسيا لتصبح أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم، وأنتجت في عام 2012، 681 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، منها 265 مليار متر مكعب غاز صخري، أي نحو 38 في المائة من الإنتاج الإجمالي لأمريكا. وترتبط حالياً أمريكا بكندا والمكسيك بشبكة من الأنابيب لتوريد ولتصدير الغاز الطبيعي، حيث وصلت المحصلة في عام 2012، وبحسب وكالة معلومات الطاقة الأمريكية، إلى استيراد ما قيمته 43 مليار متر مكعب، أي نحو 6 في المائة من إنتاج أمريكا.

وانخفضت أسعار الغاز الطبيعي في أمريكا نتيجة لهذه الوفرة في الاحتياطات وفي الإنتاج، فبعد أن وصلت إلى 12 دولارا للمليون وحدة حرارية في عام 2006 أصبحت الأسعار الآن تراوح بين 3.5 و4 دولارات. رافق هذا الانخفاض ارتفاع في الأسعار العالمية، حيث سجلت أسعار الغاز المسال في عام 2012 معدل 17 دولارا للمليون وحدة، ووصلت أسعار الغاز الروسي في ألمانيا إلى 11 دولارا، أما أسعار الغاز في بريطانيا فقد سجلت 9.5 دولار للمليون وحدة حرارية كمعدل لعام 2012. إذاً أسعار الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة تعد الأقل في العالم الصناعي. لذلك اتجهت أنظار شركات إنتاج الغاز في أمريكا لتصدير الوفرة من إنتاجهم من الغاز إلى أوروبا وشرق آسيا. الحقيقة أن ارتفاع تكلفة إنتاج الغاز الصخري في أمريكا حد من أرباح معظم هذه الشركات، لذلك فهي تأمل في السماح لها بشحن إنتاجها كغاز مسال ليتم بيعه في شرق آسيا أو أوروبا بأسعار عالية ومربحة.

سمحت الحكومة الأمريكية إلى الآن لشركتين بتصدير الغاز المسال إلى أوروبا وشرق آسيا. وغالباً ما سيتم التصدير في عام 2015، وسيكون بنحو 6 في المائة من الإنتاج الأمريكي للغاز الطبيعي. ويجب الانتباه إلى أن هناك أكثر من 20 طلباً آخر لإقامة محطات لتصدير الغاز المسال بانتظار موافقة الحكومة الأمريكية على تصديرهم للغاز، وإذا ما تم ذلك فستصدر أمريكا في عام 2020 نحو 100 مليار متر مكعب، أي في حدود 15 في المائة من إنتاج أمريكا الحالي.

ونتيجة لتباين الأسعار بين أمريكا والعالم الغربي، حيث صعدت الأسعار في إنجلترا إلى أعلى معدل في سبع سنوات وقعت أول عقود تصدير الغاز الأمريكي بين شركة شينيري الأمريكية وشركة سينتركا البريطانية المختصة في توليد الطاقة على أن تقوم الشركة الأمريكية بنقل 1.75 مليون طن من الغاز المسال سنوياً، وأن يكون سعر الغاز المنقول مساويا لسعر الغاز الأمريكي، إضافة إلى ثلاثة دولارات هي قيمة التسييل والنقل، إضافة إلى 15 في المائة على سعر هنري هوب كربح للشركة الأمريكية. وهذا يعني إذا كان سعر الغاز الأمريكي أربعة دولارات للمليون وحدة فإن سعر تصديره إلى بريطانيا سيكون 7.6 دولار للمليون وحدة. ويبدو جلياً أن هذا السعر مغرٍ جدًّا للإنجليز، إذ إن سعر الغاز لديهم في حدود عشرة دولارات للمليون وحدة. وفى الوقت نفسه يعطي الشركة الأمريكية ربحا أكثر 15 في المائة أعلى من سعر البيع على الأرض الأمريكية. وهناك عقود أخرى لشركة شينيري للطاقة مع كل من مجموعة BG وشركة الغاز الكورية والإسبانية والهندية. وقبل عدة أشهر أعطيت الموافقة لفرى بورت بتكساس لتصدير الغاز المسال إلى اليابان وكثير من المراقبين يتوقعون أن تتم الموافقة لشركات أخرى قريباً.

ويوجد في أمريكا حالياً معسكران واحد مع التصدير والآخر ضده. ما يحدث في أمريكا واضح وجلي، فشركات إنتاج الغاز مثل إكسون وكونوكوفيليبس، تريد أن تستفيد من الغاز بتسييله وتصديره والربح من بيعه المباشر خارج أمريكا. فعلى سبيل المثال يباع الغاز في اليابان بنحو 17 دولارا للمليون وحدة ويباع في أمريكا بنحو أربعة دولارات للمليون وحدة، وسيكون قيمة التسييل والنقل وتسليمه لليابان في حدود 6.4 دولار للمليون وحدة حرارية، أي أن تكلفة الغاز وصولاً لليابان سيكون نحو 10.4 دولار للمليون وحدة، وبهذا ستربح شركات الغاز الأمريكية نحو 6.6 دولار للمليون وحدة حرارية. وفي هذا المقام أشار كبير اقتصاديي كونوكوفيليبس في معرض رده على تحفظ شركة داوكميكال على التصدير إلى أن التصدير لا بد منه وأن ما تم إنتاجه أكبر من القدرة الأمريكية على الاستهلاك وأن عدم التصدير يعني الإيقاف عن الإنتاج لأنه غير مربح بالأسعار الحالية. أما الشركات البتروكيماوية مثل داو وايسمان وهنسمان وشركات التعدين مثل الكوا وشركات الصلب، فتريد أن تنعم بأسعار غاز رخيصة لتصنع منها المنتجات البتروكيماوية والمعدنية بأقل تكلفة وتصديرها للعالم لتستفيد من رخص الغاز برفع أرباحها. وقال لفريس رئيس شركة داوكميكال، إننا كلنا مع تصدير الغاز، ولكن أيهما أفضل: تصديره كسائل (غاز مسال) أم على هيئة مواد صلبة (أي تصنيعه إلى مواد كيماوية)؟ ويمكن اختصار هذا الموضوع بموقف كل من ''إكسون'' أكبر منتج للغاز الطبيعي في أمريكا و''داو'' أكبر منتج للبتروكيماويات في أمريكا. فبينما أنفقت ''إكسون'' على حملاتها الدعائية لتصدير الغاز نحو 13 مليون دولار العام الماضي، أنفقت ''داو'' 10.5 مليون دولار للحملة المضادة للسنة نفسها بحسب بلومبيرج.

ويمكن تفهم تحفظ شركة داو كميكال النابع من الحفاظ على مصلحتها بإبقاء أسعار الغاز الطبيعي وغاز الإيثان منخفضة لحصد المزيد من الأرباح. والجدير بالذكر أن ''داو كميكال'' هي أكبر منتج للإيثيلين في أمريكا والثانية في العالم بعد ''سابك''. وقال رئيسها لفريس محذراً من أن تصدير الغاز الأمريكي سيرفع سعره في أمريكا ليصبح قريبا من مستوى باقي دول العالم '' لو أصبح سعر الغاز في أمريكا قريباً من سعره العالمي لقضينا على الميزة التنافسية لصناعتنا البتروكيماوية''. أي أن سعر الغاز الطبيعي بنحو أربعة دولارات للمليون وحدة وسعر الإيثان بنحو أربعة إلى ستة دولارات يعطي الصناعات الأمريكية ميزة هائلة عن باقي دول العالم، وكل الشركات البتروكيماوية الأمريكية تحارب للإبقاء عليها.

باختصار: قررت أمريكا أن تستفيد من وفرة إنتاجها من الغاز الصخري بتسييله ونقله عبر الأطلنطي أو الهادي لباقي دول العالم، حيث السعر المرتفع. وجاءت هذه الخطوة بعد أن درست الحكومة الأمريكية تأثير تصدير الغاز في أمريكا. فوجدت أن تصدير الغاز المسال من شأنه أن يعدل النقص في الميزان التجاري الأمريكي، حيث سيرفع قيمة الصادرات بنحو 7.1 مليار دولار سنوياً وسيوفر 14 ألف وظيفة. ونتيجة لذلك سيرتفع سعر الغاز الطبيعي في أمريكا ربما إلى مستوى خمسة أو ستة دولارات. أما أسعار الغاز المسال العالمية فقد تنخفض قليلاً، وقد ترتفع تكلفة إنتاج البتروكيماويات الأمريكية كنتيجة للارتفاع في أسعار اللقيم الأمريكي.

الآن - الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك