تطورات الإعلان على الإنترنت ونصيب الفرد منها بقلم فهد الحويماني
الاقتصاد الآنيوليو 16, 2013, 10:47 ص 832 مشاهدات 0
سوق الإعلانات الرقمية على الإنترنت عالم كبير تضخ فيه مليارات الدولارات سنوياً من قبل المعلنين الذين يسعون إلى الترويج عن خدماتهم ومنتجاتهم لسكان العالم الافتراضي. بلغت حصة شركات الإعلان بعد خصم مصروفات أصحاب المواقع في عام 2012 نحو 105 مليارات دولار، بحسب شركة إي ماركيتر المتخصصة في رصد الإعلانات الرقمية، وهذا المبلغ يشمل جميع القنوات من حاسبات شخصية ومحمولة ولوحية وهواتف متنقلة. كما أن نسبة النمو لا تزال عالية، حيث بلغت 23 في المائة مقارنة بالعام الماضي، ومن المتوقع ارتفاعها هذا العام بنسبة 12 في المائة. ما آلية عمل الإعلانات الرقمية؟ وما الشركات المؤثرة في هذا المجال والمستقطبة لحصة الأسد من أموال المعلنين؟ كما أن هناك سؤالا آخر عما إذا كان للفرد نصيب من هذه الإيرادات؟
أخذت الإنترنت وقتاً طويلاً قبل أن يلتفت إليها المعلنون، كون الإنترنت في البداية كانت ساحة للطلبة والأكاديميين بعد أن خرجت من رحم القطاع العسكري في أواخر السبعينيات، إلا أن المعلنين سرعان ما اندفعوا إلى الفضاء الإلكتروني لحقاً بالمستهلكين. فبدأت الإعلانات أولاً عن طريق البريد الإلكتروني ولاحقاً على مواقع الإنترنت، إلا أنه لم تكن هناك بنى تحتية تنظم هذه العملية المعقدة، لا من حيث التشريعات ولا مواصفات الإعلانات ولا آليات الدفع ولا حتى طرق رصد عدد المستخدمين وعدد الزيارات. حدثت تطورات عديدة فيما بعد ذلك جعلت من ''جوجل'' أكبر شركة لتنظيم الإعلانات في العالم، حيث حققت 33 مليار دولار من إجمالي إيرادات عام 2012، يليها بعد ذلك بفارق كبير كل من ''فيسبوك'' (4.4 مليار دولار) وشركة ياهو (3.5 مليار دولار) و''مايكروسوفت'' (1.7 مليار دولار). وعلى الرغم من ضخامة حجم ''جوجل'' في هذا القطاع، إلا أن أكثر من 57 مليار دولار تأتي عن طريق شركات صغيرة كثيرة .. ما الذي يجعل ''جوجل'' تنجح في هذا المجال عن غيرها؟
بالطبع يعود سبب نجاح ''جوجل'' أولاً إلى قوة محرك البحث لديها، لكن السبب الآخر يعود إلى الهيكل المتبع في ''جوجل'' لتنظيم الإعلانات الرقمية، حيث تعمل ''جوجل'' كوسيط بين أصحاب المواقع وبين المعلنين وتتولى كثيرا من المهام التي كانت في السابق تأخذ وقتاً كبيراً وجهوداً عظيمة من كلا الطرفين. فكان على المعلن البحث عن المواقع المناسبة لإدراج إعلاناته فيها، وهي عملية ليست يسيرة إذا أدركنا أن الزبائن المستهدفين ليسوا فقط زوار المواقع الكبيرة المشهورة، بل إنهم موجودون في مئات الآلاف من المواقع الصغيرة ومتوسطة الحجم، كل بحسب اهتماماته ومكانه الجيوغرافي. لذا من الصعب على المعلن القيام بذلك، حتى إن قام بذلك فكيف عليه التنسيق مع هذا العدد المهول من المواقع، وكيف يقوم بالترتيبات المالية اللازمة؟ وبالمثل يعاني أصحاب المواقع ممن لديه المحتويات والمنتجات المناسبة من الوصول إلى المعلنين والتنسيق معهم. لذا فإن ما تقوم به ''جوجل''، من خلال تقنية (آد سنس)، هو بناء قاعدة بيانات كبيرة تحتوي على إعلانات جميع المعلنين المشتركين معها، كل إعلان يأتي بمقاس معين وبضوابط تنظيمية معينة وبميزانية محددة، وفي جهة أخرى من قاعدة البيانات هناك معلومات أصحاب المواقع، وتشمل عناوينهم الرقمية وتصنيفات عديدة لطبيعة المحتويات التي يقدمونها. فصاحب الموقع المشارك يقوم بإدراج برمجيات صغيرة في موقعه - تزوده بها ''جوجل'' - بحيث تقوم ''جوجل'' بإرسال الإعلانات المناسبة إلى أماكن معينة على الصفحة، بناء على محتوى الصفحة، كلما قام مستخدم بالدخول إلى الموقع. فمثلاً لو كان هناك موقع يشرح كيفية زراعة الزهور، فإن ''جوجل'' تقوم بتزويد هذا الموقع بإعلانات خاصة بكتاب عن الزهور أو لمحل لبيع الزهور موجود في منطقة الشخص الذي دخل الموقع. لكن كيف تتم المقاصة المالية؟ وما السعر الذي يدفعه المعلن لـ ''جوجل''؟ وما السعر الذي تدفعه ''جوجل'' لصاحب الموقع؟
غني عن القول إن لدى ''جوجل'' برمجيات متقدمة تستخدم تقنيات معقدة مستمدة من علوم الذكاء الصناعي والشبكات العصبية وتنقيب البيانات، وهي سرية بلا شك، وتوظف هذه التقنيات في عملية تسعير المواقع ورصد عدد المشاهدات وتصنيف المواقع. هنا نجد أن ''جوجل'' لديها آلية مبتكرة لاختيار المواقع التي ترسل إليها الإعلانات وكذلك لاختيار المعلن المناسب، وذلك من خلال مزاد يقوم فيه المعلنون بالتنافس للحصول على المساحات الإعلانية المتاحة، ومن يدفع أكثر يحصل على المساحة المطلوبة. وعملية المزاد هذه تتم بشكل مستمر وفوري، ينظر فيها إلى مقدار المبلغ الذي خصصه المعلن حسب الكلمات التي اختارها، ويمنح المساحة التي يفوز بها، وتخصم من حساب المعلن لدى ''جوجل''. على سبيل المثال، عندما يكون هناك شخص يبحث عن معلومات عن إطارات السيارات من خلال محرك ''جوجل''، فبمجرد أن يدخل كلمة إطارات، تقوم ''جوجل'' بعمل مزاد بين المعلنين الذين أدرجوا في وقت سابق كلمة إطارات من ضمن اهتماماتهم، وحددوا المبلغ الذي لديهم الاستعداد لدفعه مقابل الحصول على مشاهدة واحدة من شخص مهتم. فيظهر للمستخدم الإعلان الفائز بالمزاد، وتتم هذه العملية خلال أجزاء قليلة من الثانية. وعندما يتجه الشخص بعد ذلك إلى موقع مشارك في إعلانات ''جوجل''، تتم عملية المزاد ذاتها، وقد يظهر هذه المرة إعلان مختلف، ربما لأن المعلن الأول استنفد ميزانية الإعلانات لديه، أو أن سياق المحتوى تغير، أو أن المعلن الذي خسر المرة الأولى وضع سعراً أعلى لمثل هذا النوع من المواقع. وبالنسبة لصاحب الموقع فيحصل على نسبة من إيرادات الإعلانات، بعدة طرق منها عدد النقرات على الإعلانات وعدد الزوار الذين يدخلون إلى مربع البحث المدرج في الموقع، وعدد الزوار الذين يوجههم الموقع لبرنامج ''جوجل'' للإعلانات.
ختاماً، أبرز التطورات في عالم الإعلان الرقمي حالياً تدور حول مواصفات إعلانات الهاتفات المتنقلة، التي لا تزال ضعيفة على الرغم من ضخامة عدد مستخدمي الهاتف النقال، وهناك توجهات لإعطاء المستخدم المزيد من التحكم في عدد ونوع الإعلانات الموجهة إليه وطريقة تعامله معها. أما أهم التطورات على الإطلاق، فهي التحسن الملحوظ في استفادة الفرد من إيرادات الإعلانات، حيث أصبحت العملية في غاية السهولة. بإيجاز، هناك مواقع تتبنى ما لدى الفرد من محتوى، مثلاً الكتابة عن تجربة خاصة أو شرح مهارة معينة أو تقديم نصائح عامة، أو حتى إنزال مقطع فيديو في ''يوتيوب''، بحيث يتم الدفع للفرد المشارك حسبما تحققه مشاركته من النقر على الإعلانات. هناك مثلاً مجلات إلكترونية، يقوم الشخص بالتسجيل بها وتزويد الموقع برقم حسابه، ومن ثم كتابة مواضيع شائقة بمهنية عالية، ليجد في حسابه شهرياً مبالغ تراوح بين 100 دولار إلى أكثر من 25 ألف دولار، وهذه حالات موجودة وموثقة. بقي القول إن حديثنا هذا عن الإعلانات في الخارج، ولا علم لي بأساليب مماثلة في منطقتنا. كما أن تقنية ''جوجل'' للإعلانات لا تعمل باللغة العربية، بمعنى أن الموقع ذا المحتوى العربي غير مدعوم، ولكن الإعلان نفسه ممكن أن يكون باللغة العربية.
تعليقات