تجديد الذات يحتاج إلى الإرادة.. بنظر خديجة المحميد

زاوية الكتاب

كتب 1016 مشاهدات 0


الأنباء

مبدئيات  /  شهر الإرادة والعزم

د. خديجة المحميد

 

شهر رمضان المبارك يجسد في حياة المسلم الفرد والمجتمع الإسلامي محطة تجديد وتزود لمسار إيجابي، ومراحل متغيرة نحو تحقيق الآمال والطموحات تلك التي تحتاج إلى إرادة وعزم كبيرين. فهو شهر الانتصار الإسلامي الأول في غزوة بدر الذي حقق العزة وانطلاق القدرة المعنوية والواقعية للإسلام والمسلمين، فما أحوجنا إلى نفحاته الربانية الرحمانية والرحيمية وهو يمر بنا في ظروف عصيبة ومخاضات تعصف بالمسلمين في كل مكان، نعم نفتقر لمعين الضيافة الإلهية في شهر النفحات الملكوتية لانتشال مجتمعات الأمة الإسلامية مما باتت تعانيه من تصدع وتشرذم وخوف وقلق من المجهول وويلاته المتوقعة.

تجديد الذات يحتاج إلى الإرادة والتي قد يعبر عنها بالصبر، وخصلة الصبر هي من أبهى الخصال التي تبنيها فريضة الصيام في الشخصية الإسلامية، وينبغي أن نشخص أي صبر هذا الذي يحققه الصيام للصائمين بحيث يمدهم بالإرادة الواقعية البدرية التي ترسم الانتصارات الباطنية والظاهرية للفرد والأمة.

الصبر عن الاستجابة المحللة لحاجات وشهوات الجسد لساعات طويلة من اليوم وتحمل متاعب الجوع والعطش، كل ذلك يعزز قدرة العقل وطاقة الروح فينا على التحكم في الرغبات والنوازع النفسية والشهوية ما يخلق فينا مقومات القيادة الحكيمة لذواتنا لتحقيق الأهداف الكبيرة التي تتطلب الإرادة القوية الفاعلة والتي بدورها ترتقي لتصبح عزما على الفعل والإنجاز المطلوب.

ولكن هل نستطيع أن نتصور الصبر المحمود في الآيات القرآنية في حدود هذا المعنى للإرادة؟ قطعا لا. الصبر القرآني هو الإرادة المستقرة والمطمئنة التي تبذل لتحقيق أهداف نزيهة وعالية القيمة في خدمة الإنسان، إذ لم يبعث الرسل وتتنزل الرسالات بتعاقب رسمته الحكمة الإلهية وختمته بالإسلام إلا لاستنقاذ البشرية من إسقاطات شرور الأنانية وظلمها وظلاماتها، وتنظيم حياتها بالعدل والبناء الحكيم. الصبر الذي نغتنمه في هذا الشهر المبارك والذي يحرر وجودنا وإرادتنا من الأسر والضياع هو الصبر الواعي الذي يتجاوز تزييف الإرادة إرادة الأفراد وإرادة الشعوب.

فبعد أن استبدلت القوى الاستعمارية أساليب الحرب الناعمة لتحل محل الحروب العسكرية التي تستحوذ بها على مقدرات وثروات بلداننا، أصبحنا مستهدفين لمخططات كبيرة ومعقدة لتزييف وعينا وبالتالي إرادتنا فلا يزيدنا السير نحو أهدافنا إلا بعدا عنها دون أن نشعر. أعداء الأمة الإسلامية بل أعداء الإنسانية أصبحوا في وضع يحصدون أهدافهم الاستنزافية لخيراتنا ووجودنا دون أن يتكبدوا خسائر في أموالهم وجنودهم، إذ وفرت عليهم إستراتيجية الحرب الناعمة ذلك، حيث إنهم من حيث الحوافز لجرنا نحو أهدافهم يرسمون لنا ديموقراطية لفظية وعناوين إيجابية في مجال مفاهيم الحرية وحقوق الإنسان تسوقها لنا إمبراطوريتهم الإعلامية الضخمة بلساننا ومحطاتنا الفضائية المملوكة لمقدراتهم فتكبر الصغير وتصغر الكبير من الأمور، لتسوق وعينا نحو سيناريو أحداث تصطنع لها البعد الجماهيري الكبير الذي يتمرد نحو وهم الخروج من وضع استبدادي ليجد نفسه أنه دخل برجليه ويديه في فضاء وواقع استبدادي آخر ولكنه يختلف عن السابق بظاهر تجميلي خادع وحقيقة ذات بعد انحداري تراكمي مرعب، وهذه المسوح التجميلية لا تتعارض في مخططاتهم مع الإثارات الشديدة للفئوية والطائفية القاتلة التي أشعلوها في أوطاننا. شهر الله الذي تصب فيه الرحمة على عباده صبا نرجو منه سبحانه أن يرزق المسلمين في كل مكان مراجعة أهدافهم الخيرة تجاه الإنسان والإنسانية، ويصححوا نحوها مؤشر بوصلة المسار، رافعين عن خطاهم زيف ما يراد لهم من الشعارات والعناوين الخادعة ووسائلها الفتاكة، هذا ليجسدوا مصداق الأمة المحمدية المتصفة بإرادة وعزم الصبر الواعي المنتصر.

الأنباء

تعليقات

اكتب تعليقك