الثقافة المصرية والعربية في محنة حقيقية.. برأي خليل حيدر
زاوية الكتابكتب يوليو 10, 2013, 10:26 م 1067 مشاهدات 0
الوطن
أفكار وأضواء / هل كانت محنة ثقافية.. عابرة؟!
خليل علي حيدر
تكاد تنهار مجهودات مصر الملكية والجمهورية في هذا المجال البالغ الأهمية وتذهب أدراج الرياح منجزات المثقفين
ثمة عزوف لعدد كبير من المبدعين عن النشر الورقي واللجوء إلى نظيره الالكتروني
كتبتُ هذا المقال قبل ان تحدث التغييرات الأخيرة في مصر.. وفضلتُ، بعد ان زالت مخاطر القمع الثقافي.. أن يبقى المقال على ما كان!
أصبح المثقفون العرب بعد موجات «الربيع العربي»، وصعود الاسلاميين في مصر خاصة، في وضع لا يحسدون عليه. تجلدهم الاقلام الناقدة لعزلتهم وارتباطهم بالنظام المنهار وفشلهم في التنبؤ بالثورة الوشيكة وغير ذلك. وتستغل القيادة الحزبية العقائدية في مصر الاخوان المسلمين الظرف الحرج للتخلص من معظمهم، وتلطيخ سمعة من يبقى بالحق والباطل، وتحاول كل ما هو ممكن لعزلهم عن النشاط الثقافي وعن مواضع التأثير في القراء والمتابعين.
وتتزعزع في الوقت نفسه، بل تكاد تنهار مجهودات مصر الملكية والجمهورية في هذ المجال البالغ الاهمية، وتذهب ادراج الريح منجزات مثقفي ومؤلفي وناشري مصر الليبرالية والثورية على حد سواء، بينما تحاول الجماعة الاسلامية المهيمنة مصادرة المؤسسات الثقافية وتغيير طابعها الفكري ونشاطها الابداعي. ولاشك ان زحفاً مماثلاً للاسلاميين يهدد في مصر وغيرها الاعلام والارشاد الديني والتعليم الجامعي والعام، ان استمرت سلطة الاخوان.
مصر في محنة ثقافية عظمى ، والكثير من ملامح ثقافتها ومطبوعاتها الحالية.. قد يتغير خلال عام او بضعة اعوام! ما المخرج؟
ماذا فعل التونسي «البوعزيزي» بالمثقفين العرب؟
«أشعل البوعزيزي النار في جسده، فانطفأ وهج المثقف العربي». يقول د. سليم الحسني. «كان ذلك إيذاناً بان الزمن لم يعد كما كان ، انه زمن جديد له عناصره المحركة وادواته الفاعلة، وقد بدا المثقف وكأنه خارج نطاقه». حادثه البوعزيزي وما تلاها، يضيف د. الحسني في مقال بالقبس، 2013/5/18، «كشف ان موقع الزعامة الذي اجلس المثقف نفسه فيه، لم يكن الا وهماً كبيراً، عاشه المثقفون والمفكرون من علمانيين واسلاميين، فالتغيير لم يصنعه المثقف، انما كان بشرارة من جسد شاب عاطل من العمل، ومن مجاميع شبابية بسيطة الثقافة تختبئ في المقاهي وتستخدم الفيسبوك، ولم يكن لهم حضور على اي صحيفة بارزة او مجلة معروفة او قناة فضائية.
وتعامل الكتاب مع احداث تونس مثل بقية الاخبار، ولم يكن الكثير من المثقفين يتصورون ان ثورة شعبية قد تنطلق من دون توجيه القوى الثقافية. وعندما تحمس المثقفون للتحولات واستبشروا خيرا بقدوم الديموقراطية، تكشفت حقيقة اخرى، يقول د. الحسني، «إذ جاء الربيع بفئات تروج للخرافة وتحتمي بالتخلف، وتوجه الجمهور بتفسير الاحلام».
الذين ينسبون انفسهم للاسلام، يقول الروائي المصري يوسف زيدان بيأس، «لن يتنازلوا عن مكاسبهم الا بثمن باهظ ودماء كثيرة. مستقبل تيار الاسلام السياسي في مصر! أراه مريعاً ومفزعاً. وما يجري الآن هو البداية، اما النهاية فدونها ألم طويل، فالله المستعان على الفترة المقبلة، خصوصاً في مصر وسورية واليمن». (الشرق الاوسط، 2013/3/10).
كل مثقفي مصر المعارضين والقلقين من تطور الاوضاع يبدون منذ فترة مخاوفهم من «أخونة» الثقافة.. اسوة بجوانب الحياة الاخرى، بمعنى هيمنة القيادات والمفاهيم الاخوانية عليها، غير ان علاقة الاخوان المسلمين بالثقافة والفكر والفنون - كما هو معروف ليست قوية او ممتدة. فعضو حركة الاخوان نادراً ما يكون بارزاً في مجالات الثقافة او معطاءً في فروعها المختلفة. ورغم اتساع عضوية الاخوان والاحزاب الدينية لا نجد في صفوفها كبار الشعراء والروائيين والنقاد والمفكرين، وان تعمق احد الاخوان في هذه المجالات او انكب عليها ابتعد تدريجيا عن الحزب. وتقول بعض التقارير الصحافية المصرية شارحة الوضع، «ان التيارات الدينية تكاد تكون علاقتهم بالعمل الثقافي ضعيفة، وان كوادر التكنوقراط لديهم بعيدة عن العمل الثقافيَ» (القبس، 2013/5/6).
بل لا نجد في صفوف الاخوان حتى فطاحل اللغويين ومؤلفي القواميس ودارسي الثقافة العربية وعلم الاديان ومختلف العلوم الانسانية فالواقع ان معظم مؤلفات الاخوان اما تتعلق بنشاطات الاسلام السياسي او المؤلفات الدعائية او السير الذاتية المكتوبة بشكل انتقائي تمجد الداعية مؤلف الكتاب وتشيد بحركة الإخوان.
ولهذا فمن المستبعد ان ينجح الاخوان او اي حزب اسلامي في الهيمنة على آلثقافة وبخاصة في هذا العصر وما يشهد من وسائل نشر واتصال.
يقول الاديب المصري شريف حتاتة ان محاولات اخونة الثقافة والسيطرة عليها لن تكون سهلة، سنخوض معارك طويلة. الرد الحقيقي على هذه المحاولات يكون من خلال زيادة العمل والكتابة والابداع في مختلف المجالات. حتى لو صودرت هذه الاعمال او منعت، نستطيع ان نبحث عن وسائل اخرى لنشرها». ولا يعني هذا في اعتقاد الاديب حتاتة ان الصراع سينتهي قريبا: «ان حكم الاخوان مستمر، على الرغم من عدم استقراره وعدم قدرته على الادارة ومواجهة الكثير من المشكلات، لان البديل غير موجود فالاحزاب ضعيفة واليسار ايضا ضعيف» (الحياة، 2013/6/11).
بل ان احد الروائيين المصريين الشباب يعبر عن تفاؤله من الاوضاع رغم القلق السائد في ظل حكم التيارات الدينية يقول الروائي محمد عبدالنبي: «انا اقل خوفا الآن، فالاعتراض على حكم الاخوان ليس مقتصرا على نخبة مثقفين ليبراليين او يساريين، لان رجل الشارع البسيط يتمنى رحيلهم. الناس يفتقدون تفاصيل حياتهم اليومية ومتطلباتهم الاساسية، وهذا يطمئنني. ثم ماذا بوسعهم ان يفعلوا؟ هناك عشرات دور النشر في مصر، ولو صودر عمل ما، سينشر على الانترنت. لا خوف على مستقبل الابداع في مصر» (الحياة، 2013/4/23).
من ناحية اخرى، شهدت الحياة الثقافية المصرية، في اعتقاد الكاتب «عبده وازن»، الكثير من الازدهار في السنوات الاخيرة، يقول في مقال له بالحياة بعنوان «الثقافة المصرية.. من التدجين الى الاخونة»، 2013/6/3 ان قطاع نشر الكتب «كان قد شهد خلال العقود الماضية ازدهارا كبيرا في كل دوائره، وفتح ابواب الابداع امام الكتاب المصريين المكرسين والشباب، ناهيك عن الكتاب العرب الذين اقبلوا على نشر اعمالهم في السلاسل الادبية المدعومة رسميا، وساهم هذا القطاع في تشجيع القراءة وترويج الكتب في المناطق والقرى على الرغم من المآخذ التي شملت مشروعا مثل مشروع «القراءة للجميع» التي كانت تحمل كتبه صورة سوزان مبارك. اما القطاع الثاني فهو قطاع الفنون، مثل الرسم والنحت والموسيقى والرقص والاوبرا والمسرح، وكانت مصر اصبحت رائدة في معظم هذه الفنون وبات الفنانون المصريون في طليعة الحركات التحديثية، لاسيما في الفن التشكيلي». ولهذا يضيف عبده وازن، لم يكن في مقدمة الاخوان، عندما وصلوا الى السلطة، ان يستوعبوا حركة الازدهار الفني هذه، فهي في حسبانهم كما في عقيدتهم، ظاهرة انحطاطية تخالف رؤيتهم الى الثقافة ومفهومهم للانسان والجماعة ونظرتهم الى الاخلاق والتقاليد وكان لابد من الشروع بحملة تطهير شاملة».
تحولت وزارة الثقافة المصرية، مع اعتلاء الوزير الجديد علاء عبدالعزيز منصبه، الى ساحة مفتوحة للصراع مع زحف «الاخونة»، وبخاصة بعد ان تردد انه يعمل وفق «اجندة اخوانية»، وانه جاء على خلفية اقالة رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب احمد مجاهد، والذي اعقبته اقالة كل من رئيس قطاع الفنون التشكيلية ورئيسة دار الاوبرا. وفيما كان وزير الثقافة الجديد يسارع الخطى من اجل القبض على زمام الامور في وزارته، كان خصومه منهمكين بالتخطيط للاطاحة به، حيث اعترضوا على كفاءته للمنصب، ووقع اكثر من مائتي مثقف على بيان في ختام مؤتمر لهم في نقابة الصحافيين، وهتفوا ضد مرشد الاخوان واخونة وزارة الثقافة. وجاء في صحيفة الحياة، 2013/5/31، ان وكيل نقابة الصحافيين جمال فهمي، وان ما سماه «سياق الوهم والحماقة والجهل والغباء» الذي اتى بالوزير الحالي، واعتبره مؤاتيا لعملية «نشل» مصر ثقافيا وسياسيا، و«جر الدولة المصرية الى الظلام».
وجاء في تقرير ثقافي كتبه من القاهرة صبحي موسى، القبس، 2013/5/9، «للمرة الاولى يفاجأ المثقفون المصريون بأنهم سيتعاملون مع شخص مجهول لهم، فلا احد يعرف له تاريخا أو يتذكر له اصدقاء أو مؤلفات، ولا احد يذكر انه التقاه أو تحدث معه». واضاف كاتب التقرير ان «علاء عبدالعزيز السيد عبدالفتاح، يبلغ من العمر 51 عاما، تخرج في مدرسة التوفيقية الثانوية، ودخل اكاديمية الفنون، وحصل على الدكتوراه عام 2008 بعنوان «فلسفة ما بعد الحداثة والسينما»، وانه يعمل مدرسا في قسم المونتاج بالمعهد العالي للسينما بأكاديمية الفنون. لكن البعض ذهب الى انه كتب مقالا في جريدة حزب العدالة والحرية معتبرا ان الرافضين لحكم الاخوان ما هم الا مجموعات سياسية توجهها اجهزة الدولة الفاسدة».
وفي مقابلة نشرتها صحيفة «الجريدة» الكويتية، 2013/6/13، دافع الوزير د.علاء عبدالعزيز عن نفسه وقراراته قائلا بأن المعتصمين في الوزارة «لا يمثلون المثقفين، حتى اهدافهم من الاعتصام ليست واحدة». وهاجم الوزير المعتصمين بقسوة قائلا، «تصرف المثقفين المعتصمين هو تصرف بربري، لأنهم ينتمون الى ثقافة «ابادية» انتهى عصرها، ولم يعد لها مكان، يرفضون من يختلف معهم في الرأي ويردون عليه بالاعتداء. كل قرار اصدرته لدي مبررات له، واعلنت ان مكتبي مفتوح للجميع، لتوضيح مبررات القرارات، لكنني لن اسمح بأن يتم اهدار المال العام، فعندما اقلت رئيسة دار الاوبرا ايناس عبدالدايم اعلنت الاسباب، اذ لا يُعقل ان اقوم بالانفاق على حفلات لا يحضرها سوى عدد محدود جدا من الجمهور، في مقابل عشرات الدعوات المجانية».
منذ فترة ليست بالقصيرة يحذر ادباء مصريون من تعثر المجلات الثقافية وتراجع الدعم عن كثير من المطبوعات والسلاسل الصادرة عن هيئات وزارة الثقافة. ومن جانب آخر ثمة عزوف لعدد كبير من المبدعين عن النشر الورقي واللجوء الى نظيره الالكتروني، كما لم تبق سوى جريدتين ثقافيتين تتنافسان في ساحة خالية من الحراك والمعارك الفكرية والمواكبة النقدية، هما جريدة «اخبار الادب»، التي ترأسها لسنوات طويلة الروائي جمال الغيطاني، وجريدة «القاهرة» التي مازال يترأسها الكاتب صلاح عيسى. ويقول رابح بدير في تقرير له في صحيفة «الجريدة» نفسها، 2013/1/10، ان جريدة القاهرة «حظيت بدعم مالي كبير في عهد الوزير الاسبق فاروق حسني، فيما ظلت «اخبار الادب» محرومة من هذا الدعم لانتقادها وكشفها السلبيات التي تدور في كواليس الوزارة».
وتعم اوساط المثقفين مخاوف شتى على مصير دار الكتب والوثائق القومية، بعد ان توالت الاحاديث حول رغبة الاخوان في السيطرة عليها، لذا كانت صرخات المثقفين والفنانين ودعوتهم الى وضع الدار تحت الحماية الدولية، وطالبوا كذلك بتشكيل لجنة محايدة ومتخصصة للاشراف على الدار لما تحويه من وثائق سيادية تمس الامن القومي المصري. وجاء في تقرير من القاهرة لمحمد الصادق، الجريدة، 2013/6/17، ان رئيس دار الكتب السابق حذر من ان الدار «تتعرض لمخطط اخواني يستهدف تجريدها من الكنوز الحقيقية النادرة التي تحويها، مضيفا انها تضم اكثر من ستين الف مخطوطة اسلامية غير موجودة في الدول العربية والاسلامية كافة، اضافة الى اربعة آلاف حافظة تتناول جميع الوثائق الوطنية، فضلا عن وثائق المخابرات المصرية والوثائق التاريخية المهمة، وحوالي مائة مليون وثيقة نادرة».
ان الثقافة المصرية والعربية في محنة حقيقية وازاء مستقبل غامض قاتم، ومن المشكوك فيه تماما ان يستطيع المثقفون المصريون وحدهم حماية هذا التراث العظيم والدفاع عنه.
تعليقات