رأينا ((الآن))، رأينا الأمس:
زاوية الكتابهل نقاطع أم نشارك؟ ما الذي تغير لمن قاطع؟ بل ما الذي تغيّر لمن شارك؟
كتب يونيو 24, 2013, 12:34 ص 6841 مشاهدات 0
على كل ناخب/ناخبة أن يسأل نفسه:
هل قاطعت الانتخابات الماضية لأني كنت ضد الصوت الواحد فقط؟ أم أنني قاطعت لأني كنت ضد نهج الاستفراد وضد الفساد وضرب نواب الأمة وانتهاك حرمة البيوت وملاحقة المغردين وسجن النشطاء والمعارضين والتضييق على الحريات العامة وانهيار الإدارة واستمرار الحرائق 'الغامضة' للمنشآت العامة وتطبيق القانون على المعارضين والتغاضي عن اللصوص والمحتالين وضياع أموال الاستثمارات وغياب الشفافية بصناديق المنح والهبات وضد ضيق فرص التعليم والعمل للشباب وانعدام مبدأ تكافوء الفرص وانتشار المحسوبية والظلم.
من قاطع لأنه ضد الصوت الواحد، فعليه أن يدرك أن أزمة ومعمعة الصوت الواحد والمحكمة الدستورية والانتخابات وإبطال المجلس تلو الآخر، ما هو إلا نتيجة من نتائج التفرد بالسلطة وبالتالي الانهيار التام لإدارة البلد. أما من قاطع الانتخابات لأنه 'شكك' في دستورية الضرورة، فقد أوجدت له المحكمة الدستورية 'مبررا' وعذرا للمشاركة وأضفت عليها صبغة قانونية، فعدنا إلى المربع الأول وكأنك يا بوزيد ما غزيت'. فجاء تحصين الصوت عذرا لبعض من كانوا 'على طريف' من أصحاب المناقصات والعمولات فسارعوا رأسا لإعلان تأييدهم تحصين الصوت والمشاركة بالانتخابات!!
على من شارك بانتخابات الصوت الواحد أن يسأل نفسه: لقد سوقت لي الحكومة وحثتني على أن الصوت الواحد والانتخابات من خلاله هي من أجل رأب الصدع وتلافي الطائفية والفئوية والقبلية، فهل نجحت تلك الانتخابات في ذلك أم أن الطائفية والقبلية والفئوية والانقسام الوطني قد تفاقمت وأصبحت أكثر عمقا وحدّة؟ ولماذا ارتكبت السلطة 'خطأ' إجرائيا متكررا أدى إلى إبطال المجلس الذي طبلت الحكومة له وسخرت كل أجهزتها وشجعتنا على أن نشارك بانتخابه؟ وهل دفعت الحكومة ثمنا لمن أدى إلى هذا الخطأ الجسيم و'بهذلنا' و'فشّلنا' أمام المقاطعة العارمة في ديسمبر الماضي؟
شماعة المعارضة:
ليس هناك معارضة ملائكية بأي حركة شعبية بأي بلد كان، هذه حقيقة يدركها الجميع، والمعارضة الكويتية –مثل أي معارضة بالعالم- لا تخلو من الانتهازية والتراجع والانحراف والانشقاقات وخلافه، ولقد تعرضت المعارضة الكويتية للتشويه والملاحقة والتضييق والضرب والسجن و'مرمطة' المحاكم وحتى مضايقة أفرادها في لقمة عيشهم. ولكن رغم أخطائهم، فهم بشر لا يملك سوى الكلمة والرأي، وحتى هذا ضيقوا عليهم فيه، فمحطة توقف، وبرنامج تلفزيوني ينتهي بقرار وزاري، وناشر جريدة الكترونية يتعرض للسجن، ورمز المعارضة الشعبية-مسلم البراك- يتعرض للملاحقة والسجن والتهديد واقتحام حرمة بيت أخيه وضرب عائلته وهلمجرا.
ولكن على أي ناخب أن يسأل نفسه: هل صوتّ أو قاطعت من أجل شخص أو جهة؟ أم أنني سأشارك أو أقاطع لإيماني بأن ذلك لصالح الكويت؟ وهل كان موقفي من أجل فلان بالمعارضة أو آخر بالأغلبية؟
سيستمر منهج التشويه الفردي لرموز المعارضة: يبون الكرسي الأخضر؟ يبون يرجعون كراسيهم! الخ الاسطوانة المتكررة، وهذا تسفيه لعقل الناخب وإرادته، ففي الانتخابات الحرة، يكون الناخب حرا، وفي الانتخابات التي شرعها الفرد للجماعة تكون في الغالب محسومة النتائج.
الوضع الاقليمي:
ومن الذرائع التي ستدفع بها الحكومة للترويج للمشاركة بالانتخابات القادمة مسألة الوضع الإقليمي الملتهب، وسوف يردد إعلام السلطة- وهو شبه شامل هذه الأيام- أن الوضع الإقليمي لا يسمح بالمعارضة، فلا داع للمقاطعة، ولا مبرر لانتقاد الديمقراطية الكويتية، و'خلاص يا جماعة شتبون إنتوا، علشان الكويت، بلاش هالمعارضة وتعالوا شاركوا جميعا من أجل أمن الكويت واستقرارها'.
لكن العكس هو الصحيح: إن الخوف على أمن الكويت واستقرارها يتطلب مشاركة شعبها بقرارها وليس الاستفراد بالقرار والثروة معا، فالكويت تميزت بلحمتها الداخلية وبديمقراطيتها الشعبية، والانفراد بالقرار هو الخطر الحقيقي على أمن الكويت واستقرارها، وما الغزو العراقي للكويت ببعيد، ففي العام 1990 كانت السلطة منفردة بالقرار ومجلس الأمة مغيب، وحين حشد صدام جيوشه، كانت الحكومة تطمئن الناس: إنها مجرد سحابة صيف! لكنها كانت زلزالا جلب على الكويت الاحتلال والغزو والدمار. وما أشبه الليلة بالبارحة: فقبل أيام ظهر رئيس الحكومة الحالي- الشيخ جابر المبارك الصباح فجأة ببغداد، وأغلق كافة الملفات المتعلقة بالغزو خلال ساعات دون العودة للشعب من خلال ممثليه: وقال عبارته الشهيرة: 'لن نلتفت للوراء بعلاقتنا مع العراق'، فما الذي تم الاتفاق عليه؟ وهل انتهى العراق فعليا من ترسيم العلامات الحدودية؟ وما مصير التعويضات؟ كلها أسئلة إجاباتها مجهولة للشعب الكويتي الذي ضحى، فغاب عن القرار في تقرير مصير أمنه ومستقبله.
ولكن ليسأل كل صاحب ضمير نفسه: هل يمكن لسلطة أن تخطيء باصدار المراسيم بشكل متكرر، ولا تحمي جامعتها الوحيدة من الاحتراق المتكرر خلال أيام، ولا تقبض على تاجر إقامات واحد، ولا على تاجر أغذية فاسدة واحد، ولا توقف نهريب الديزل ولا،،ولا،، ولا ،، ولا ... أن تخطط للأمن الاستراتيجي للبلد منفردة؟
احترموا الدستورية والقضاء:
تسوق السلطة حجة احترام المحكمة الدستورية كمسوغ للحث على المشاركة بالانتخابات، وهي حجة ساقطة حين تأتي من سلطة 'تؤمن ببعض الكتاب وتكفر ببعض'، فالسلطة لم تحترم قرار المحكمة الدستورية حين أسقطت قانون التجمعات منذ عام 2006، فضربت الناس وقمعت المسيرات والمظاهرات واعتقلت العشرات دون أن تلتفت لحكم الدستورية، وانتهاك القوانين وعدم تطبيقها سمة من سمات الإدارة الحكومية.
لكن النقطة هنا أنه لا علاقة للمشاركة بالانتخابات بحكم المحكمة الدستورية واحترام القضاء، فعدم احترام القضاء يعني التعرض له بالانحياز أوالطعن بعدالته، ولعل أفضل من فسر مفهوم احترام المحكمة الدستورية هو السياسي المخضرم عبدالله النيباري حين كتب:
'تعبير احترام قرار المحكمة يعني عدم التشكيك أو التجريح في المحكمة، ولكنه لا يعني القبول به أو عدمه، فأحكام القضاء تقبلها فئة وتعترض عليها أخرى، وتلجأ لنقضها بالطرق المتاحة قانوناً. ومع ذلك، لا يعني أنه غير قابل للتقييم والنقد،... وهي على كلٍ ظاهرة إيجابية، فنحن لا نعيش في عصر المسلّمات، فكل اجتهاد قابل للتقييم والنقد'.
أي أن حكم المحكمة الدستورية لا يفرض المشاركة بالانتخابات ولا بالدعوة لها أصلا، فالمشاركة موقف سياسي والمقاطعة موقف سياسي أيضا.
ما العمل؟
قد يتساءل المحتار- وهم كثر هذه الأيام- ماذا لو قاطعت؟ ما الحل؟ فالمعارضة مشتتة، والقوى السياسية منقسمة، والسلطة قوية، والبديل 'سكة سد'؟
والحل يبدأ بالقرار: هل سأشارك بانتخابات من شأنها أن تمد من عمر هذا النهج؟ وهل سأعمل على شرعنة هذا السياسة المدمرة؟ فإن كانت الإجابة بنعم، فذاك شأنك ومسئولية ضميرك كناخب أمام ربك ووطنك، وإن كانت الإجابة بلا فالمقاطعة 'أوجب' في هذه الحالة.
لقد بدأ الترويج الحكومي للانتخابات القادمة ومحاولات خلخلة جبهة المعارضة بالترهيب والترغيب مبكرا، وتمت محاولة اختراق معارضة القبائل وشراء الولاءات التي لم تتوقف بعد المقاطعة التاريخية للانتخابات الماضية، فالسلطة لا يمكنها أن تستمر بالانفردا بالقرار ما لم تحظ بمباركة شعبية، وكانت مدركة لفداحة العزلة السياسية وكلفتها ببقاء مجلس الصوت الواحد 'الهزلي' المبطل، وهي ستحاول إضفاء الشرعية على نهج الاستفراد بالقرار واستمرار الفساد بالبلاد من خلال أكبر مشاركة ممكنة بالانتخابات القادمة، وهذا بحد ذاته أسوأ سيناريو لمستقبل الكويت حتى لو لم تطرح قوى المعارضة بديلا معقولا وممكن التحقيق. أي أن المقاطعة بحد ذاتها أهم من أية مشاركة تحت أي مبرر وأية ذريعة، فالمشاركة هي شرعنة للفساد ولدمار البلاد- بنية أو بحسن نية، والمقاطعة تعني استمرار الاحتجاج الشعبي على هذا النهج واستمرار الضغط الشعبي السلمي بكافة الوسائل لوقف هذا النهج والعودة للأمة مصدر السلطات.
إن المقاطعة الشعبية العارمة للانتخابات، ستدفع السلطة قسرا إلى التفكير في مراجعة موقفها، تماما مثلما راجعته وحلت مجلس الصوت 'المهزلة' المبطل، فالسلطة ترغب في مشروعية لنهجها، وتصر على وجود معارضة شكلية، وسوف تسمح بممارسة محدودة ومقررة لديمقراطية هي التي ترسم تصويتها وإجراءاتها ومراسيمها وإذا ما احتج الشعب على ذلك، أقحمت القضاء في معركتها بمواجهة الناس، وهو ما تم.
لقد أهانت الحكومة الشعب الكويتي أكثر من خمس مرات خلال سبع سنوات حل فيها ثلاث مجالس (2006،2008، 2009) وأبطل فيها مجلسان (2012، 2013)، وجاء الإبطال خلال فترة رئاسة نفس رئيس الحكومة دون أن يتعرض للمساءلة أو الجزاء- لا هو ولا أي مسئول حكومي –ولو من باب 'كبش للفداء' وذر الرماد احتراما لإرادة الناخب الذي يتردد بكل حب وإخلاص لهذا الوطن على صناديق الاقتراع، لتكافؤه الحكومة بالإهانة وإبطال إرادته مرتين متتاليتين خلال أقل من سنة ميلادية،، أي إهانة أكثر من هذه لإرادة الأمة؟ وما الذي يضمن أن نفس الحكومة التي أبطلت مجلسين، لن تبطل الثالث وتكرر إهانة شعبنا وتجعل منا ومن ديمقراطيتنا وإرادة شعبنا أضحوكة أمام العالم؟ وهل الديمقراطية صندوق انتخاب فقط؟ أم أنها نظام يحترم فيه الإنسان وإرادته ورأيه ومشاركته؟
لقد طرح أكثر من حل من عدة أطراف، ولكن السلطة ترفض أن تناقش أي منها لأنها مصرة على نهج الاستفراد بالقرار، والحل الذي تتفق عليه جميع الأطراف السياسية المقاطعة هو: أن لا بديل عن قانون انتخاب توافقي يتم من خلال توافق وطني أو استقتاء شعبي، تتحقق من خلاله الحكومة البرلمانية، والمقاطعة هي أولى الخطوات- ولعلها أهمها – لتحقيق ذلك، أما غير ذلك، فهو تكريس لما هو قائم، بل تشجيع وتأييد له، وهو ما يرفضه الغالبية من الشعب الكويتي الحر.
أخيرا، لا بد أن يسأل كل صاحب ضمير ومخلص لهذا الوطن: ما الذي تغيّر اليوم عن يوم مقاطعتي أو حتى مشاركتي بالأمس القريب؟
رأينا ، هو رأينا بالأمس، رابط: إنها قضية مستقبل الكويت
تعليقات