فكرة سياسية

زاوية الكتاب

كتب 1008 مشاهدات 0


هناك تشبيه مرح للحركات السياسية في الدول الديمقراطية، وذلك في شغبها وصدامها وإلتقاءها ومشاكسات تنظيماتها وأحزابها وتعدد مطالبها وتنوع تكتلاتها وجرءة ناشطيها، بطفل يشق طريقة للحياة ليتذوق ويشرب ويأكل ويفطم ثم يحبو فيمشي لينطلق فيما بعد راكداً في فضاء غير مسيج بأنماط وتقاليد وعادات، خلال هذه المراحل يتكون وعيه وإدراكه ويتخذ بعدها مسيرة لحياته فيرسم خريطة تحقيق أهدافه، صحيح أن ديموقراطيتنا لم تكتمل بأحزاب ولكن هذا لا يحيدها عن كونها احدى اشكال الديمقراطية أو لنقل في الطريق نحو الديمقراطية ، حتى لا نخرج عن الاطار السياسي النظري الجمعي وكذلك مخافة أن يصرخ في وجهنا أفلاطون وارسطو ، ويقاطع جلساتنا روسو وديدرو او يجمد الرد على مكالماتنا دوستوفيسكي ورغم أننا نعيش ديمقراطية سليمة وناضجة غذتها الكثير من التجارب وبالرغم من أن مراحل عمر الانسان قصيرة لا تتعدى العقود فإن مراحل  العمل السياسي في الدول والمجتمعات لا يحدها عمر ويستحيل ان يوضع على سريرها تقرير الوفات ، فالتطور الديمقراطي عبر التاريخ قد يمرض لكن يستحيل أن يموت أو يتراجع إلى الوراء، فقد يحتاج إلى مضادات حيوية، لكنه لا يحتاج أكثر من ذلك . لكن الاساس في ذلك أن النهضة السياسية لابد أن تسبقها نهضة فكرية تتجه نحو الارتقاء الاجتماعي وبلوغ التقدم الانساني والاخلاقي ، وعدم وجود ذلك الاساس الفكري الاجتماعي يؤدي لإنهيار المبنى السياسي كاملا وتحوله لمسخ يتفوه بكلمات ضبابية تحتمل الاضداد وتحيله إلى زمن السفسطة الجوفاء حيث المبارزة بالكلام ، والفارس الاعظم من يتقن فنون الجناس والبلاغة والسجع وما خلفه لنا سيبويه من إرث إنشائي كبير، ولا يؤدي ذلك الا لخداع الافراد ، وهذا ما لاحظناه من قبل بعض التجمعات السياسية بعد صدور حكم المحكمة الدستورية من تحصين الصوت الواحد وإبطال المجلس حيث ان هذه التجمعات تنادي بأجنادتها دون النظر لمراحل عمر العمل السياسي واحتياجاته ودون أن تحمل مشروع فكري يرتقى بهذا العمل والمجتمع في أن واحد ، وها هم يرفضون حكم القضاء وقد يعلنون مقاطعتهم الانتخابات وكأن العمل السياسي يحصر بالرغبات وأماني الاطفال لا بالعمل في احلك الاوقات، ولعل ما تنادي به هذه التجمعات لن تلقى ردا سوى صدى رنين حناجرها، فقد انحسر مدهم حين بعد حين دون أن يقفوا ويتساءلوا عن سبب هذا التراجع، وإذا ما أردنا تحليل اسباب هذا التراجع سنجد عدم قدرتهم على التأقلم من المتغيرات ومتطلبات الوقت، فهم يقفون منادين بوقف التيار وهم في وجهه دون نظرة مستقبلية بان التيار سيقذفهم بعيدا، ومع أنهم قاطعوا الانتخابات سابقا وصدموا بفشل المقاطعة الا أنهم يفكرون بمعاودة الكرة وهذا نفهمه بعدم النضج السياسي والعيش المستمر بمرحلة المراهقة السياسية حيث العناد من أجل العناد فقط وكأنه جزء من كبرياء موهوم، فلابد من إعادة جدولة حساباتهم والتدقيق عليها والتركيز على أن العمل السياسي ليكون ناجح لابد من أن يحمل فكرة مجتمعية بناءه تقوم على العدالة والحريات، لا المذهبية والتعصبات القبلية أو الفكرية الغير ناضجة، ولو كانوا أصحاب مشروع فكري مجتمعي لما همهم دخولهم الانتخابات بصوت واحد أو عشرة ، ولو أنهم من اصحاب العقل السياسي لأدركوا ان العمر السياسي للمجتمع يحتم الدخول للانتخابات ليس من أجل الوطن فقط، بل من أجلهم كذلك، ولعلي أضمن بمداد حبري هذا وصول فكرتي وهي فكرة الأغلبية الصامتة .

المحامي أسامة السند

المحامي أسامة السند

تعليقات

اكتب تعليقك