الروس في مواجهة الإسلام .. مرة أخرى
زاوية الكتابكتب يونيو 16, 2013, 3:36 م 1738 مشاهدات 0
يبدو أن صانع السياسة الروسية الخارجية لا يستوعب العِبر والدروس من التجارب التاريخية في مواجهات بلادهِ مع الإسلام مواجهة مباشرة, على عكس السياسات الأمريكية التي تَسوّق حروبها الدينية تحت ذريعة محاربة الإرهاب والتي إنطوت على البعض. فمنذ اندلاع الثورة البلشفية حتى يومنا هذا, واجهة الروس الإسلام مواجهة مباشرة في مواطن مختلفة أدت إلى تقليص النفوذ الروسي في تلك المواطن أو انسحابها بصورة مذلة. كانت الحرب السوفيتية الأفغانية هي أولى تلك المواجهات في فترة الثمانينات, مروراً بالحرب الشيشانية في التسعينيات وإنتهاءاً بالحرب القائمة حاليا في سوريا بين الشعب السوري و مليشيات حزب الله وعصابات الأسد.
تشترك تلك المواجهات جميعها بظروف سياسية و دينية متشابهة جداً بحيث يمكن التوقع بدرجة كبيرة عواقب تلك المواجهات وترجيح الكفة المنتصرة في المستقبل بناء على تلك المعطيات. فخلال اجتياح الروس لأفغانستان تحت ذريعة دعم الحكومة الأفغانية المؤيدة للإتحاد السوفييتي أنذاك, تم تجهيز القوة البشرية لنصرة أهالي أفغانستان بعد إعلان الجهاد من قبل علماء بعض الدول الإسلامية وعلى رأسها المملكة السعودية, كما دعمت أمريكا وباكستان تلك القوة بأسلحة متطورة تحقق على الأقل توازن عسكري بين طرفي النزاع. وجد الروس بأنهم في مواجهة ليس فقط مع الإسلام وإنما مع دول توازيها في القوة كأمريكا, مما إضطرت للإنسحاب بعد خسائر كبيرة في العدة والعتاد.
أما المواجهة المباشرة الثانية حدثت ذلك خلال الحرب الشيشانية عندما أعلنت الشيشان نفسها دولة مستقلة على غرار باقي دول الإتحاد السوفييتي السابق فارتكب الروس مجازر للمسلمين في تلك البلاد مما إستدعى إعلان الجهاد لبعض العلماء في مختلف الدول الإسلامية. ودعمت الولايات المتحدة الأمريكية مرة أخرى المجاهدين لكن بشكل غير مباشر كما أن تنقل المجاهدين من و إلى أوطانهم تتم بدون عوائق من حكومة بلدانهم. سجل التاريخ المرة الثانية خسارة الروس الحرب في مواجهاتهم مع الإسلام.
المراقب للموقف الروسي الحالي في القضية السورية يجد تشابهاً يكاد يتطابق مع المواجهات السابقة للروس مع الإسلام من حيث الأجواء السياسية السائدة الأن. مع إعلان مؤتمر علماء المسلمين الجهاد في سوريا -والذي لم يلق معارضة من قِبل الأمة بأسرها ولا من الغرب- أعطى القضية بعد ديني كما حدث في أفغانستان والشيشان وبالتالي انتداب المجاهدين المسلمين من كل بقاع الأراضي الإسلامية إلى الداخل السوري مما يعزز القوة البشرية للمعارضة. كما تلا ذلك البيان اعلان الولايات المتحدة الأمريكية تسليح المعارضة السورية.
يعتمد صانع السياسة الخارجية الروسية على عامل الوقت لحل الازمة السورية والتي تعتبر من أسذج الإستراتيجيات في التعاطي مع القضايا المعقدة بالإضافة إلى بعض المناورات العسكرية البسيطة كتحريك إسطول بحري إلى ميناء طرطوس وتأخير تسليم منظومة الصواريخ إس-300. على الروس مراجعة إرشيفهم العسكري في أفغانستان والشيشان وليبيا قبل الإقدام على أي قرار سياسي في ما يتعلق بالأزمة السورية, وذلك لوجود قواسم سياسية ودينية مشتركة ما بين المواجهات المذكورة تعطي تصور شبه مؤكد عن النتائج العكسية للروس في هذه الأزمة.
ينبغي لدولة روسيا الخروج من الأزمة السورية خروج يحفظ لها ماء الوجه بدلاً من خروج يشابه ذلك الخروج من أفغانستان والشيشان, أو تتحمل عبأ مواقفها السياسية المؤيدة لعصابات النظام. كما لا بد أن يعلم الروس بأن خصمهم في تلك المواجهات هو جماعات إسلامية من مختلف الأيدلوجيات والتي قد تنقل المواجهة إلى الداخل الروسي. اما إذا استمر ذلك الموقف الروسي وفي ظل التطورات الأخيرة فحتماً نصل إلى نهاية كتلك النهايات في الدول التي تحررت سياسياً وعسكرياً من التوغل الروسي مع إنكشاف القوى الثانوية المؤيدة لنظام بشار الأسد والتي يسهل القضاء عليها مع أول انسحاب سياسي للروس.
تعليقات