احترام القضاء واجب لكن تقديسه مرفوض.. هكذا تعتقد عواطف العلوي
زاوية الكتابكتب يونيو 16, 2013, 12:24 ص 953 مشاهدات 0
الكويتية
مندهشة / نعم للهيبة.. لا للقداسة!
عواطف العلوي
في غمار التوقعات والاحتمالات وصخب الآراء وضجيج التهديدات الاستباقية لحكم المحكمة الدستورية الذي سيصدر اليوم بشأن مرسوم الضرورة الذي أصدره سمو الأمير بتعديل قانون الدوائر الانتخابية لتقرر ما إن كان متوافقا أم متعارضا مع أحكام الدستور، ذلك المرسوم الذي أشعل أزمة سياسية لم تهدأ نيرانها حتى اليوم، ولا أظنها ستفعل على المدى القريب، وبسببه قاطع أكثر من نصف الكويتيين الانتخابات الأخيرة تاركين البرلمان لأسماء موالية للحكومة سجلت بصمتها أسوأ مرحلة من المسيرة الديمقراطية في الكويت منذ نشأتها بداية الستينيات.
وتأتي أهمية هذا الحكم بأنه في حال تأييد الطعن في مرسوم الضرورة الأميري، فهذا يعني تقنين وتحديد سلطة الأمير في إصدار مراسيم الضرورة، وربما حل البرلمان للمرة الثانية خلال عام واحد، أما في حال تأييد المحكمة للمرسوم فذلك يعني انتزاع سلطة تشكيل النظام الانتخابي من مجلس الأمة، والقبول مستقبلا بمراسيم ضرورة من نفس النوع كلما ارتأت السلطة حل البرلمان لأي سبب كان.
إذًا، وكما ترون، فالكويت اليوم أمام مفترق طرق خطير يرسم لنا ليس فقط ملامح المستقبل الديمقراطي فحسب، بل ومستقبل الحريات بأسرها في هذا البلد.
أقول في غمار هذا كله، برزت وتجلّت قضية «نقد القضاء، وهل القضاة معصومون من الخطأ؟»، وطُرِحت لنقاشات عديدة تناولتها أوساط المجتمع عبر وسائل الإعلام المرئية والمقروءة، الورقية والإلكترونية.
«لا يمنعك قضاءٌ قضيتَه بالأمس فراجعتَ فيه نفسَك وهُديت فيه لرشدك أن ترجع عنه، فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل».
عبارة مقتطفة من رسالة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب بعثها إلى قاضي الكوفة أبي موسى الأشعري.
«يعاقَب بالحبس مدة لا تجاوز سنتين وبغرامة لا تجاوز ألفي روبية أو بإحدى هاتين العقوبتين كل شخص أخل بوسيلة من العلانية المبينة بالمادة 101 بالاحترام الواجب لقاضٍ على نحو يشكك بنزاهته أو اهتمامه بعمله أو التزامه بأحكام القانون، «ولا جريمة إذا لم يتجاوز فعل المتهم حدود النقد النزيه الصادر عن نية حسنة» لحكم قضائي، سواء تعلق النقد باستخلاص الوقائع أو تعلق في كيفية تطبيق القانون عليها». (المادة 147 من قانون الجزاء الكويتي).
مما سبق يتضح لنا أن القاضي ليس إلا بشرا يصيب ويخطئ مهما اجتهد، ويحق لنا نقد أحكامه بشرط ألا نتعدى النقد إلى القاضي ذاته أو المحكمة ذاتها.
وكما ذكر الدكتور محمد الفيلي في مقابلة تلفزيونية معه مؤخرا «عدم العدول بالمطلق هو جمود بالمطلق».
نعم نحترم هيبة القضاء والقضاة، ونحرص على المرتبة السامية للقضاء، الذي هو الركيزة الأساسية في أي نظام ديمقراطي مؤسسي حر نزيه، لكننا في ذات الوقت لا نريد أن نرفع مرتبة القاضي إلى درجة القداسة والتأليه، ونصف كل من ينتقده بأنه مارق كافر خارج على الملة، ويستحق أن يصلب وتقطع أيديه وأرجله من خلاف!
فالفقه القانوني بالعموم لم يقم ولم يتطور إلا بالنقد والتنبيه والتعليق، عدا ذلك فهو مقولة لا أساس لها من الصحة، بل هو ترسيخ للدكتاتورية والتفرد بالرأي والتسلط الأعمى، ما يتناقض مع الحريات التي يتبناها النظام الديمقراطي الحقيقي!
وهنا أقول إن نقد الأحكام القضائية حق للجميع بلا استثناء، وليس فقط لأهل الاختصاص ما دام لم يتجاوز الأدب والاحترام وحفظ مكانة القاضي والمحكمة.
دعونا إذًا نُزيل تلك الحساسية الساذجة تجاه نقد الأحكام القضائية، وعلينا أن نؤمن بأن الخطأ وارد في كل عمل بشري، وهذا لا يمس هيبة القضاء، ولا يقلل من احترامه والوثوق به، بل على العكس تماما فنحن بنقدنا هذا نساهم في تطويره إلى الأفضل والأكثر مواءمة مع احتياجات المجتمع وتطلعاته، بل واستمرار وجوده!
تعليقات