صراع الأسرة الحاكمة سيؤدي إلى خراب الكويت.. خليفة الخرافي محذراً
زاوية الكتابكتب يونيو 13, 2013, 11:29 م 6149 مشاهدات 0
القبس
المنطقة تغلي بالفتن وعلينا الحذر
خليفة مساعد الخرافي
كان العصر الذي عاشه الشيخ مبارك الصباح عصر المكائد والدسائس والمؤامرات والاطماع، وصراعاً دائماً، كانت مقولة «الغاية تبرر الوسيلة» هي السائدة، وكان الغدر والخيانة شائعين في امارات الجزيرة العربية، فكم اخ قتل شقيقه، وكم طامح قتل عمه، فحوادث قتل الاقارب المقربين من أجل الحكم او نفيهم او سجنهم لا تعد ولا تحصى الى وقت قريب جداً لعدم وجود أنظمة ديموقراطية متطورة تنظم تداول السلطة.
كان الشيخ يوسف آل ابراهيم العدو اللدود لمبارك، وكان ذا نفوذ ومال وتدبير، يكيد المكائد والدسائس ضد مبارك، ويحرّض عليه حكام المنطقة وأمراءها لأخذ ثأر ابني عمته الشيخين محمد وجراح آل صباح شقيقي مبارك، واللذين عرف عنهما الوداعة والطيبة والابتعاد عن المشاكل.
تمكن مبارك وهو في حالة غضب ان يثور عليهما ويجلس على كرسي الامارة، وما فعله الشيخ مبارك من فعل ليجلس على كرسي الامارة أعانه عليه ابناه سالم وجابر، ولن نستفيض في ذكر حادثة خلاف مبارك مع اخوته واعتلائه كرسي الامارة والذي أدى إلى أن يكون بعض ابناء الصباح في جيش ابن رشيد خصم الشيخ مبارك الصباح الذي شنّ عليه الحرب لقتاله بل إنهم استطاعوا ان يبدلوا ولاءات من كان يقاتل مع مبارك، ومن أراد تفاصيل أكثر فسيجدها مكتوبة في كتب مطبوعة في الكويت او في الانترنت «غوغل». فالقصد من ذكر معركة الصريف وما يدور فيها من أحداث ليس للتشفي، لأن ما يسيء لاسرة آل صباح الكريمة هو إساءة لنا جميعاً كشعب، بل ما نكتبه هو ليعتبر ويتعظ بعض ابناء الاسرة الحاكمة من ان الصراع على النفوذ والمال والمناصب لا يأتي منه سوى امور شائنة وتفتح ابواب الشر، لهذا نحاول في هذا العصر ألا نتطرق إلى تفاصيل هذه الحوادث ونحذفها من تاريخنا ونتحاشى الحديث عنها، لانها تعتبر خطيئة يجب عدم تكرارها.
ان ما يحصل اليوم من صراع بين بعض افراد الاسرة الحاكمة كل منهم له ادواته، سواء بإغداق الاموال الطائلة على اعلاميين وانصار ومغردين ونواب للاساءة لابناء عمومتهم ورموزهم، او بتمرير واسطات جائرة وامتيازات ومناصب لمن يحسب عليهم ومن شلتهم لصنع مراكز قوى، نقولها لهم قول الخائف على الوطن، هذا امر لا يليق ومستنكر وأدى وسيؤدي الى خراب الكويت، وسيذكره التاريخ بعد سنوات بأن صراع بعض ابناء الاسرة الحاكمة هو من ادى الى خراب الكويت وتفشي الفساد والفوضى فيها وقد يؤدي، لا سمح الله، الى عواقب وأمور قد نندم جميعنا عليها يوم لا يفيد الندم.
«شمر قبيلة عربية كريمة»
ترجع أصول قبيلة شمر الكريمة الى طيء، مساكنها في حائل بالسعودية وتوجد القبيلة أيضا في دول عدة (الكويت والخليج العربي والعراق و سوريا).
ومن أراد ان يعرف اين يوجد أهل الكرم، فليذهب إلى حائل.
آل رشيد اسرة حاكمة من قبيلة شمر، في عام 1834 أسقطت حكم أبناء عمومتهم آل علي من حكم حائل، وسيطرت على امارة منطقة حائل وجبل شمر، ومن ثم توسع حكم آل رشيد ليشمل اقليم نجد واجزاء من بلاد الشام والعراق.
الأمير عبدالعزيز بن متعب ال رشيد «أخو رِثعة» سابع حكام ال رشيد، كان لا يرد من ينتخي به، وكان يلقب «بالجنازة»، فمن يواجهه يقتله، كان شجاعا داهية، وصفه الكاتب أمين الريحاني بأنه كان جباراً عتياً لا أثر للخوف في قلبه، وقد كان قطوباً عبوساً دائم التلثم فسمي «العبوس الملثم»، قلما كان يبتسم، بل قلما ما كان يكشف عن وجهه للناس.
كما وصفوه بأنه قطعة من حديد، فيه قوة الاعصار وصلابة الصخر وجبروت المردة وعناد النمر وبطش الاسد، وعيناه كأنهما شهابان من نار، مرهوب النظرة.
حين حكم «نجد» بعد عمه الأمير محمد بن عبدالله ارسل الى مدن نجد بأنه اصبح حاكم نجد وليس لديه سوى «الحافر وصنع الكافر» اي الخيل والبنادق.
انتصر عبدالعزيز ال رشيد في حرب الصريف، انما لم يهنأ بنصره طويلاً، فبعد سنوات قليلة سيهزمه عبدالعزيز بن سعود شر هزيمة {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس} (آل عمران: 140)، فتدور الدوائر على البشر. واليوم، ابناء قبيلة شمر هم أحد المكونات الرئيسية للمجتمع الكويتي.
معركة الصريف
في صباح يوم 17 مارس 1901، قام ابن رشيد بأداء رقصة العرضة الحربية، وقام كل واحد منهم بتوديع صاحبه وأخيه، حيث لا يعلم أحد إن كان سيرجع أم لا، وكان ابن رشيد يود أن يؤخر الحرب إلى يوم آخر، الا ان احد ابناء اسرة الصباح الذي يقاتل في معسكر ابن رشيد نصحه بالهجوم، لهذا أمر ابن رشيد بهجوم مجموعة من الخيالة عدتهم الرماح وهجموا على جيش مبارك الصباح، فقابلهم جيش ابن صباح بإطلاق الأعيرة النارية من البنادق وانكسروا، فلما رجعوا إلى ابن رشيد قال لهم: وأنا أخو رثعة اكسروكم؟ فردوا عليه: يا طويل العمر، لم نجد خيالة رماح، لقينا أهل بنادق بواردية. فقال ابن رشيد: يا الله، زملوا وحطوا ردايف وسوقوا المسيوق بعد تقدم المسيوق خمسين ناقة او أكثر، تربط متلاصقة وتسير امام الفرسان لتحميهم، ووراءها من يضرب الطبل بقوة لتعجل بمسيرها، وقام بوارديَّة جيش الشيخ مبارك الصباح بقتل الجمال. تكرر ارسال ابل المسيوق ثلاث مرات وفشلوا. سمع ابن رشيد بعض قادة جيوشه يتحدثون عن انهم بعد ان يشربوا القهوة سيهجمون على جيش مبارك. فأمر أن تقلب أواني القهوة ويراق ما فيها على الأرض، وقال لهم: من يريد أن يشرب القهوة، فهذه قهوة عدوه قريبة منه، وحين أمر بالهجوم الكبير أبى عبدالعزيز الرشيد أن يتقدم عليه أحد في المعركة، وقال: لا يتقدم إلا أنا، فإما أن أقتل وإما أن انتصر، فإن قتلت فإني فداء لملكنا (يعني الخليفة العثماني). فاستل سيفه ووضعه على كتفه ثم لبس رداء أحمر وأعتمَّ بعمامة حمراء حتى يتميز في القتال ونشر ذوابتيه على كتفه، وفي تلك الأثناء وفي جيش مبارك الصباح، وعندما أصدر مبارك الصباح أمره بالهجوم، قام حمود الصباح شقيق مبارك وأخذ يتكلم، وقال: يا عيال يا عيال يا عيال حمروا العيون ساعة منقضية، أنتم في ديرة ابن رشيد، والله لن يترك أحدا منكم حيا إذا انكسرتم، يا عيال يالطيبين تكفون. فقام البلاجي، وقال: إياكم أن تركضوا وتسرعوا في المشي وتندفعوا بغير هدى، تمهلوا وامشوا على هونكم، أي أثناء الهجوم، ولكن القوم لم يسمعوا الوصية، ولما بدت طلائع خيل ابن رشيد استبشروا بها، لأنهم يعتقدون بأن النصر لا محالة لهم لكثرتهم، فأخذوا يركضون لملاقاة العدو بلا نظام ولا تدبير.
تلاحم الجيشان ودنا بعضهم من بعض، وكانت بوادر الهجوم تشير إلى انتصار جيش مبارك الصباح، الذي وصل إلى معسكر ابن رشيد وتمت هزيمة خيالة جيش ابن رشيد مرات عدة، وكانت بوادر النصر لجيش مبارك الصباح واضحة، وحوّل ابن رشيد هجومه من الوسط إلى الأطراف، والتي سرعان ما انهزمت وتركت مواقعها، وقد كانت الرياح ضد جيش ابن صباح فثارت الزوابع والعواصف الرملية، وأخذت القبائل المشتركة في جيش مبارك الصباح بالانسحاب فعمت الفوضى والبلبلة، وأصبح القتل لاجل السلب، وقام جيش ابن رشيد بعملية التفاف حول أفراد جيش ابن صباح الصامدين فأصبحوا يرمونهم من الامام ومن الخلف شرقا وغربا، وقد استشهد حامل بيرق جيش مبارك الصباح الفارس الشجاع عبدالله المزين، وحمله بعده ابنه الفارس إبراهيم المزين الذي جرح، فحمله فارس الكويت الشجاع الشهيد قصاب الزمنان الذي أبلى بلاء حسناً وقتل. وفي تلك الأثناء سمع صراخ رجل يقول: الكسيرة الكسيرة فتخاذل من تخاذل وقد صمد مع فارس الكويت وبطلها المغوار الشهيد الشيخ حمود الصباح شقيق مبارك في المعركة، وصمد معه من استوطن الكويت من ابناء القبائل ومن أهل الحضر سنة وشيعة، وقاوموا لخمس ساعات متواصلة حتى نفدت ذخيرتهم وتكالب عليهم جيش ابن رشيد بعد أن سرت الهزيمة في صفوف جيش مبارك الصباح، فقتل شهيداً فارس الكويت شقيق مبارك المقدام حمود الصباح ومعه ابنه صباح وخليفة بن عبدالله الصباح وسلمان حمود السلمان ومحمد سالم الجراح وعيسى بن محمد المتروك. وخرج مع جيش مبارك الصباح 1200 مقاتل كويتي من ابناء قبائلها وحضرها لم يرجع منهم سوى 150 رحم الله من استشهد، ويؤجر من عاش. أما الشيخ مبارك الصباح، فقد اضطر بسبب الهزيمه إلى ترك مخيمه ومعه سلطان الدويش.
أجمع المؤرخون على أن الشيخ مبارك داهية سياسيا، ويكفي رهانه السياسي على الحصان الرابح الإنكليز لا الخاسر الأتراك، وقد تعلم منه ابن سعود الكثير الا ان الوقائع تظهر انه ليس قائداً عسكرياً ناجحاً والخلط بين الدورين هو ما أضر به!
لهذا خسر معركة الصريف وغيرها من المعارك.
* * *
أسباب هزيمة الصريف
الغرور والاعتزاز بكثرة العدد والعتاد لدرجة سمح الشيخ مبارك لاحد حلفائه ان يبقى مع الف مقاتل في الرياض، هذا كان من أسباب الهزيمة، وكذلك عدم تجانس الجيش وعدم وجود خطة محكمة لكيفية سير المعركة مع الخصم، ما أدى الى الفوضى لدرجة لم يحرص الشيخ مبارك على جمع جميع الجيوش بمحاور، كل جيش مسؤول عن محور.
كان جنود ابن رشيد وابناء قبيلته يدافعون عن ملكهم، ويعلمون ان الهزيمة ستكون ماحقة وكانوا يخضعون لقيادة واحدة وهو الامير عبدالعزيز بن رشيد.
تصادف هبوب رياح وعواصف شديدة وهطول أمطار وقت المعركة ادت إلى انسحاب بعض من كان مع الشيخ مبارك وصعوبة المعركة، يضاف إليها الخيانات والمكائد في تحويل الولاءات قبل وبعد نشوب المعركة وأثنائها وهو ما خلخل جيش مبارك وادى إلى الهزيمة.
* * *
قصيدة موضي العبيدي حين اتاها نبأ قتل ابنها في معركة الصريف بعد وقع نبأ هزيمة مبارك في معركة الصريف، اتى به قرينيس أحد فرسان الكويت من قبيلة الرشايدة الكرام، وأعلم الشاعرة الكويتية موضي العبيدي حين سألته عن مصير ابنها محمد فاجابها انه قتل، فأشعرت متحسرة على موت ابنها محمد بعد سنوات قليلة من موت ابنها عبدالعزيز في الغوص، والتي قالت فيه قصيدة ابكت من سمعها وسنأتي لها في مقالة قادمة. أما قصيدتها الحزينة التي تنفطر لها القلوب لثكلها بابنها في حرب الصريف، فهي:
«قلت آه من علم لفابه قرينيس
.. يا ليت منهو ميت ما درابه
علم لفابه مرس القلب تمريس
.. والنار عجت في الضمير التهابه
والنوم له عن جفن عيني
.. والحنظل المذيوق زاده شرابه
على الله اللي من على ضمر
.. واليوم ما أدري وين خب لفابه
نصيت بيته وقلت.. وين الحبيب؟
.. قال: ما علمنابه
اقفى مع البيرق بحرب السناعيس
.. وان سئل به والي المقادير جابه
رديت من كثر البكاء والهواجيس
.. دمعي كما وبل نشأ من سحابه
يالله يا فكاك حبل المحابيس
.. تفك لي (محمد) من صوابه
بجاه محمد ويعقوب
.. عسى طلبتي عند ربي مجابه
واعدا ما هبت هبوب النسانيس
.. على النبي صليا هو والصحابة».
* * *
كعادة المنتصر في حروب الصحراء قتل ابن رشيد الجرحى والأسرى الكويتيين وأهل مدن نجد بأسلوب وحشي دون رحمة أو شفقة، يذبحهم ذبح الشياه كانت مجازر وحشية، وكان الأمير المنتصر ابن رشيد قاسياً عتياً، يأتون بالأسرى أمام ناظريه فيأمر بضرب أعناقهم، فبذر في نفوس أهل نجد بذور كرههم ومقتهم له، وقد نكل تنكيلاً عظيماً بأهل نجد ممن حارب مع الشيخ مبارك الصباح، وحليفه عبدالعزيز بن سعود والذي ستدور الدوائر ويهزم دولة ابن رشيد ويحكم معظم الجزيرة العربية ويقيم فيها العدل والأمان، تأثر الأمير عبدالعزيز ابن سعود في معيشته لمدة عشر سنوات في الكويت، بالوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لمدينة الكويت الساحلية وقربها من البصرة، فكان تأثيره كبيراً على شخصيته، ففتح مداركه لأبعاد قد لا تتوافر في مدن نجد، وكان عبدالعزيز آل سعود شجاعاً ذكياً ذا شخصية قوية، وقد أحبه الشيخ مبارك الصباح وعده كابنه، وعلمه الكثير من خبرته السياسية.
* * *
نساء من الزمن الجميل
• موضي البسام
وهي موضي بنت عبدالله بن حمد العبدالقادر البسام من آل وهبة من بني تميم من مدنية اشقير، زوجها عبدالرحمن بن عبدالله بن عبدالرحمن البسام وكان يعمل بالتجارة مع والده.
رحم الله موضي البسام، يا لها من امرأة شجاعة، لقد فعلت بنت الأجواد ما عجز عنه أقوى الرجال وأكثرهم شجاعة وهو اخفاء من انهزم من جيش مبارك في معركتي الصريف 1901 والبكيرية في عام 1904، وأمنتهم من بطش المنتصر وزودتهم بكل ما يلزم من ذلول وسلاح ومؤونة للسفر إلى الكويت.
الا تستحق موضي البسام التكريم بتسمية مدرسة باسمها؟
* * *
نعلم ان الشيخ أحمد الجابر رحمه الله بحكمته وروحه الأبوية احتوى خلاف الأسرة الحاكمة بتقريب ابناء الشيخين محمد وجراح، وأيضاً أكرم وفادة ابناء الشيخ يوسف الإبراهيم الكرام والذين هم محل محبة وتقدير أهل الكويت وشيوخها، لما يتحلون به من طباع خيرة وخصال حميدة ومناقب طيبة وأخلاق كريمة.
* * *
وفي هذا الاطار نلفت إلى ما تعاني منه المنطقة من فتن مخيفة ومخططات تتطلب منا شعباً وحكومة اليقظة الكاملة والحذر والتماسك وترسيخ وحدتنا الوطنية وعدم الانجرار إلى مهاترات واشاعات حتى لا نتورط ونقع في المحظور، فنفقد أمننا وأماننا ورفاهنا.
* * *
● رحم الله العم أحمد عبداللطيف المفلح، فقد كان يجسد الروح الكويتية الجميلة بطيبته وحبه لعمل الخير، ورحم الله صاحب القلم الوطني الكاتب سليمان الفهد، ورحم الله العم حجي محمد حجي بوخضور واسكنه فسيح جناته، فقد احبه كل من عرفه لطيبته وطباعه الجميلة ندعو لهم بالرحمة والمغفرة ولأهلهم ومحبيهم ولنا بالصبر والسلوان.
* * *
• المصادر: «معركة الصريف» لفيصل بن عبدالعزيز السمحان و«ملاحم كويتية» للدكتور عبدالله محمد الهاجري، ورد الدكتورة ميمونة الصباح على الزميل أحمد الصراف في القبس.
تعليقات