تركيا : صراع العثمانية والعلمانية في 'تقسيم '
زاوية الكتابكتب يونيو 13, 2013, 1:10 م 1440 مشاهدات 0
ليس هناك حقيقة واحدة يمكن إعتمادها لتفسير ما يحصل في تركيا اليوم فأطراف الأزمة يتحركون وفقا لأسبابهم الخاصة ما يجعل الأمر يحتمل تفاسير متعدده .
لا توجد أزمة رئيسية واضحة يمكن أن تفسر ما يحصل فأسباب التظاهرات تتعلق بنية بلدية اسطنبول نزع 16 شجرة من حديقة غازي الملاصقة لميدان تقسيم لكن هذا السبب الذي يتبناه القلة من المتظاهرين ليس سوى الشكل أما المضمون فمختلف وفقا لمصالح التيارات السياسية العلمانية والقومية والتي تشارك بقوة في تأجيج هذه المظاهرات ليس في اسطنبول وحدها إنما في مدن تركية عده لتحاول إثبات وجودها في الشارع التركي بعد خسارتها لأغلبيتها في البرلمان التركي منذ العام 2002 .
برأيي ما يحصل في حقيقته ليس سوى محاولة أخيرة من القوى العلمانية والقريبة منها للحفاظ على تركيا العلمانية في مواجهة زحف تركيا العثمانية وهو الزحف الذي يقوده حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ العام 2002 .
الإنتخابات البرلمانية لم تعد وسيلة مؤثرة في وقف هذا الزحف , والمؤسسات ذات الطابع العلماني تاريخيا كالجيش والمحكمة الدستورية أخذت في التراجع خلال السنوات الأربع الاخيرة بعد التغييرات التي نجحت حكومة حزب العدالة والتنمية في إجراءها بمهارة الجراح الفطن والصبور .
مظاهرات حديقة غازي والتي بدأت كحركة بيئية ثم تطورت لتصبح حركة ذات طابع علماني يرفض إبراز المعالم العثمانية في مدينة إسطنبول وخصوصا قرب ميدان تقسيم تواجه بإصرار من رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان على إعادة ترميم الثكنة العسكرية العثمانية مهما كلف الأمر .
أخطاء حزب العدالة والتنمية في هذه الأزمة تمثلت في الإستخدام المفرط للقوة من قبل الشرطة وهو الأمر الذي دفع الحكومة على لسان رئيسها أردوغان لرفض هذا الإفراط وفتح تحقيق لمعرفة المتسبب به .
لكن وفي الوقت نفسه ساهم العنف الذي قام به بعض المتظاهرين وخصوصا من المنتمين لحزب القومية التركية اليساري في تخفيف الضغط عن الحكومة التركية خصوصا بعد إستخدام بعض المتظاهرين للموتولوف وقيامهم بحرق بعض الآليات العسكرية .
تركيا غير مستعدة للعودة لحكم المؤسسات العلمانية ممثلة بالجيش المسيطر على الحكومات المدنية , وبالمحكمة الدستورية التي كانت تبطل القوانين التي تمس الطابع العلماني للجمهورية .
وكذلك تركيا غير مستعدة لحكم الأحزاب العلمانية والقومية التي فشلت فشلا ذريعا في ملفي الإقتصاد والأكراد وهما الملفان اللذان تفوق فيهما حزب العدالة والتنمية إلى حد كبير خلال العقد الأخير .
القول أن حزب العدالة والتنمية حزب إسلامي وهو ما يردده كثير من المحللين والكتاب العرب ينافي الحقيقة والموضوعية فالحزب وإن كان يهتم بالدين ويقدره إلا أنه بالأصل تكون من خليط بين مجموعتين الأولى أتخذت التدين العلماني نهجا سياسيا كانت تنتمي لحزب الرفاه ووريثه حزب الفضيلة منها أردوغان والرئيس التركي الحالي عبدالله جول , ومجموعة أخرى أتخذت العلمانية المتدينة نهجا كان ينتمي بعضها لحزب الوطن الأم الذي كان يقوده رئيس الوزراء والرئيس التركي السابق تورغوت أوزال في حين كان ينتمي بعضها لأحزاب علمانية .
تركيا جسد قلبه متدين وعيونه علمانية وسمعه متنوع وأطرافه متعدده ,ويبقى النزاع الأكبر على اللسان فهناك من يريد العودة إلى اللهجة 'الأتاتوركية' في حين يريد البعض ,الأكثر نفوذا, ألا يكون المظهر الأوربي لتركيا على حساب 'عثمانيتها' .
تعليقات