ختام فعاليات مؤتمر الاقتصاديين الكويتيين

الاقتصاد الآن

خارطة طريق للإصلاح الاقتصادي وضرورة تضافر جهود جميع الجهات

1129 مشاهدات 0

طارق محمد مساعد الصالح

اختتم المؤتمر العلمي السابع للاقتصاديين الكويتيين الذي نظمته الجمعية الاقتصادية الكويتية في 4 مايو، تحت عنوان 'الإختلالات الهيكلية للاقتصاد الكويتي - سبل المعالجة والدور المنشود من الدولة والمجتمع' إلى جملة من التوصيات المهمة، أهمها البدء في معالجة الإختلالات الهيكلية في الاقتصاد المحلي عبر التوسع في النشاط الاقتصادي نحو القطاعات غير النفطية وتكريس صناعة نفطية شاملة تستند إلى المنتجات النفطية بما يحقق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، كما تطرقت التوصيات إلى أهمية تبني المفاهيم الاقتصادية الحديثة كاقتصاد المعرفة كخيار إستراتيجي، وحوكمة القطاع العام والقطاع الخاص في الدولة.

ورأت الجمعية الاقتصادية الكويتية أن أي عملية إصلاح يفترض أن تتسم بالشمولية وفق خارطة طريق واضحة المعالم وجدول زمني للتنفيذ تبدأ بعملية تطوير شاملة لقطاع التعليم بحيث يتم ربط المناهج بسوق العمل الذي بدوره يعاني من إختلالات مهمة يفترض معالجتها بالإضافة إلى تعزيز دور الفرد في المجتمع على أن يكون هو محور العملية التنموية، على أن تركز الحكومة بالمقابل على ضرورة رفع مستوى الخدمات العامة والتوجه نحو الخيارات الاقتصادية الحديثة كالخصخصة وغيرها مشيرة في الوقت نفسه إلى أن ضرورة التخلي عن ثقافة الدولة الريعية وأن يكون القطاع الخاص دوره الحيوي والواسع في النشاط الاقتصادي، على أن تترافق هذه الخطوات مع إعادة إحياء فكرة تطبيق الضريبة على الدخل.

وقد رأت الجمعية الاقتصادية الكويتية في هذه التوصيات بأنها تشكل مدخل حيوي للبدء بمسيرة الإصلاح الاقتصادي المنتظرة والشاملة منوهة إلى أن أهمية التوصيات تكمن في أنها أتت نتيجة خلاصة مجموعة أبحاث أعدها أكاديميون وخبراء واقتصاديون، وشددت في الوقت نفسه على أهمية الإسراع في إطلاق ورشة الإصلاح المنتظرة، كون التأخير الحاصل في البدء بها ليس إلا بمثابة 'غرامات وفوائد تأخير' ما يجعلها تشكل عبئاً ثقيلاً يقع على كاهل الأجيال القادمة. ولفتت الجمعية الاقتصادية الكويتية إلى أهمية تضافر الجهود الحكومية والقطاع الخاص وجمعيات النفع العام ومؤسسات المجتمع المدني في ترتيب الأولويات.

1. الإختلالات الهيكلية وسبل المعالجة

ركزت التوصيات في الشكل، على أهمية أن تتخذ عملية الإصلاح الاقتصادي طابع الشمولية، بحيث يعيد تكريس معادلة اقتصادية جديدة، تبدأ بالعمل على رفع مستوى الخدمات الأساسية من خلال خصخصة بعض القطاعات الحيوية.

معالجة الإختلالات الهيكلية يشكل المقدمة الطبيعية لأي عملية إصلاح اقتصادي، عبر وضع إستراتيجية جادة لتطوير القطاعات غير النفطية، والتي تملك فيها الكويت سواء عبر القطاع الخاص أو الجهات الحكومية تجارب مشجعة كالقطاعات المالية واللوجستية والاتصالات وتقنية المعلومات.

إن معالجة الإختلال الهيكلي يفترض ألا يقوم فقط على النظرية التقليدية القائمة على عدم التركيز على النفط، بقدر البحث في الانتقال إلى مفهوم الصناعة النفطية الشاملة، وقد يكون مثل هذا التوجه مقدمة لإعادة أحياء دور القطاع الصناعي وكذلك المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وهو نهج ترجمته الحكومة على نطاق ضيق من خلال شركة 'ايكويت'.

التأكيد على أهمية إشراك جميع الجهات في تبني أي قرار ذي طابع اقتصادي، بما يساهم في تأمين الحشد والدعم المطلوب له وبما يجعله في الوقت نفسه نابع من تجارب عملية واقعية وليس نظرية فقط، ويأتي في مقدمة هذه الجهات القطاع الخاص مؤسسات المجتمع المدني وجمعيات النفع العام والجهات المتخصصة.

يبدو أن فكرة المشاركة في صياغة القرار الاقتصادي تتجلى أهميتها بشكل واضح في العديد من التشريعات الاقتصادية، وعلى الرغم من أن الكويت تفتقر إلى تشريعات اقتصادية متطورة، إلا أن الذي أقر منها خلال السنوات القليلة الماضية ولدت مشوهة بعد أن طغى الجانب السياسي على المعايير الفنية والجدوى الاقتصادية كما هو الحال مع قانون البناء والتطوير والتشغيل (B.O.T.) وغيرها.

إن أي عملية تطوير أو إصلاح اقتصادي، بقدر ما تتطلب تعزيز دور الدور التنموي للقطاع الخاص، تستجوب 4 خطوات رئيسية إعادة هيكلة الإدارة العامة بشكل جذري، وتحرير قطاع الأنشطة النفطية، وثورة في التعليم، ومحاربة الفساد.

إعادة صياغة دور المستثمر الأجنبي بشكل شامل على قاعدة أن الاستثمار الأجنبي يشكل قيمة مضافة للاقتصاد، مع إمكانية تطبيق معيار أكثر تشدد في القطاع النفطي مراعاة للهواجس في المحافظة على الثروة النفطية.

2. حوكمة القطاع العام في الدولة
تقوم هيئات الدولة وإداراتها بدور مفصلي في إدارة اقتصاد الدولة دون أن تحظى هذه المؤسسات بالاهتمام الكافي في ما يتعلق بالحوكمة، مع تزامن هذا الأمر مع التركيز الشديد الذي توليه الجهات الرقابية والإعلام على حوكمة القطاع الخاص مثلا، وبالرغم من المفارقة التي تتمثل في تعليمات تصدرها مؤسسات حكومية لم ترتقي حوكمتها بعد إلى مؤسسات في القطاع الخاص. وكانت توصيات المؤتمر بهذا الخصوص كالتالي:
تركيز دور هذه الهيئات في دولة الكويت على الحوكمة عوضاً عن العمليات الروتينية، ليشمل هذا التركيز الشفافية، أو قياس الأداء، أو المساءلة.

إعادة هيكلة الشبكة المعقدة من المسؤوليات في هيئات الدولة بشكل يضمن كفاءة صنع القرار وجودة الحوكمة.

تطوير الفكر والنهج الإداري في القطاع العام والخاص على حد سواء عن طريق إجراء إصلاحات منهجية في قطاعات الدولة المختلفة – وبخاصة تلك التي لها دور محرك في عجلة تنمية الاقتصاد الحقيقي- تشمل إحكام آلية اتخاذ القرار، وتكريس الشفافية والمساءلة.

التطبيق الجاد لمؤشرات قياس الأداء في هيئات الدولة لضمان المحاسبة العادلة والترقية حسب الكفاءة.

3. تحصين القرار الاقتصادي من التدخلات
لأنّ القرار الاقتصادي بحاجة للتحصين من العوامل السياسية التي تقيّد الوزراء ومسئولي الحكومة في أغلب الأحيان، تقترح هذه الورقة تأسيس مجلس أعلى للاقتصاد يعمل بمنأى عن الضغوط السياسيّة، علما بأن المجلس الأعلى للاقتصاد ليس هدفه تكرار دور الأجهزة الأخرى كالمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية (لأن هذا الأخير دوره يتركز على برمجة المشاريع وتخطيط تنفيذها، خلافا للمجلس المقترح الذي يختص جوهريا في رسم السياسات الإقتصاديه)، وتكون مهام المجلس المقترح كالتالي:
تشكيل المرجعية الاقتصادية لجميع المجالس والمؤسسات المعنية بالشأن الاقتصادي في الكويت.

التركيز على الإصلاحات طويلة المدى والسياسات الاقتصادية والتنمية المستدامة.

تحسين انسجام الحكومة والتنسيق بين مختلف الوزارات.

تشكيل منتدى تُطرح فيه القضايا الاقتصادية لتناقش وتحلل بشكل علمي.

رسم السياسات الاقتصادية أخذاً بالاعتبار علامات فارقة، ونتائج مستهدفة، ومؤشرات أداء واضحة حين يضع سياساته، ليمكّن رئيس الوزراء من تقييم الأداء.


4. الدور الاقتصادي للفرد تجاه المجتمع
التشديد على أهمية أن تترافق خطط الإصلاح الاقتصادي جنباً إلى جنب مع العمل على زيادة الوعي لدى الأفراد تجاه النظرة إلى مفهوم الدولة، إذ أن السواد الأعظم ينظر إلى 'الدولة' اليوم على أنها 'مصدر مالي' وذلك على حساب الدور المنتج للفرد، وهذه النظرية مردها بشكل وبأخر إلى السياسات التي تبنتها الحكومة مستندة إلى فكرة الدولة الريعية.

الفكرة نفسها تتجلى من خلال إعادة التصحيح مفهوم التنمية، إذ أن خطط التنمية التي طرحت على مدى العقود السابقة تركز على فكرة الإنفاق المالي الضخم، في حين أن التنمية الحقيقية تركز على بناء الإنسان الفرد، ويمتد نحو أفق أوسع وأشمل في كيفية تحقيقها بما يعود بالنفع على المواطنين وتحقق القيمة المضافة لهم.

بالمقابل فإن أي دعوة للتخلي عن 'مفهوم الدولة الريعية' بقدر ما يعد حجر الزاوية للتأسيس لأي مرحلة اقتصادية جديدة، على اعتبار أن الحكومة لن تكون قادرة مستقبلاً على توفير وسائل الدعم المتوفرة حالياً في ظل النمو السكاني، فإنها بالمقابل يفترض أن تعتمد نهج متدرج في التخلي عن فكرة 'الدور الريعي'.

5. تطوير التعليم ضرورة ملحة
إن تطوير مفهوم الفرد تجاه المجتمع ودوره في الحياة الاقتصادية كعنصر منتج، لا يمكن أن يتم إلا من خلال ثورة تعليمية حقيقية سواء في المؤسسات التربوية العائدة للقطاع العام أو حتى القطاع الخاص، بحيث يتم إعادة النظر في المناهج المعتمدة على تعزيز فكرة الوعي لدى الأفراد تجاه مجتمعهم.

إن الفكرة الجوهرية من تطوير التعليم لا تقتصر على تعزيز دور الفرد في المجتمع فقط، بقدر ما تعد المدخل الصحيح لمعالجة الاختلال الحاصل في سوق العمل عبر الربط بين مخرجات التعليم والمتطلبات المستقبلية لهذه السوق وفق رؤية مستقبلية تسمح بتوفير الكوادر الوطنية المؤهلة.

الحديث عن التعليم والتطوير، يمتد ليشمل التدريب المكثف للعاملين في القطاع العام، بما يساهم في رفع كفاءة الأجهزة الحكومية المختلفة في ظل تدني مستوى الخدمات.

سوق العمل
يعد إصلاح سوق العمل من أهم مكونات الإصلاح الاقتصادي في ظل التخمة التي تعانيها المؤسسات والأجهزة الحكومية في مجال التوظيف، ومن المتوقع أن يشكل توفير فرص عمل في المستقبل من التحديات الأساسية إذ من المطلوب توفير نحو 150 ألف فرصة عمل خلال 10 سنوات، وفي ظل الهيكلية القائمة حالياً لسوق العمل، تبقى مؤسسات القطاع الخاص الوحيدة المؤهلة لاستيعاب القادمين الجدد إلى سوق العمل، شرط إدخال إصلاحات جذرية عليه على عدة محاور:
وضع خطط اقتصادية على المديين المتوسط والقصير، يتم ترجمتها إلى مشاريع قائمة تدار من قبل القطاع الخاص وتوفر فرص إضافية للمواطنين.

استكمال العمل في أسرع وقت ممكن بنظام معلومات سوق العمل الهادف لجمع وتحليل ودعم صياغة السياسات ونشر وتوزيع المعلومات المتعلقة بسوق العمل، بما يمكن من وضع تصور للمعالجة والتعرف على المتطلبات المستقبلية بدقة، وهو مشروع بدأ العمل عليه من خلال شراكة بين الإدارة المركزية للإحصاء والبنك الدولي منذ سبتمبر 2012.

العمل على مواجهة بعض التشوهات الفنية القائمة من بينها على سبيل المثال تلك القائمة في هياكل الأجور بين القطاعين الحكومي والخاص لتقليل الفجوات، بحيث يتم تفادي أي هجرة من القطاع الخاص إلى الحكومي.

7. أبعاد مفهوم الضريبة وأهميتها
بالمقابل رأت التوصيات أن تطبيق نظام متكامل للضريبة، واجه في مختلف المحطات التي طرح فيها معارضة تامة، وعلى الرغم من هذه المعارضة فإن أهمية تطبيق النظام الضريبي تتجاوز في أهميته مجرد تأمين مصدر دخل إضافي للخزينة العامة، بقدر ما يضاعف من مسؤولية المواطنين تجاه الدولة ويشكل حجر الأساس في التخلي عن مفهوم الدولة الريعية. غير أن تطبيق أي نظام من هذا القبيل لا بد أن يترافق مع تطوير الخدمات العامة، توفير فرص عمل للمواطنين من خلال القطاع الخاص أما أهم التوصيات الفنية في هذا المجال فهي:
أهمية إقرار نظام ضريبي في زمن الوفرة المالية، بحيث تتمكن الدولة من بناء أنظمتها دون ضغوطٍ مالية وعجز.

البدء بتطبيق الضريبة على الدخل على أن تترافق مع حملات إعلامية تبين أهمية ودور الضريبة بما يساهم في رفع الوعي المالي والضريبي.

وختاما نتمنى أن تساهم هذه التوصيات في دعم جهود الدولة لمعالجة الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد المحلي، ووضع اقتصاد الدولة على طريق التنمية الاقتصادية المستدامة.

 

الآن : المحرر الاقتصادي

تعليقات

اكتب تعليقك