المؤسسات غير الحكومية ظاهرة جديدة.. هكذا يعتقد فخري شهاب
زاوية الكتابكتب يونيو 8, 2013, 12:21 ص 816 مشاهدات 0
القبس
المؤسسات غير الحكومية بيننا...
فخري شهاب
أذاعت وسائل الإعلام، أخيراً، خبر محاكمة ثلاثة وأربعين موظفاً من موظفي المؤسسات غير الحكومية في مصر، والحكم عليهم بأحكام تتراوح بين سنة وخمس سنوات. ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تشهد مصر فيها هذه المحاكمات.
واللافت للنظر أنه في غضون ساعات قلائل من صدور الأحكام على المتهمين بادر وزيرا دولتين عظميين، الولايات المتحدة وألمانيا، إلى التعليق على المحاكمة، وأبديا الخشية من آثارها على حرية الرأي والكلام، وما يستتبع ذلك كله من أثر على الحريات السياسية في مصر، وكان ذلك قبل اكتساب الحكم قطعيته. ولا أخفي القراء الأكارم أن من بين خصالي التي استعصى عليّ التخلص منها فضول عارم لا قدرة لي على كبحه رغم محاولاتي المتكررة، وقد استسلمت له هذه المرة كما هو شأني: أردت أن أعرف دوافع الوزيرين الجليلين في مبادرتيهما للتعليق على الخبر بسرعة البرق، رغم كثرة ما يملأ يومهما من مشاكل الأرض – فلقرائي الكرام نتائج ما وجدت:
المؤسسات غير الحكومية ظاهرة جديدة لم تكن معروفة ولا منتشرة كما هي عليه الحالة في هذه السنوات، وقد ورد أول ذكر رسمي لها حين منحتها هيئة الأمم حق حضور اجتماعاتها كمراقب أو مشاهد سنة 1945.
والتسمية مبهمة، وفعاليات هذه المؤسسات أشد إبهاماً، وإذا استشار أحد «الإنترنت» ليتعرف على أهم معالمها، فسيجد أن تعريف نطاق فاعلياتها مدهش: فهي مؤسسات غير تجارية ولا حكومية، يمتد نشاطها إلى كل ما تزهد المؤسسات الحكومية فيه من نشاطات، فهي إذاً، بالتعريف، مؤسسات تكمل نشاطات الحكومات. ويدلك على سعة نطاق نشاطاتها أن عددها في الولايات المتحدة وحدها يبلغ مليوناً ونصف مليون مؤسسة، فتأمل!
وقد استقر العرف اليوم على اعتبار كل مؤسسة غير إجرامية، ولا يقصد من إنشائها الربح، أو الاشتغال بالسياسة، «مؤسسة غير حكومية» (N.G.O). وعلى هذا، تدخل هذه المؤسسات الدول العربية من غير سمة ولا استئذان، وتستخدم ما تشاء ومن تشاء متى تشاء، وتجمع من المعلومات والإحصاءات عن مجتمعاتنا، وتنتقي منها ما تستطيب، وتفسرها كما يحلو لها، وتوزعها على من تهوى، من غير استشارة أحد ولا استئذان، وهي تستمد مصادر تمويلها من متبرعين مجهولين، يجودون بأموالهم لوجه الله تعالى، وحباًَ في العروبة والإسلام، ويفعلون ذلك جهرة وخفاء. فإذا تشكك في تصرفات بعض هذه المؤسسات أحد، وتبين أن هناك من تصرفاتها ما يشتبه به، وتجرأت الدولة العربية على إحالة الأمر إلى القضاء، تقاطر المراسلون الإعلاميون عليها، وعُمّمتْ أخبار المحاكمات على دول الدنيا بأسرها. فإذا صدرت الأحكام بإدانة أحد ممن مثل أمام القضاء، ضجت الأرض والسماء، تبرماً بتحامل القضاء المعني، وعلت صرخات الاستغاثة من جوره (القضاء) وتحامله، ومما ينطوي ذلك عليه من امتهان للحرية والعدل والانصاف!
استرعى نظري فيما قرأت عن هذه المؤسسات، وقواعد سلوكها، وعن أخبار المحاكمات التي جرت أمام القضاء المصري وأذيعت أخبارها أخيراً، استرعى نظري أمران: الأول أن هذا القضاء نفسه الذي تُستنكر أحكامه اليوم هو القضاء نفسه الذي أشيد به بالأمس، حين أصدر حكمه الشهير بما يخص المؤسسة البرلمانية المصرية، وبطلان بعض تشريعاتها... إلخ على ما هو معروف. لقد عجبت من هذه الأحكام المتناقضة على نظام استحسنه الغرب بالأمس ليستنكر أحكامه اليوم! أقد تحتاج ذاكرات السادة الساسة الغربيين تصليح معمَّر يداعبه الخرف مثلي ترى؟ فهأنذا أذكرهم!
أما الأمر الثاني، فهو أن هذه «المؤسسات الخيرية» (أعني بذلك «غير الحكومية») تعلن بصراحة لا يلابسها غموض أنها تستبعد النشاطات السياسية من نطاق أعمالها، ولكنها (أو بعضها بعبارة أدق) في الوقت نفسه تقر، أيضاً، أن من بين أهدافها الأساسية «إرشاد الشعوب» التي تعمل بينها، لحقوقها وممارسات أفرادها السياسية، وتعليمهم ممارستها! فكيف يكون هذا؟ كيف تعلم مؤسسات لا تمارس السياسة الناس ممارسة حقوقهم السياسية وهي تتبرأ من السياسة؟
***
أسئلتي هذه، مشفوعة بجم احترامي، مرفوعة إلى وزارة الخارجية الألمانية المحترمة، ووزارة الخارجية الأميركية الموقرة. هل من سامع؟ هل من يجيب؟
تعليقات