النظام المحافظ على نفسه لا تزعزعه الفتن.. برأي محمد الشيباني

زاوية الكتاب

كتب 748 مشاهدات 0


القبس

أسرار البيت لا تفشى..!

د. محمد بن إبراهيم الشيباني

 

الخلاف شر بأي صورة من الصور، فما بالك إذا كان على مستوى الحكومة وإدارة شؤون بلد؟

فالبلد الذي ينشر خلافات من يديره على صدور الصحف وعلى ألسنة الناس في محافلهم ودواوينهم تسقط هيبته بين شعبه وجيرانه والعالم وتضعف قوته، ويصبح نهباً للدول الطامعة فيه، ويعطيهم مبرراً لمراقبته في كل شيء، باعتبار أنه ضعيف، وضعفه قد يحدث تغييراً قد يضر بالآخرين، لأن الدول أصبحت قرية واحدة، كل مرتبطة مصالحها بالأخرى.

ماذا يعني السلطان؟ وما معنى الحكم والسيادة؟ لا شك في أن البشر على الأرض لا يضبط حالهم ويحفظ أموالهم وأعراضهم إلا مجموعة من الناس يختارون بعد ذلك واحداً منهم، ليشكل نظام الحكم ويتسيد ويحكمهم حتى لا تتفرد جماعة قوية بأخرى ضعيفة، فلولا أنه يدفع بقوم عن قوم، ويكف شرور أناس عن غيرهم بما يخلقه ويقدره الله من الأسباب، لفسدت الأرض ولأهلك القوي الضعيف فدفع هذا بهذا، فحكمه صار لمصلحة القلة الطيبة على القلة المفسدة.

فلولا دفع أعوان الحاكم ضرر المفسدين لفسدوا في البلاد وهدموا كل شيء، فالحاكم الذي اختاره الناس ليحكمهم هو الذي يدفع الشرور بوضع الشرائع التي تطوع الناس لها، شريطة أن يقوم هو قبلهم.

كما أن الحاكم لا يصلح أن تنشر أسراره بين شعبه أو يترك المجال لها بأن تتسرب دون أن يردع المتسبب في ذلك، فإن ترك أولئك الذين يسربون أسرار الدولة، فإن ذلك مقدمات لضعف النظام وانحداره يوماً بعد يوم! وهذا يؤدي إلى ضعف الطاعة أو التقدير والاهتمام عند الشعب، فتعطي كل صاحب نفوذ وسلطة مبرر العبث، كل بطريقته وبحسب ما يراه من الضعف والتردي.

ينقل عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قوله: «أمران جليلان لا يصلح أحدهما إلا بالتفرد ولا يصلح الآخر إلا بالمشاركة، وهما الملك والرأي، فكما لا يستقيم الملك بالمشاركة، لا يستقيم الرأي بالتفرد».

فالحاكم يدفع بتخويفه وتهديده ما لا يدفع بالنواهي والزواجر الدينية، وهو معنى قول عثمان بن عفان (رضي الله عنه) المنسوب إليه: «إن الله ليدع بالسلطان ما لا يدع بالقرآن».

حفظ الحاكم سلطانه يرفع ما يتوقع عليه من الفتن والافتراق المفضي إلى زعزعة النظام، والنظام المحافظ على نفسه لا يستطيع أي صاحب فتنة أن يزعزعه مهما أشعل أهل الفتنة نارهم أو تسيد الأرذال على الأفاضل، وما أجمل ما قاله أحد الشعراء في الحكم والجماعة والاعتصام:

«إن الجماعة حبل الله فاعتصموا

بعروته الوثقى لمن دانا

كم يدفع الله بالسلطان مظلمة

في ديننا رحمة منه ودنيانا

لولا الخليفة لم تأمن لنا سبل

وكان أضعفنا نهباً لأقوانا».

ينقل الرحالة الإنكليزي بيلي عن صباح بن جابر (جابر العيش) في عام 1865م وصية والده عندما بلغ مائة وعشرين من عمره قال: «يا ولدي، إنك تعلم أنني سأفارق الحياة وانني أموت فقيراً دون أن أترك لك ثروة أو نقوداً، غير أنني كوّنت في حياتي صداقات حقيقية خالصة مع أناس عديدين.. انظر إلى الدول المختلفة من حولك في منطقة الخليج تجد أنها قد تساقطت بسبب الظلم أو سوء الإدارة، ولكن إمارتي كانت دوماً تقوى وتتسع».

فالحاجة إلى حاكم يحكم الناس أمر فطري في بني البشر، ولكن ليس أي حاكم يستطيع حكم الناس ما لم تتوافر فيه عدة الملك والحكم، ومنها المحافظة على الأسرار وضبط الناس وتطويعهم لما ينفعهم، وحفظ أموالهم وأعراضهم. والله المستعان.

***

• مقالة قديمة.

كتبتها في 2002/12/22 تتواكب مع الأحداث الحالية.

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك