'ك- داو' تتحوّل من صفقة إلى صفعة
زاوية الكتابعبدالهادي: إن كان رئيس الوزراء افتدى نفسه من صعود منصة الإستجواب فعليه تحمل تكلفة القرار من ماله الخاص
كتب مايو 29, 2013, 1:22 ص 3495 مشاهدات 0
خص المحامي عادل عبدالهادي برأية في قضية الداو ، معتبرا أن تكلفة عدم صعود المنصّة تبلغ 2.5 مليار دولار أمريكي قد حوّلت الصفقة إلى صفعة، مطالبا رئيس الوزراء إن كان قد افتدى نفسه من صعود منصة الإستجواب فعليه تحمل تكلفة هذا القرار من ماله الخاص، وفيما نص المقال:-
لم يعد إسم 'ك-داو' غريباً على متابعي الأخبار المحلية، فقد حقّقت هذه الصفقة في السنوات الأخيرة زلزلة لدى الرأي العام الكويتي ووضعت علامة إستفهام حول قدرة وزراء ونواب الأمة على حسن إدارة مصالح الدولة والحفاظ عليها كما وتخطّت حدود البلاد لينتشر وقعها إلى الخارج. لقد نالت صفقة 'ك-داو' المتأجّجة حيّزاً كبيراً من الإهتمام الشعبي والنيابي والحكومي، ولا تزال تشهد الكثير من التعليقات والتحليلات والدراسات منها الجيد والمسبَّب ومنها مجرد كلام مرسل يهدف إلى الإنتقاد وحسب دون أي مضمون أو مغزى، ولكن في هذه المرحلة وإن كان ما حدث قد حدث ولا يمكن العودة بالتاريخ إلى الوراء ولكن يجب ألا تمرّ تداعيات هذه الصفقة مرور الكرام، فلا بدّ من أن تُكشَف كل الأمور المرتبطة بها بدقة متناهية إنطلاقاً من مبدأ الشفافية الملزم ولا بدّ من محاسبة كل من كان له يد سوداء فيها لأن من أمن العقاب أساء الأدب.
في بداية الأمر، جرى تصوير «ك - داو» للعامة وكأنها الذراع الاستثمارية العالمية لشركة صناعة الكيماويات البترولية، وقد كان التفاؤل يسود طاقم الشركة المذكورة الذي كان قائماً على عقد ومتابعة تلك الصفقة. وقد تمّ التأكيد في مناسبات عدة، كما هو ثابت في الإعلام، أن التوصّل إلى قرار الدخول في الصفقة لم يأت عبثاً بل بعد القيام بكافة أعمال المعاينة التفصيلية ومراجعة الوثائق والمستندات المتعلقة بنشاط المشاركة حيث تمّ الإستعانة بأفضل البيوت الاستشارية في مجالات الاستثمار والتمويل، المحاسبة والضرائب، والقانون، والأمور الفنية والبيئية، وتم تكريس فريق عمل متكامل من الكوادر الوطنية والأجنبية ذات الكفاءة والخبرة في المشاريع والمشاركات، ووجد هذا الفريق المتكامل أن صفقة 'ك – داو' فرصة مؤاتية لتوسّع نشاط الدولة في عالم صناعة البتروكيماويات خارج الكويت الذي كان هدفاً من أهداف القطاع النفطي العام في الكويت.
إلا أن ما آلت إليه هذه الصفقة التي أُلغيت قبل أن ترى النور مرتّبة على الدولة الكويتية خسارة مؤلمة، يطرح تساؤلات عدة عن مدى صحة كفاءة وخبرة من عملوا في هذه الصفقة، عن مدى كفاءة وخبرة المسؤولين على التفاوض وعقد هكذا صفقات ضخمة بإسم الدولة وقدرتهم على الحفاظ على مصلحة الدولة، كما ويطرح تساؤلات عن مدى التعامل بشفافية في هذه القضية سواء بين المسؤولين من جهة أو تجاه الشعب من جهة أخرى.
إثر متابعة التخبّط الذي حدث بشأن صفقة 'ك-داو'، لم يعد لدينا شك بأن طريقة التعاطي مع هذه الصفقة بين الجهات الرسمية قد تمّت بأسلوب خاطئ إلى درجة أظهرت الهوة الكبيرة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، فبرز غياب مبدأ التعاون بينهما و سطعت 'ظاهرة الإستقواء' الهادفة فقط إلى فرض رأي على آخر دون أي مسبّبات فعلية، مدروسة ومعمّقة ودون النظر الى الصورة الأكبر الا وهي المصلحة العليا للكويت.
تساؤلات كثيرة طُرِحَت وما زالت تُطرَح ولكن لنتمكن من الإضاءة بصورة شاملة على صفعة ال'ك-داو' وما نتج عنها من تبعات على الكويت لا بدّ من العودة إلى موضوع هذه الصفقة والغاية الأساسية من انعقادها.
بداية الصفقة
ال'ك-داو' هي إتفاقية شراكة بين شركة صناعة الكيماويات البترولية - الكويت وشركة داو كيميكال - الأمريكية تهدف إلى إنشاء شركة بإسم 'ك – داو' يبلغ رأسمالها 17،5 مليار دولار امريكي بغية إدارة وتشغيل مجموعة أصول ومصانع ومراكز أبحاث تُعنى في مجال التكنولوجيا وتصنيع البتروكيماويات تمتلكها داو كيمكال في أماكن متفرقة جغرافياً في كل من الولايات المتحدة الأميركية وكندا والأرجنتين وتشيلي واسبانيا وهولندا وألمانيا وبلجيكا. وقد تمّ الإتفاق بين الشركتين على أن نسبة مشاركة كل منهما 50%، أما مساهمة كل منهما في رأسمال الشركة فقد كانت على شكل التالي: مساهمة عينية لشركة داو كيميكال حيث تم اعتبار الأصول والمصانع التي سيتمّ تشغيلها في ال 'ك-داو' مساوية قيمتها ل50% من رأسمال الشراكة، ومساهمة نقدية لشركة صناعة الكيماويات البترولية بقيمة 50% من رأسمال الشراكة وتم الإتفاق على أن يتم دفع الجزء الأكبر من هذه المساهمة في بداية الإتفاقية وتحديداً في 2 يناير 2009.
لقد تم التوقيع على هذه الإتفاقية في 28 نوفمبر 2008، مع الإشارة بأنه سبق التوقيع عليها التوقيع على مذكرة تفاهم في العام 2007 تضع الخطوط الجوهرية لإتفاق الطرفين، إلا أنه وبتاريخ 28 ديسمبر وإثر مطالبات ملحّة وضغوط أحدثتها أقطاب المعارضة في مجلس الأمة في ذلك الوقت بحجة الأزمة الإقتصادية التي كانت تجتاح العالم آنذاك واعتقاد هذه الأقطاب أن قيمة مساهمة الكويت في ال ' ك – داو' ضخمة في ظل تلك الأوقات الداكنة، تم إلغاء هذه الإتفاقية من الجانب الكويتي مما دفع الجانب الأمريكي في يناير 2009 اللجوء إلى التحكيم المتفق عليه بين الطرفين كوسيلة لحل أي نزاع ينشأ بينهما بشأن الإتفاقية. أدّت الإجراءات التحكيمية إلى صدور القرار التحكيمي الأول في مايو 2012 قضى بإلزام الجانب الكويتي بمبلغ 2,16 مليار دولار أمريكي تعويض لشركة داو كيميكال نتيجة إلغاء الإتفاقية بمخالفة البنود المتفق عليها، ومن ثم صدور قرار تحكيمي آخر في 4 مارس 2013 قضى بإلزام الجانب الكويتي بمبلغ 318 مليون دولارا كويتياً فوائد ونفقات مما جعل مجموع التعويض المحكوم به لشركة داو كيميكال 2,48 مليون دولاراً أمريكياً. وبتاريخ 7 مايو 2013 أعلنت شركة صناعة الكيماويات البترولية بأنها قامت بتسوية الملف مع شركة داو كيميكال ودفعت لها مبلغ 2,2 مليون دولاراً أمريكياً نقداً في سبيل التعويض عن إلغاء الإتفاقية.
تعليقنا على بعض البنود الرئيسية التي وردت في اتفاقية المشاركة
بعد هذه النظرة المختصرة لموضوع ومضمون شراكة 'ك-داو' ومسار النزاع فيها، سنضيئ ههنا على بنود الإتفاقية التي شكّلت معضلة وتم تداولها وبحثها مراراً.
أولاً- تضمّنت إتفاقية الشراكة المذكورة بنداً يشير إلى أن تاريخ الإقفال هو 2 يناير 2009 (من حيث المبدأ) إن لم يتّفق الأطراف على تاريخ آخر.
غالباً ما يتمّ إدراج بنود شبيهة في صفقات بضخامة 'ك – داو' بحيث يكون الأطراف قد اّتفقوا على كافة ما يتعلّق بأمور الشراكة بينهما إلا أن بدء العمل بموضوع الشراكة يتطّلب الإعداد لعدد من المستندات واتّباع عدد من الخطوات القانونية، فيتمّ إدراج بند الإقفال بهدف وضع إطار زمني لكل من أطراف الإتفاقية من أجل القيام بالخطوات المطلوبة. وهذا هو الحال في إتفاقية ' ك- داو' حيث تم تحديد الخطوات الواجب إتمامها (والتي تمّ تفصيلها في الإتفاقية وملحقاتها) على أن يتمّ إستكمال هذه الخطوات في 2 يناير 2009 (تاريخ الإغلاق) والإنطلاق في تشغيل ال 'ك – داو'.
وبالعودة إلى نص بند الإقفال المذكور تقتضي الإشارة بأنه تضمّن ما يجيز إتفاق الطرفين على تاريخ آخر - وذلك في حال وجد الطرفان أنهما بحاجة أكبر لاستكمال الخطوات- كما وأن بنود الإتفاقية الأخرى تضمّنت ما يفيد أن إلغاءها قبل تاريخ 2 يناير 2009 غير جائز إلا في حالات محدّدة حصراً وردت في بند الإنهاء (بند 10)، بالتالي في ذلك دلالة على أن إتفاقية 'ك-داو' كانت ملزمة لطرفيها منذ تاريخ التوقيع عليها في 28 نوفمبر 2008 وإلغاءها قبل تاريخ الإقفال لغير الأسباب المحددة حصراً فيها يرتّب على الجانب الكويتي مسؤولية سداد الغرامة.
ثانياً- تضمّنت إتفاقية 'ك- داو' في البند العاشر منها الحالات المحدّدة حصراً التي تجيز للطرفين مجتمعين أو لأحد منهما منفرداً إلغاء الإتفاقية قبل تاريخ الإقفال، وإن قرار الإلغاء للسبب الذي ورد من الجانب الكويتي لا يشكّل أياً من الحالات المحددة حصراً في ذاك البند، فالأزمة الإقتصادية ليست سبباً يجيز إلغاء الصفقة سيما وأن الأزمة الإقتصادية لم تستجدّ على الساحة العالمية بعد توقيع إتفاقية 'ك- داو' بل كانت متحقّقة منذ العام 2007 وأثناء قيام الطرفين بدراسات الجدوى وما سواها من الدراسات الموجبة السابقة للإتفاق وحتى عند توقيعهما مذكرة التفاهم.
إضافة إلى ذلك لقد ورد في الإتفاقية أنه حتى في الحالات المحددة حصراً التي تجيز الإلغاء دون مسؤولية على الطرفين، تتحقّق مسؤولية الطرف المنهي للإتفاقية إذا ما برزت إحدى حالات الإعفاء نتيجة إهماله بالقيام في موجباته.
الأمر الذي يشير إلى أنه تمّ صياغة بند إلغاء الإتفاقية بشكل ضيّق فلم يكن إلغاؤها بالتالي بالسهولة التي تخيّلها أعضاء مجلس الأمة وكان من الأوجب تحرّي الدقة والشفافية في التعامل مع هذه الصفقة وإيضاح كافة الأمور المرتبطة بها بين كل من يؤيد الصفقة وكل من يسعى إلى إلغائها وكذلك إيضاحها إلى الشعب الكويتي كونه الطرف الأكثر تأثراً بتبعات الصفقة وعواقبها.
وأكثر من ذلك فقد تضمّن البند العاشر المذكور بأن إلغاء الإتفاقية قبل تاريخ الإقفال بمخالفة الحالات المحددة حصراً المتفق عليها بين الطرفين يعرّض الطرف المخطئ لدفع غرامة يبلغ سقفها الأعلى (2,500,000,000) دولار أمريكي.
وهنا يستقطب انتباهنا ضخامة قيمة التعويض التي قبِلَها الجانب الكويتي في حال إلغاء الإتفاقية قبل تاريخ الإقفال، فهو مما لا شك فيه مبلغ مبالغ به إلا أنه دلالة أيضاً على أن الطرفين كانا ينويان إلزام نفسيهما بهذه الإتفاقية وإلا لما اختارا الإلتزام بهكذا غرامة ضخمة في حال الإلغاء قبل الإقفال.
واللافت في البند ذاته أمران:
أن قيمة التعويض التي قررتها الهيئة التحكيمية في النزاع الذي دار بين الشركتين بلغت الحدّ الأقصى للغرامة المتّفق عليها بين الطرفين في الإتفاقية، مما يدفعنا إلى التساؤل عن مدى فعالية دور الممثلين القانونيين للجانب الكويتي في دفاعهم أثناء النزاع التحكيمي؟! حيث لم يتمكّن الفريق القانوني الممثل لدولة الكويت بأن يستحصل حتى على تخفيض مبلغ الغرامة لا بل تم الحكم بأعلى سقف لها.
إن بند الإلغاء لم يتضمّن النص على حالات إمكانية الإلغاء بعد تاريخ الإقفال، على العكس تماماً ورد في نصّ البند 10.5 من الإتفاقية صراحة بأنه لا إمكانية لإلغاء الإتفاقية سوى في الحالات المحددة حصراً في البنود السابقة التي هي متعلّقة بالإلغاء قبل تاريخ الإقفال. ألم يرد الجانب الكويتي التحسّب في حال بروز أي نزاع بعد مباشرة العمل بالإتفاقية؟؟!! أم كانت هناك نية باطنية بألا تتجاوز هذه الإتفاقية مرحلة تاريخ الإقفال؟!
ثالثاً- نصل إلى بندَي القانون الواجب التطبيق وتسوية النزاعات (16.1 و 16.2)، وقد ورد فيهما أن تتمّ تسوية النزاعات بواسطة التحكيم ويكون القرار التحكيمي الصادر نهائياً وفقاً لما تم الإتـفاق عليه بين الطرفين في عقد تحكيمي مستقل وأن تخضع الإتفاقية وأي نزاع ناشئ عنها إلى القانون البريطاني.
وتبعاً للعقد التحكيمي المستقل فقد تمّ الإتفاق بين الطرفين على أن يجري التحكيم في مركز غرفة التجارة الدولية (مقرها الرئيسي في فرنسا) طبقاً للإجراءات المتبعة لدى هذا المركز التحكيمي.
ونتطرّق هنا إلى موضوع مدى إمكانية الطعن في القرار التحكيمي الدولي الصادر في قضية 'ك-داو'. لقد رضي الجانب الكويتي بالخضوع للتحكيم الدولي في إتفاقية 'ك- داو' في حين أن القواعد المتبّعة دولياً في مجال التحكيم الدولي وتحديداً في هذا المركز التحكيمي المختار هي الأكثر تشدداً بالذات في ما يتعلّق بإمكانية الطعن على القرارات التحكيمية القرارات الصادرة. فبالعودة إلى أحكام القانون الدولي بشأن التحكيم نلحظ أنها تنصّ على الطبيعة النهائية للقرار التحكيمي الدولي منذ صدوره وعدم إمكانية الطعن فيه إلا عن طريق (الإبطال/ الإلغاء) وفي حالات محددة حصراً يمكن إختصارها في سببين: الغش الإجرائي و ظهور وقائع جديدة لم تكن معلومة لدى صدور القرار التحكيمي.
هذا من حيث المبدأ العام، إضافة إلى ذلك فقد لجأ طرفا إتفاقية 'ك- داو' إلى التحكيم وفقاً لنظام مركز غرفة التجارة الدولية، فلا بدّ بالتالي من الإرتكاز على القواعد المتّبعة في هذا المركز الذي ينصّ في أحد أحكامه:
'يكون كل حكم تحكيم ملزما للأطراف. ويتعهد الأطراف لدى إحالتهم النزاع إلى التحكيم بموجب هذه القواعد بتنفيذ أي حكم تحكيم دون تأخير، وُيعتبرون قد تنازلوا عن أي طريق للطعن وذلك في الحدود التي يجوز أن يكون فيها هذا التنازل صحيحا' .
كما لم يقرّ الجانب الكويتي بقبول اختيار المركز التحكيمي الذي تكون أحكامه غير قابلة للطعن إلا في أضيق حدود وحسب، بل تمت صياغة البند 16.2 من الإتفاقية بشكل أقرّ فيه الجانب الكويتي بقبوله الصريح بأن يكون القرار التحكيمي نهائياً.
إلا أنه وكما ذكرنا سابقاً وتبعاً للقواعد الدولية المرتبطة بالتحكيم الدولي، يبقى بالإمكان اللجوء إلى حالات محددة حصراً للطعن بالقرارات التحكيمية الدولية. لست محيطاً بتفاصيل الأسس القانونية التي لجأ من خلالها الممثلون القانونيون للجانب الكويتي للطعن بالقرار التحكيمي، إلا أنّه ومن منطلق مهني كان لا بدّ من اليقين بأن الطعن على صحة القرار التحكيمي لا جدوى منها ما لم يستند إلى أحد السببين الذين ذكرناهما أعلاه وهما إما الغش الإجرائي أو ظهور وقائع جديدة لم تكن معلومة لدى صدور القرار التحكيمي، ومن الجلي أن أياً السببين لم يكن متحققاً.
فيبدو لنا أن الفريق القانوني الممثل لدولة الكويت إما قد تخبط في أداء مهامه أو كان خاضعاً لمظلة قيود ونفوذ معينة في أسلوب تبنيه لاستراتيجية الدفاع.
الشبهات التي أحاطت بصفقة 'ك-داو'
ما يهمنا في هذا الطرح أيضاً هو تسليط الضوء على بعض النقاط التي تثير الشبهات والتي باعتقادي كان من الواجب التنبّه لها قبل إعطاء الموافقة النهائية على هذه الصفقة من المجلس الأعلى للبترول برئاسة رئيس مجلس الوزراء.
هل هو تخبط في قرارت مجلس الوزراء أم نية أخرى خفيت عنا أدّت إلى الإلغاء خلال 30 يوماً فقط من تاريخ الموافقة؟!!
في نوفمبر 2008 وقبل تاريخ التوقيع على اتفاقية 'ك-داو' في 28 نوفمبر 2008، قامت الجهة المعنية بهذه الصفقة بعرضها للمرة الأخيرة على المجلس الأعلى للبترول لأخذ الموافقة النهائية عليها قبل التوقيع، وقد أعطى المجلس المذكور برئاسة رئيس مجلس الوزراء الموافقة على المتابعة بالصفقة وتوقيع الإتفاقية معتبراً إياها فرصة إستثمارية لا تعوّض وتتماشى مع سياسة التوسّع في القطاع النفطي الكويتي التي يضعها ويشرف عليها المجلس المذكور، مؤكّداً ان هذه الصفقة هي خيار استراتيجي حتى في ظل وجود الأزمة الإقتصادية. ثم وبتاريخ 28 ديسمبر 2008 أي بعد 30 يوماً على الموافقة التي مُنِحَت دون تردّد لشركة صناعة البتروكيماويات الكويتية ، أصدر مجلس الوزراء برئاسة رئيس مجلس الوزراء قراراً في اجتماع إستثنائي بإلغاء إتفاقية 'ك-داو'، وإثر هذا القرار تم الإلغاء.
فيصح التساؤل هنا: ما هو الجديد الذي طرأ خلال 30 يوماً من تاريخ الموافقة حتى يقرّر مجلس الوزراء ورئيسه إلغاء الإتفاقية؟
إن ما ورد في قرار الإلغاء من مجلس الوزراء هو الآتي: 'يؤكد مجلس الوزراء ثقته الكاملة بنزاهة وكفاءة الاخوة اعضاء المجلس الأعلى للبترول وهم دائماً موضع ثقة وتقدير مجلس الوزراء، وكذلك ابنائنا العاملين في القطاع النفطي الذين شاركوا في اعداد الدراسات الخاصة بمشروع المشاركة مع شركة داو كيميكال في مجال الاوليفينات وتأسيس شركة داو، والذي تمت مراحله وفقاً للاجراءات القانونية الصحيحة، وانهم فوق مستوى الشبهات مسجلاً الشكر والتقدير لهم على اجتهادهم الطيب، مؤكداً مقاصده الايجابية، كما اكد مجلس الوزراء اهمية هذا المشروع وجدواه في ظل الظروف الطبيعية المعتادة'.
فما هي هذه الظروف غير الطبيعية وغير المعتادة التي دفعت بمجلس الوزراء ورئيسه إلى إلغاء الإتفاقية؟ لا يمكن التحجّج بالأزمة الإقتصادية لأن الأزمة كانت موجودة بتاريخ سابق لإعطاء الموافقة على التوقيع وقد تمّ أخذ هذه الأزمة الإقتصادية بعين الإعتبار أثناء إعداد دراسات الصفقة؛ كما لا يمكن التحجّج بإصرار أعضاء المعارضة في المجلس النيابي على إلغاء هذه الصفقة لأن فورتهم كانت مبنية على رفضهم توقيع هكذا صفقة في ظل الأوضاع الراهنة، فكان بإمكان مجلس الوزراء التمسّك بصحة وفائدة الصفقة (بما أنهم مطّلعين عليها بشكل دقيق ومقتنعين بجدواها) والتصدي لدفع نواب المعارضة بأن الأزمة سابقة وقد تمّ أحذها بعين الإعتبار.
فيبقى بالتالي سبب قرار بالإلغاء بعد مدة 30 يوماً من الموافقة مجهولاً بالنسبة لنا وللشعب الكويتي، ويكون لنا بالتالي كل الحق الظن بوجود شبهة تحيط في الصفقة والتشكيك في نوايا إصدار هذا القرار سيما وأنه ليس قراراً عادياً يؤخذ على صعيد مجموعة صغيرة من المواطنين بل إنه قرار على صعيد الوطن ويتأثّر بتبعاته الإيجابية أو السلبية الوطن ككل فالشفافية واجبة إذاً، وتكون هذه هي الشبهة الأولى.
اصول شركة داو كيميكال 15 مليار و قيمة الصفقة 17.5 مليار بفارق 2.5 مليار !!! وهل هو محض الصدفة ان تكون الغرامة 2.5 مساوية للفارق؟!!
بالإطلاع على بيانات شركة داو كيميكال المالية لعام 2008 يتبيّن لنا أن قيمة إجمالي أصول الشركة المذكورة في أواخر عام 2008 بلغت 46 مليار دولارً أمريكياً. ومن الثابت أن 3/1 نشاط شركة داو كيميكال هو البتروكيماويات، مما يعني أن كافة أصول الشركة المرتبطة بقطاع البروكيماويات في ذلك الوقت تبلغ قيمتها 15 مليار دولاراً أمريكياً في حين أن قيمة صفقة 'ك-داو' تبلغ 17,5 مليار دولاراً أمريكياً. مما يشير إلى أن سعر صفقة 'ك-داو' مبالغاً به بحيث كان بإمكان الكويت شراء جميع أصول داو كيميكال الخاصة بنشاط البتروكيماويات بأقل من سعر الصفقة. وهذا ما يشكّل شبهة ثانية أحاطت بتلك الصفقة، فهل كان هناك قصور او إستخفاف او إهمال من الجانب الكويتي في الإطلاع على حقيقة الوضع المالي لشركة داو كيميكال؟! أم أنه كان مطّلعاً عليه وقَبِل بقيمة الصفقة المطروحة لأسباب غير معلومة لدينا دون أن يهتمّ بتأمين المصلحة المادية للكويت؟!
نلاحظ كذلك أن الفارق بين قيمة كافة أصول شركة 'ك-داو' في قطاع البتروكيماويات لعام 2008 (15 مليار دولاراً أمريكياً) وقيمة صفقة 'ك-داو' المتفق عليها (17،5 مليار دولاراً أمريكياً) هو تماماً مبلغ الغرامة المنصوص عليها في الإتفاقية أي 2،5 مليار دولاراً أمريكياً. فهل هذا من محض الصدفة و مساوئ القدر؟! أم أن الشبهة تحيط كذلك بهذا الرقم؟!!
حقيقة لا شبهة !!
إن ما آلت إليه قضية 'ك-داو' يبيّن للمواطن الكويتي أن الحكومة الكويتية ليست ضليعة في مجال الإستثمار ولا تعرف كيفية تقدير قيمة إستثمارات الدولة واتخاذ القرارات التي تصبّ فعلاً في صالح ازدهار وتنمية القطاع الإستثماري في الكويت، فهي بالتالي غير حريصة على أموال الشعب. لقد أنعم علينا الخالق بثروة ليس لنا يد فيها، فلنستخدمها أقلّه من أجل التطوّر والإزدهار عوض التهافت على إيجاد سبل لتبديدها. فتخبّط الحكومة في سياستها الإستثمارية لم يؤثّر فقط على القطاع العام بل وعلى القطاع الإستثماري الخاص أيضاً الذي يعاني من ركود رهيب. أن كانت النقاط الثلاثة السابقة تشكّل شبهات فهذه النقطة الرابعة مع الأسف حقيقية لا شبهة.
في نهاية المطاف ألغيت الصفقة وبقيت الصفعة
من كل ما تقدّم يمكن الإستنتاج أنه تمّ التساهل في التعاطي مع صفقة ال 'ك-داو' وفي صياغة الإتفاقية الخاصة بها كما لو أنها صفقة بسيطة، فيبدو أن الجانب الكويتي الذي مثل في صفقة 'ك- داو' تناسى بأنه يمثّل دولة الكويت، حكومة وشعباً. الأمر الذي يدلّ أنه ليس هناك حرص على المال العام من قبل الحكومة والمسؤولين فيها وإلا فلما كان تمّ القبول بغرامة مبالغ بها، ولما كان تم القبول بالتحكيم الدولي. وأضيف الآتي: إن كان هناك 4 شراكات حالية مستمرة بين شركة صناعة البتروكيماويات وشركة الداو كيميكال فهذا لا يعني وجوب التساهل حيث لا يجب، فليتساهلوا عندما يرتبط الأمر بمصالحهم الشخصية أو بأموالهم الخاصة وليس من مال الغير.
المضحك هو أن المسؤولية وُجِدَت إلا أنه ما من مسؤول. لم يعترف أحد حتى تاريخه بمسؤوليته عن إتفاقية 'ك-داو' وإلغاء الصفقة. كل من أعضاء مجلس الأمة ومن أعضاء الحكومة يحاولون رمي الكرة في ملعب الآخر والحقيقة هي أن الطرفين مسؤولان. فعندما ثارت ثورة أقطاب المعارضة في عام 2008 مطالبين بإلغاء الإتفاقية، ألم يطّلع أحد منهم على بنودها أو على الأقل على إلتزامات الجانب الكويتي في حال تم الإلغاء؟؟ كيف لمشرّعي الأمة أن يباشروا تحرّكاً ضد الحكومة مطالبين إياها باتخاذ إجراء قانوني دون أن يكون لديهم خلفية دقيقة على عواقب هذا الإجراء؟!! وأمام ثورة المعارضة على الحكومة، كيف لا تتمسك الحكومة بصحة قرارها في المضي بالصفقة، ألم يسبق لها أن ادّعت بأنها قامت بكافة الدراسات الواجبة قبل التعاقد؟! ألم تستطع الحكومة إرسال كتاب للنواب شارحة لهم حقيقة تبعات الإلغاء بالطريقة المقترحة من النواب؟؟
من وجهة نظرنا، وإذا ما كان قرار الدخول في صفقة 'ك-داو' قراراً إقتصادياً، فقرار الإلغاء كان قراراً سياسياً بحتاً لم يستند إلى دراسة قانونية شاملة ورؤيوية، مما يتوجّب معه أن تكون كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية مدعومتين من جهاز أو لجنة قانونية دائمة تجنّبهما الوقوع في الهفوات وتحميهما من القرارات اللا مسؤولة.
وقد يصحّ التساؤل في خضمّ الفوضى التي أحاطت صفقة 'ك-داو': لربما كان الهدف من هذه الصفقة مساعدة شركة داو كيميكال-الأمريكية التي كانت متأثرة بشكل كبير من الأزمة الإقتصادية؟! ففي هذه الحال كان من الأفضل لو قدّموا لها مساعدة خيرية من أن يقدموا على صفقة تجارية دولية فاشلة تخسّرنا داخلياً وتشهر بنا خارجياً.
من كافة المعطيات المذكورة أعلاه نلتمس أن سبب إلغاء إتفاقية 'ك-داو' غير معلن عنه بشفافية إلا أن مردّ هذا السبب مهما كان هو، برأيي الشخصي، عدم رغبة رئيس مجلس الوزراء في صعود المنصة، فكانت بالتالي تكلفة عدم صعوده المنصّة 2،5 مليار دولاراً أمريكياً. وهنا نقول: إذا كان رفض رئيس مجلس الوزراء صعود منصّة الإستجواب كان تجنّباً لحرج مهني و شخصي له، فكان عليه بالتالي ان يتحمّل تكلفة هذا القرار من ماله الخاص. أما إذا كان الهدف من رفض الصعود إلى المنصة تغطية شبهات أخرى حملتها تلك الصفقة، فيكون بالتالي قد أخفي ما هو أعظم.
وفي نهاية المطاف، أُلغِيَت الصفقة وبقيت الصفعة ومن تلقّاها هو الشعب الكويتي لأن الغرامة دفعت من أموال الشعب.
تعليقات