شركة داو كميكال واستثماراتها في دول الخليج بقلم أ.د. سليمان الخطاف

الاقتصاد الآن

1462 مشاهدات 0



أعلنت أخيرا شركة صناعة الكيماويات البترولية التابعة لمؤسسة البترول الكويتية، توصلها لتسوية نهائية مع شركة داو كيميكال الأمريكية، تدفع بموجبها الشركة الكويتية غرامة قدرها 2,2 مليار دولار، وذلك نتيجة انسحابها من مشروع بتروكيماوي مشترك (كي داو) في 2008، واستنفاد جميع إجراءات التحكيم. وجاء هذا الاتفاق نتيجة لعملية تحكيم دولية تولتها غرفة التجارة الدولية في لندن استمرت أكثر من عام، وأعلنت الشركة الأمريكية أنها حصلت على التعويضات كاملة نحو 30 في المائة من قيمة العقد الأصلي بالمجان ومقابل لا شيء. وترجع هذه القضية إلى اتفاق كان قد أبرم في عام 2007 بين ''داو كيميكال'' والشركة الكويتية تدفع بموجبه الشركة الكويتية مبلغ 7.5 مليار دولار لمشاركة ''داو كيميكال'' في إنتاج البولي أوليفينات. وكان في الاتفاقية شرط جزائي ينص على أن من ينسحب بعد التوقيع فعليه أن يدفع نحو 2.2 مليار دولار للطرف الآخر. وهنا بيت القصيد.

وفي كانون الأول (ديسمبر) 2008، تخلت الحكومة الكويتية تحت ضغط المعارضة البرلمانية التي تذرعت بالأزمة المالية عن هذا المشروع المشترك الذي تبلغ قيمته الإجمالية 17,4 مليار دولار. وكان من المفترض أن تستخدم ''داو'' أرباح الصفقة المقدرة بنحو تسعة مليارات دولار لتمويل صفقة استحواذها على شركة روم آند هاس في 2009، واضطرت على أثرها إلى أن تخفض توزيعات الأرباح بنحو 64 في المائة في شباط (فبراير) 2009، وهو أول تخفيض تقوم به الشركة منذ إنشائها. الجدير بالذكر أن شركة التصنيع الوطنية كانت قد دخلت في شراكة مع روم آند هاس قبل أن تستحوذ عليها ''داو كيميكال'' وكان المشروع لتصنيع حامض الأكريلك الذي يستخدم فى صناعة الأصباغ.

وكانت ''داو'' قبل ذلك وفي عام 1995 قد شاركت (من خلال شركة يونيون كاربيد التي كانت تملك نصفها) شركة البترول الكويتية في إنشاء شركة إيكويت للبتروكيماويات لإنتاج البولي إيثيلين وجلايكول الإيثيلين، ولاحقاً العطريات. وفي عام 2003 أبدت ''داو'' موافقتها الأولية للدخول في شراكة مع ''أرامكو السعودية'' في مشروع بترورابغ، لكنها انسحبت لتحل محلها شركة سوميتومو اليابانية. وفي عام 2004 تم الإعلان عن مشروع مشترك مناصفة بين شركة عُمان للبترول وشركة داو كيميكال لإنتاج البولي إيثيلين في منطقة صحار الصناعية بالقرب من مصفاة صحار للبترول. وفي المملكة شاركت ''داو'' القطاع الخاص في مصنع لاتكس للستايرين بيوتاداين في جدة.

وأخيراً وقعت كل من شركتي داو كيميكال وأرامكو السعودية عقد تأسيس شركة صدارة للكيميائيات تملك بموجبه ''أرامكو'' 65 في المائة، وشركة داو 35 في المائة، وستطرح ''أرامكو'' لاحقاً 30 في المائة في سوق الأسهم السعودية عند التشغيل. وستعمل ''صدارة'' على تشغيل مجمع الجبيل للبتروكيماويات، باستثمار يبلغ 20 مليار دولار. ومن المنتظر أن يبدأ تشغيل أولى وحدات المشروع منتصف عام 2015 تليها جميع الوحدات العام التالي. وتترقب ''صدارة'' أن تحقق إيرادات سنوية تبلغ نحو عشرة مليارات دولار خلال بضع سنوات من تشغيلها.

وفي موضوع الانسحابات تجدر الإشارة إلى أن لشركة داو كيميكال في منطقة الخليج تاريخا حافلا ببعض الانسحابات حتى بعد التوقيع، ففي يوم 16/7/1401هـ تم توقيع الاتفاقية النهائية بين شركتي سابك وداو كيميكال لإنشاء الشركة العربية للبتروكيماويات مناصفة بينهما، وكان من المفترض أن تتولى الشركة الجديدة بناء مجمع ضخم للبتروكيماويات في مدينة الجبيل الصناعية. وهذا هو مشروع ''بتروكيميا'' وكان من المفترض أن تستفيد ''سابك'' من تقنيات ''داو'' في إنتاج البولى إثيلين. ونفّذ المشروع من قبل ''سابك'' من دون شريك أجنبي، لكن لم تنتج ''بتروكيميا'' البولي إثيلين واكتفت بإنتاج الإيثيلين والإيثيلين جلايكول، أي أن المشروع برمته قد تغير بسبب انسحاب ''داو''، وهذا يعني أن هناك ضرراً قد وقع ولا بد من دفع تعويض. وأيضاً انسحبت ''كونوكوفيليبس'' من مشروعها المشترك مع ''أرامكو'' لإقامة مصفاة في ينبع وأيضا من مشروعها المشترك مع أدنوك – أبو ظبي لتطوير بعض حقول الغاز المشبعة بالكبريت. ومع كل هذه الانسحابات لم تدفع الشركات الأجنبية أي هللة لقاء هذا التراجع رغم وقوع الكثير من الضرر على الشركات الخليجية. وتحرص الشركات الأجنبية في عقودها على وضع الشروط الجزائية بالطريقة التي ترضيها، وهذا ما حصل بين ''إكسون'' و''سابك'' في الفترة من 2000 إلى 2005 في القضية التي أثارتها شركة إكسون رداً على القضية المرفوعة عليها من قبل ''سابك'' بخصوص الترخيص لطريقة تصنيع البولي إيثيلين. وطبقا لهذا القرار تعين على ''سابك'' دفع مبلغ 1.5 مليار ريال (419 مليون دولار) لشركة إكسون موبيل نتيجة هذا النزاع التجاري المتعلق بتفسير بنود العقد، وكانت ''سابك'' قد خسرت حكما للاستئناف من المحكمة العليا في ولاية ديلاوير الأمريكية.

ولا شك أن الشركات البتروكيماوية العالمية الكبرى أسهمت في تطوير الصناعات البتروكيماوية المحلية في دول الخليج العربي، لكنها في الوقت نفسه استفادت الكثير من دعم دول المنطقة لإنشاء هذه الصناعات، وكان هذا الدعم متمثلاً في القروض الميسرة واللقيم وغيره. وقبل 30 عاماً كانت دول المنطقة في حاجة إلى هذه الشركات للاستفادة من خبراتها الإدارية والتقنية والتسويقية، لكن بعد هذه السنين من حقنا التساؤل: هل ما زلنا في حاجة إلى مثل هذه الشركات في الصناعات التقليدية المعروفة بعد كل المكتسبات والخبرات التي حققتها الشركات البتروكيماوية الخليجية؟ وفي الختام علينا أن ندرك أن كتابة العقود وتفصيلها وتركيب الخفايا مع ما يتوافق والقوانين تعتبر فناً والتعامل معها والالتزام بها احترافية واقتناص الفرص سلوكا بشريا.

الآن: الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك