«بلومبيرج» تبتلع كبرياءها وتعتذر عن سلوكها الأحمق بقلم جون جابر
الاقتصاد الآنمايو 19, 2013, 1:57 م 926 مشاهدات 0
في العقود الثلاثة التي مضت منذ أن أطلق مايكل ''بلومبيرج'' الشاشات الإلكترونية الطرفية لتزويد المعلومات والتحليلات المالية، وصفت شركته بأشياء كثيرة، مثل الطموحة، والتنافسية، والذكية، والمخيفة، التي لا ترحم، والتسلطية. لكن حتى الآن لم تكن تُعرَف بأنها غبية.
مع ذلك ''بلومبيرج''، الشركة التي وضعها مؤسسها تحت إدارة جديدة ليصبح عمدة لنيويورك، قامت بأمر أحمق. فقد عرَّضت للخطر امتيازاً يعتمد على ثقة الشركات والمصارف والمؤسسات الرسمية – وتتقاضى رسوماً منها تصل إلى 20 ألف دولار سنوياً عن كل شاشة طرفية – لمجرد أن يتمتع صحافيوها بالتفوق على زملائهم بخصوص بعض المواضيع.
وتعتبر شركات المعلومات مثل ''بلومبيرج'' وجوجل وفيسبوك من أنجح الأعمال في عصر الإنترنت (من الأمور التي تدل على بصيرة ''بلومبيرج'' أنه أنشأ شركة متخصصة فقط في الأعمال الرقمية قبل أن يتم حتى اختراع برنامج التصفح). وتتمتع هذه الشركات بنمو سريع وهوامش عالية، ويعود بعض السبب في ذلك إلى أن زبائنها يزودونها بالمعلومات.
وهناك دائماً إغراء باستغلال هذه الميزة – في حالة فيسبوك، من خلال تخفيف قواعد الخصوصية لبيع الإعلانات. وصعوبة ''بلومبيرج'' هي أن زبائنها أقوى وأشد وأفضل تنظيماً من زبائن ''فيسبوك'' أو ''جوجل'' ويدفعون مبالغ ضخمة مقابل خدمتها. وبإمكانهم الرد بصورة مؤلمة.
وهذا لا يعني فقط أن تقوم المصارف المركزية مثل بنك إنجلترا بوصف زلة ''بلومبيرج'' بأنها ''أمر ذميم''. من الممكن أن يعني ذلك أن تقرر المصارف ومديري الصناديق، التي يدفع بعضها رسوماً إلى ''بلومبيرج'' تبلغ 100 مليون دولار سنوياً، أنها لا تثق بـ ''بلومبيرج'' بالقدر الذي كانت عليه من قبل.
وبإمكانهم التحول إلى شركات منافسة، مثل تومسون رويترز، أو أن يقوموا بذلك بأنفسهم – بمعنى إنشاء شبكات خاصة بهم لخدمات الرسائل الفورية والتسعير والبيانات، مثلما سبق لهم أن أنشأوا منصات تداول ''معتمة'' للتنافس مع البورصات. وقد وضعت الإنترنت هذه التكنولوجيا بين أيديهم.
ليست لدى ''بلومبيرج'' خبرة كبيرة في لعب دور الدفاع لأنها أمضت معظم حياتها في الهجوم، متفوقة على الشركات المنافسة من خلال ''طريقة بلومبيرج'' والتوسع في مجال الأخبار والتلفزيون والمجلات. (هناك تكهنات بأنها تريد شراء ''فاينانشال تايمز'' أو ''نيويورك تايمز'').
واستغرق الأمر ثلاث محاولات لإعطاء استجابة سليمة، حيث قامت أخيراً بتعبئة شاشات التداول باعتذار من دان دكتوروف، الرئيس التنفيذي للشركة. وهي غير معتادة على الاعتذار، ومثل شركات التكنولوجيا الأخرى أدى نجاحها إلى شعورها بالغطرسة – بمعنى أنه يغلب عليها أن تظن أنها مدركة أكثر من غيرها لما هو صحيح.
ويقول أحد التنفيذيين السابقين في ''بلومبيرج'': ''إن هيكلها يشبه طائفة دينية كل أفرادها يؤمنون بمذهب الطائفة. هناك درجة كبيرة من الإحساس بالصلاح وكأن الصحافة لا يمكن القيام بها إلا بطريقة ''بلومبيرج'' إلى درجة أنني فوجئتُ من عدم التبصر في الشركة على هذا النطاق الواسع''.
ولم يكن لدى المراسلين اطلاع واسع على المعلومات السرية، لكن كان بمقدورهم رؤية بيانات المشترك، والبيانات التي تدل على عدد المرات التي قام فيها، مثلا، بمراجعة صفحة خاصة بعقود التأمين على السندات ضد الإعسار. هذا النوع من المعلومات يمكن أن يشير إلى إمكانية أن أحد مديري الصناديق مهتم بصورة خاصة بإحدى الأسواق المالية.
وهذا سوء استخدام واضح لبيانات الزبائن في ''بلومبيرج'' إلى درجة أن من الصعب معرفة ماذا كان يدور في بالها وهي تقوم بذلك. وهناك بعض الدلائل في ''طريقة ''بلومبيرج''''، وهو كتيب ونكلر إلى المراسلين، الذي يشرح طريقته في التعامل مع الأخبار، التي تقوم على بذل جهد لا يكل ولا يمل، والتوجه نحو التفاصيل، والتركيز على الخبر الأساسي دون تزويق.
وكتب ونكلر: ''الجمع الدائم للخيوط – أي التفاصيل حول الناس والشركات والأسواق والصناعات – أمر أساسي. أفضل المراسلين هم الذين يبذلون كل جهد للحصول على جميع أنواع الحقائق. ينبغي أن يعرف المراسلون أخبار أهم المؤسسات وأهم الأشخاص قبل أن يحصل عليها صحافيون آخرون، وأن يجمعوا الملفات والقوائم عن كل واحد منهم''.
من الناحية المهنية، من الصعب المجادلة مع هذا، وقد مكنت هذه التعليمات ''بلومبيرج'' من إنشاء آلة شرهة لتجميع البيانات. لكن وضع هذه الآلة بالقرب من كنز دفين من البيانات السرية أشبه بالبحث عن المتاعب. ويقول تنفيذي في وول ستريت: ''هذا أشبه بأن تقول لطفل في الرابعة من عمره إياك أن تقرب الحلوى، ثم تترك علبة الحلوى مفتوحة''.
وفي غالب الأحيان كانت مصارف وول ستريت تخفق في فرض حواجز متينة بين الأقسام المختلفة فيها، التي تشتمل على معلومات خاصة، وبين الأقسام التي تختص بالتداولات العامة. ونتيجة لذلك عانت المصارف فضائح حول أبحاث الأسهم والتداولات استناداً إلى معلومات داخلية. وحين كان البنك يتعرض لفضيحة، كانت ''بلومبيرج'' تنشر الأخبار حولها بلا خوف. والآن ربما تعاقب المصارف ''بلومبيرج'' على خطئها.
ومع احترامي لمهنتي، الأخبار لا تهم ''بلومبيرج'' كثيراً بالمقارنة مع البيانات المالية. والأخبار لها بريق – فهي التي أبرزت ''بلومبيرج'' أمام أنظار الجمهور وأعطت مؤسس الشركة صورة أطلقت حياته المهنية السياسية. لكنها في نهاية المطاف مركز تكاليف أكثر من كونها منتِجاً للإيرادات، ويمكن بكل سهولة تحجيمها. والموضوع الأهم هو ما يحدث لبيانات ''بلومبيرج'' وتحليلاتها وأعمال التداولات نتيجة لذلك. وحتى الآن لم تواجه تحدياً مماثلاً. فقد أرست لنفسها سمعة جيدة تقوم على الكفاءة والتركيز، وكان المتداولون يطالبون بالعمل على شاشاتها بدلاً من الصناديق التي تزودها الشركات الأخرى.
وكان مديرو المصارف والصناديق يحبون حماسها وطموحها، وتحملوا رسومها الشهرية القاسية، لأنها كانت أفضل من الشركات المنافسة في عملها. وهذا الخطأ سيدفعهم إلى إلقاء نظرة أخرى بخصوص ما إذا كانت العلاقة جديرة فعلاً بالاحتفاظ بها.
ولن يكون من الصعب عليهم وضع قيود على كمية البيانات التي يتشاركون بها – كما تفعل كثير من المصارف المركزية. وبعض شركات الوساطة تزود ''بلومبيرج'' بمعلومات خاصة عن السندات والمشتقات حتى تقوم هي بتحليل الأسعار. وبإمكان هذه الشركات بدلاً من ذلك استخدام شركة منافسة أو تقوم هي بتشكيل بياناتها المشتركة الخاصة.
ومن عدة جوانب، أظهرت ''بلومبيرج'' استقلالاً صحافياً يدعو إلى الإعجاب، عن المصارف التي تتقاضى منها رسوماً مقابل شاشاتها الطرفية وتعتمد عليها من أجل البيانات. لكنها لا تستطيع الاعتماد على حسن نيتها.
تعليقات