حقيقة المشكلة الإسكانية بقلم د. عبد العزيز الغدير
الاقتصاد الآنإبريل 24, 2013, 4:37 م 1104 مشاهدات 0
هل تعيش المملكة كارثة أم أزمة أو مشكلة إسكانية؟ أم أنه لا توجد مشكلة إسكانية من الأساس؟ وإذا كان لدينا مشكلة إسكانية فما طبيعتها؟ هل تتمثل هذه المشكلة في عدم تملك المسكن الملائم في الوقت المناسب من العمر؟ أم أنها تتمثل في عدم تملك المسكن الحُلُم في مقتبل العمر؟ أم أن المسكن لا يرتبط بأبعاده الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والصحية والأمنية والبيئية والاستدلالية، إذ لا يتعدى كونه مأوى أو مستودعا بشريا تجاوره مستودعات أخرى في موقع غير واضح العنوان؟
المختصون والعاملون في القطاع العقاري الذين يجمعون بين العلم الأكاديمي والممارسة المهنية يقولون إن بلادنا لا تعاني كارثة أو أزمة إسكانية بتاتاً فكل ما في الأمر مشكلة إسكانية تتمحور في زاوية ضيقة في نقطتين أساسيتين هما ''القدرة الشرائية، ثقافة القبول الإسكانية'' إذ يقول هؤلاء إن المطورين العقاريين في المملكة يتمتعون بقدرات إنتاجية مذهلة جعلت المعروض من الوحدات السكنية بكل أنواعها دائماً أكثر من المطلوب وهناك فرق بين الحاجة والطلب إذ إن الطلب لا يكون إلا إذا اجتمعت الحاجة والقدرة الشرائية والقبول بالمسكن الملائم لحجم الأسرة والدخل الاقتصادي.
ويضيف هؤلاء أنه لا يوجد مواطنون لا يجدون مسكنا، وكل ما في المشكلة أن الإيجارات بدأت تلتهم أكثر من 30 في المائة من دخل رب الأسرة الشهري وهي النسبة المعيارية دوليا لتكاليف الإسكان بالنسبة للدخل الشهري، وهذا يترتب عليه انخفاض وضيق في مستوى معيشة المواطن، ودون أدنى شك ونتيجة للترابط الاجتماعي عالجت كثيراً من الأسر هذه المشكلة بالسكن الجماعي حيث يقسم المنزل إلى شقق منفصلة عند بنائه بالتكافل بين أفراد الأسرة كافة، كما يؤكد هؤلاء أن البيانات التي توضح نسبة تملك المواطنين للمساكن غير دقيقة لأسباب عديدة أثناء القيام بعمليات الإحصاء، حيث كثيراً ما يملك البعض منزلاً في مدينة غير المنزل المؤجر في المدينة التي تم إحصاؤهم فيها، وبالتالي يجب أن تتم مراجعة هذه البيانات من خلال مصدر أكثر دقة.
ويؤكد من التقيت بهم من الضالعين في العقار فهماً وممارسة أن سبب ضعف القدرة على شراء المساكن أو التهام الإيجار نسبة أكثر من 30 في المائة من الدخل الشهري لا تعود لارتفاع أسعار العقارات التي من الطبيعي أن ترتفع بارتفاع أسعار النفط التي تضاعفت نحو ثمانية إلى تسعة أضعاف منذ عام 2000، وتوافر السيولة الهائلة في البلاد هذا من ناحية، ونتيجة لطباعة أمريكا كميات هائلة من الدولار لمواجهة أزمتها المالية وما ترتب عليه من تضخم وانخفاض القوة الشرائية للدولار، وبالتالي الريال المرتبط به وهو ما انعكس أيضاً على سوق المواد الغذائية التي ترتفع أسعارها بشكل مخيف إضافة إلى قطاع السيارات وقطع غيارها وخدمات إصلاحها.
وبالتالي يقول هؤلاء إن ضعف القوة الشرائية لشراء المسكن وارتفاع نسبة الإيجار من الدخل الشهري يعودان لعدم قدرة الدولة على زيادة رواتب الموظفين بما يتناسب وارتفاع أسعار النفط وزيادة مدخولات الدولة كما فعلت في الطفرة الاقتصادية الأولى التي شهدت تضخمات هائلة إلا أن زيادة الرواتب خففت وطأتها ولم يشعر بها المواطن، بل كان سعيداً جداً بالزيادات وارتفاع مستوى معيشته.
ومن أغرب ما سمعت من هؤلاء العقاريين - وهو أمر محزن - أن المشكلة الإسكانية الحقيقية في المملكة تتمثل في عدم ارتباط الإسكان في المملكة بجميع أبعاده المهمة والحيوية، حيث تغيب عن المخططات الإسكانية الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية والصحية والبيئية، بل وحتى الاستدلالية ''سهولة العنوان''، حيث لا تعزز تكاليف امتلاك المنزل مثابرة الموظف للارتقاء في السلم الوظيفي جنباً إلى جنب في سلم المساكن ''شقة، دبلوكس، فيلا'' ولا يرتبط الإسكان بمرحلتي الادخار والاستثمار اللتين تتطلبهما ظروف حياة كل مواطن العمرية، كما أن المساكن لا تحقق الخصوصية التي تدعم الجانب الأمني، إضافة إلى أن الأحياء تتطور جزئيا على سنوات تمتد لأكثر من أربعة عقود، حيث العمالة والمعدات تجوب الحي، كما أن المخططات الشبكية والردميات وغياب الأرصفة أضعفت الجانب البيئي والصحي والاجتماعي، وقائمة العيوب تطول وتطول حتى قال أحدهم مساكننا أقرب إلى أن تكون مستودعات بشرية لا أحياء سكنية.
الدولة ومن خلال كل مؤسساتها الحكومية ومن خلال قراراتها المتعددة، تسير في الطريق السليم من جهة تعزيز قدرات المواطنين الشرائية بشكل عام، ومن خلال تعزيز قدرتهم الشرائية للمساكن بشكل خاص. والمواطن أصبح يعي أنه لا يوجد شيء اسمه مسكن العمر بل إن هناك مساكن متعددة لكل مرحلة من حياته تناسب دخله وعدد أفراد أسرته، وبدأ يقبل على الشقق في بداية حياته العملية والزوجية ثم ما إن تتوافر له الإمكانات حتى يبيع شقته بسعر أعلى مما اشتراها به لينتقل إلى مسكن ملائم آخر، وبكل تأكيد ما إن يقل عدد أفراد أسرته مرة أخرى نتيجة الزواج، سيبيع المنزل الكبير ويعود لشقة صغيرة تناسب عدد أفراد أسرته ليستثمر منزله الكبير وهكذا، وهذه هي الرأسمالية تفرض نفسها على الجميع من جهة الادخار والاستثمار ومن جهة الإنتاج والاستهلاك والعادات والتقاليد والمقبول والمرفوض.
ختاماً، لا شك أن توفير الأرض المطورة مع القرض للمواطن سيرفع من قدرته الشرائية وقدرته على تملك المسكن الملائم في الوقت المناسب من العمر ولكن بكل تأكيد سياسات صندوق التنمية العقاري الإقراضية الجديدة وتطبيق أنظمة التمويل الخمسة ستعزز قدرات المواطن بشكل أكبر لشراء المسكن في مقتبل العمر، والأمل كل الأمل أن تلتفت البلديات لمعالجة عيوب الأحياء السكنية الحالية ليتمكن المواطنون من السكن في أحياء سكنية تأخذ جميع الأبعاد المهمة بعين الاعتبار وتعالج العيوب الحالية في الأحياء القائمة.
تعليقات