مصارف قبرص وكرم الحلول بقلم زياد محمد الغامدي
الاقتصاد الآنإبريل 18, 2013, 1:43 م 687 مشاهدات 0
تعددت الخيارات المطروحة لحل أزمة المصارف القبرصية، إلا أن الحل الأخير الذي تمت الموافقة عليه، والذي لا يلزم عرضه على البرلمان، يمثل خيارًا ممتازًا لحل أزمة المصارف في الجزيرة الصغيرة التي يعيش كثير من سكانها بلا كهرباء، والتي يبلغ حجم القطاع المصرفي فيه سبعة أضعاف الناتج المحلي، والتي تعتبر مرتعًا خصبًا للروس الذين لديهم الكثير من الأموال غير المشروعة للتخبئة. ودون الدخول في التفاصيل، سيتم حل 'مصرف لايكي'، وهو ثاني أكبر مقرض في قبرص، ومن ثم نقل أصوله الجيدة وودائعه المضمونة ودمجها في مصرف قبرص. أما الأصول المسمومة والودائع غير المضمونة، فسيتم نقلها إلى مصرف آخر ليتم التعامل معها وفق طبيعة هذه الأصول. ومن المتوقع أن يتحمل أصحاب الودائع غير المضمونة خسائر تبلغ 40 في المائة، على أن يستردوا المتبقي على فترات متفاوتة تحدد لاحقًا. وعند النظر في الحل الأخير المتفق عليه، لملف المصارف القبرصية نجد أن الحل الأوروبي بقيادة ألمانيا كان كريمًا للغاية، فالودائع غير المضمونة، نظريًّا، غير خاضعة للحماية من التلاشي والاختفاء، وتعويض أصحاب هذه الودائع ولو بشكل رمزي يجب أن يُقرأ على أنه دعم إيجابي، وليس سابقة سلبية كما يعتقد الكثير من المتخصصين والمهتمين بالشأن الاقتصادي.
يتحمل المودع مسؤولية اختيار المصرف، والمصارف بطبيعة الأحوال مثل أي شركة تجارية أخرى، منها الممتاز ومنها الجيد ومنها ما دون ذلك. وتجتهد المصارف في نيل درجات عالية للتصنيف. وذلك بالحرص على جودة القروض والاحتياطات والملاءة المالية واتباع التشريعات المحلية والدولية وغيرها من المعايير المصرفية المعروفة. فحرية إيداع المال في أي مصرف في العالم تقابلها تحمل المسؤولية والمخاطر الناتجة عن نجاح المصرف أو فشله. وعادة ما يكون هناك حد أدنى من الضمان تقدمه الدول للمودعين في مصارفها، ولكن أي مبلغ يفوق ذلك فتلك مسؤولية المودع نفسه. وعند البحث في الحالة القبرصية نجد أن تصنيف المصارف هناك من الأسوأ على الإطلاق، والحسنة الوحيدة لمصارف الجزيرة القبرصية وجودها ضمن الاتحاد الأوروبي. وحتى وجودها في الاتحاد الأوروبي ما زال محل شك وكالة موديز وستاندرد آند بورز. وإذا كان هذا هو وضع المصارف في هذه الجزيرة، فما الذي يبرر الهوس الروسي في الإيداع في هذه الجزيرة حتى بلغت ودائع الروس نحو 40 في المائة من مجمل ودائع قبرص، وطبعا تأتي ودائع جيرسي وجزر الكايمن في المراكز التي تليها.
إن التعويض الجزئي للودائع غير المضمونة في أزمة المصارف القبرصية مؤشر إيجابي يجب أن ينظر إليه على أنه دعم أعلى وأكثر من المتطلب القانوني المفروض في مثل هذه الأوضاع. وسواء كانت الأزمة عالمية أو أزمة قارة أو أزمة دولة، فعلى المودع أن يجتهد ويبحث في جودة المصرف الذي سيودع فيه أمواله، كما أن عليه النظر في تصنيف البلد السيادي لدولة المصرف. ولا أجد أي مبرر لمن يودع أمواله في مصرف سيئ التصنيف أو بلد ضعيف في القوانين والتشريعات. والقارة الأوروبية مليئة بالمصارف الممتازة التي لم تتأثر كثيرًا حتى في أوج الأزمة المالية العالمية التي مرت وما زلنا نعيش تبعاتها إلى الآن.
إن أزمة المصارف القبرصية يجب أن تكون درسًا للمودعين السعوديين والخليجيين في الخارج. فالحرص على تصنيف المصرف وسمعته وملاءته وإدارته وتاريخه مهم جدًّا، ويجب أن يأخذ الأولوية القصوى، كما أن الحرص على التصنيف السيادي لدولة المصرف لا يقل أهمية. والعالم كله مليء بالمصارف الممتازة الموجودة في دول قوية ومتقدمة التي لم تتأثر كثيرًا بالأزمة المالية. والحذر كل الحذر من الانجراف وراء المصارف بدافع سعر الفائدة العالي، أو بدافع معدلات الضرائب المنخفضة، ولنا في قبرص عِبْرَة لمن يعتبر. فالربح القليل الآمن خير من الكثير الخطر، وخصوصًا في ظل هذه الأزمة التي لم يشهد لها العالم مثيلًا، والتي لا يعرف أحد مدى حدود سلبياتها وآثارها.
تعليقات