البنوك المركزية الرئيسة في العالم. بقلم مارتن وولف
الاقتصاد الآنإبريل 18, 2013, 1:28 م 765 مشاهدات 0
لماذا لا تغرق البلدان ذات الدخل العالي ''مثل ألمانيا'' في أوحال الانكماش الاقتصادي؟ هو معضلة اليوم، وليس غياب التضخم المفرط، كما أخطأ أصحاب نوبات الهستيريا.
من الغريب أن التضخم يظل مستقراً إلى حد كبير، على الرغم من التراجع الهائل في الناتج، نسبة إلى الاتجاهات العامة التي كانت سائدة قبل الأزمة، على الرغم من استمرار النسبة العالية من البطالة.
من المهم أن نفهم السبب في كون الأوضاع على ما هي عليه، لأن الجواب يحدد الإجراء السليم الذي يجب اتخاذه في السياسة الاقتصادية، لحسن الحظ الأنباء جيدة. يبدو استقرار التضخم مكافأة على صدقية استهداف التضخم. وهذا يعطي صناع السياسة المجال للمخاطرة باتخاذ إجراءات توسعية. المثير للمفارقة أن نجاح استهداف التضخم يعمل على إنعاش مفهوم كينز حول الاستقرار في الاقتصاد الكلي.
في أحد الفصول في نشرة ''آفاق الاقتصاد العالمي'' من صندوق النقد الدولي، يعرض التقرير الحجة الداعية إلى هذه النتيجة المشجعة، كما لاحظ ذلك مجموعة من الأشخاص، ومنهم جافين ديفيس وبول كروجمان. نقطة البداية في الحجة تتعلق بالتشبث الذي يتسم به التضخم، على الرغم من الفترة الطويلة التي سادت فيها معدلات عالية للغاية من البطالة. وبالتالي يقول التقرير ''لقد وجدنا كلباً لم ينبح''.
هناك تفسير ممكن لهذه الظاهرة، وهو تفسير هيكلي. على سبيل المثال يجادل كثير من الناس بأن العاملين الذين فقدوا وظائفهم في قطاع الإنشاء وغيره من نشاطات عصر الفقاعات لديهم المهارات غير المناسبة، أو أنهم موجودون في الأماكن الخاطئة التي لا تصلح للدخول في وظائف جديدة يمكن أن تكون متاحة الآن، أو خلال فترة قريبة. لكن إذا سُمِح لمعدلات البطالة أن تظل عالية لفترة طويلة، فإن ما بدأ على صورة البطالة المؤقتة يرجح له أن يصبح ظاهرة دائمة، في الوقت الذي يفقد فيه العمال المهارات والشبكات التي تجعل من السهل عليهم نسبياً العثور على وظائف. لاحظ أن الركود العظيم استمر لفترة طويلة جعلت البطالة طويلة الأمد تصل إلى مستويات قياسية تقريباً. ويغلب على هذا كله أن يجعل التنافس ضعيفاً في أسواق العمل.
هناك تفسير آخر يبعث على التشجيع أكثر من ذلك. وهو يقوم على أن استهداف التضخم أدى إلى استقرار التوقعات، وبالتالي إلى استقرار سلوك سوق العمل. فضلاً عن ذلك، هذه الأهداف قريبة من الصفر. ونحن نعلم أن العمال يقاومون التخفيضات في الأجور الاسمية. وقد ظل هذا صحيحاً طيلة الركود العظيم، وهو في الواقع أحد الأسباب التي تفسر كون التعديل في منطقة اليورو مؤلماً للغاية. بالتالي، ولهذا السبب، سيكون التضخم عالقاً ملتصقاً بالاقتصاد، على الأقل في الاتجاه الهابط.
التحليل الأولي الذي يعطيه الفصل لهذه البدائل يتوصل إلى ثلاثة استنتاجات رئيسية، الأول هو أن ''التوقعات ملتصقة بصورة قوية بأهداف التضخم التي تضعها البنوك المركزية بدلاً من أن تتأثر بصورة خاصة بمستويات التضخم الحالية''. الثاني هو أن مدى التصاق التضخم المتوقع ازداد مع مرور الزمن، في حين تَراجَعَ أثر التضخم الحالي على التضخم المتوقع. أخيراً، العلاقة بين التضخم والمعدلات الحالية للبطالة تراجعت بالقدر نفسه. وقد أصبحت هذه العلاقة شبه معدومة بعد 1995، حيث شهدت فترة طويلة من التضخم المستقر على نحو ينسجم مع أهداف التضخم من البنوك المركزية.
إن العمل التفصيلي في التحليل الكمي للظواهر الاقتصادية يساند هذا التحليل المبدئي، لكنه يضيف إلى جانبه نقطتين. النقطة الأولى، وهي الأهم، تقول إن هناك في الوقت الحاضر نسبة لا يستهان بها من البطالة الدورية. النقطة الثانية الأقل أهمية هي أن أثر التضخم العالمي على التضخم في البلدان كل على حدة لم يُظهِر أي اتجاه عام واضح.
إن تحليل الوضع في الولايات المتحدة يكشف فحوى هذه التغيرات، إذا كانت العلاقة الحالية بين الدورة وبين التضخم تماثل العلاقة التي كانت سائدة في السبعينيات، فإن مستوى الأسعار في الولايات المتحدة سيكون في مسار هابط أصلاً. لحسن الحظ فإن هذه لم تكن هي الحال، وإلا فإن أسعار الفائدة الحقيقية ستكون الآن موجبة بصورة قوية وسيكون الانكماش في الميزانيات العمومية أكثر تهديداً لاستقرار الولايات المتحدة مما كانت عليه الحال. الأمر الباعث على التشجيع هو أن الخبرة المكتسبة أثناء فترة الطفرة الاقتصادية، أي قبل الأزمة المالية، تشير إلى أن تَشَبُّث التضخم لا يعمل فقط في اتجاه واحد. فقد ظل التضخم منسجماً كذلك مع الأهداف في ذلك الحين. وكان هذا صحيحاً بصورة ملحوظة في إسبانيا وبريطانيا.
هناك نتيجة نهائية مثيرة للاهتمام تبرز من التقابل بين أداء الولايات المتحدة وألمانيا في السبعينيات، أي حين رسخ البنك المركزي الألماني من سمعته. وهو لم يحقق هذا النجاح لأنه لم يرتكب أي أخطاء قط، وإنما لأن الناس صدقوا أنه سيقوم بما هو ضروري لتحقيق الهدف. من المؤكد أن استهداف التضخم يمكن أن يكون مرناً شريطة أن يظل متصفاً بالصدقية.
هذا عمل تحليلي مهم وله مضامين كبيرة بالنسبة للسياسة الاقتصادية:
أولاً، ربما لا تكون هناك أهمية كبيرة للأخطاء التي تُرتكَب عند تقدير درجة الركود الاقتصادي، وهي أخطاء لا يمكن تفاديها، شريطة أن يظل الناس واثقين من أن البنوك المركزية ملتزمة بأهدافها. وهذا هو أحد المنافع الكبيرة من وجود نسبة ثابتة على منحنى فيليبس (العلاقة بين البطالة الدورية والتضخم).
ثانياً، بالنظر إلى عوامل اللبس المحيطة بدرجة الركود وإخفاق التضخم في الاستجابة لحالات الركود الضخمة، فلا بد من ألا تعمل البنوك المركزية على تقييد أهدافها وقصرها على تحقيق أهداف التضخم. بل على العكس من ذلك، لأن واجبها حين يكون الركود عميقاً، وفي بعض البلدان يزداد سوءاً مع الأسف، هو أن تستهدف أعلى مستويات النشاط الاقتصادي على نحو ينسجم مع التضخم المستقر. حالات النجاح السابقة تعطيها ليس الفرصة فقط وإنما الالتزام في أن تخاطر بتوسع الطلب في أوقات يسودها الانكماش. لذلك أرجو أن يلاحظ المسؤولون عن إدارة البنك المركزي الأوروبي أن التضخم المتدني ليس كافياً. ثالثاً، في حين أن البنوك المركزية ينبغي عليها الاحتفاظ بأهداف التضخم في قلب أهدافها، إلا أن الخبرة أثبتت كذلك أن هذا ليس كافياً. فقد تبين خطأ الفكرة القائلة إن القيام بأعمال التنظيف بعد الفوضى المالية أسهل من تقييد الفقاعة الائتمانية. السؤال الوحيد هو كيف ينبغي أن يكون التصرف؟ من الواضح أن من المهم إنشاء نظام مالي أكثر متانة، من خلال معايير رأسمالية أعلى وسياسات نشطة حصيفة في الاقتصاد الكلي. لن يكون من السهل تطبيق أيٍّ من ذلك. على سبيل المثال، هناك فصل في التقرير المرافق بعنوان ''تقرير الاستقرار المالي العالمي'' يلقي الضوء على عوامل النقص الكامنة في السياسات الاقتصادية غير التقليدية التي دُفِعت البنوك المركزية إلى اتخاذها حين اقتربت أسعار الفائدة من الصفر. وفي حين أن تغيير أهداف التضخم سيكون في غاية الخطورة، فإن ما حدث يوحي بأن وجود معدل تضخم أعلى قليلاً ربما كان مفيداً. ومن المؤكد أن الخبرة تشير إلى أن السياسة النقدية ليست فعالة إلى هذا الحد، حين تكون وحدها، أثناء الركود والتراجع في الميزانية العمومية. لا بد من أن تُعزَّز السياسة النقدية بإعادة إنشاء سريعة للنظام المالي، ومسارعة القطاع الخاص إلى الاستعجال في التخلص من الرفع المالي، ورغبة في تطبيق التوازن في ميزانية المالية العامة من أجل مساندة الطلب، كلما كان ذلك ممكناً.
مع ذلك، وعلى الرغم من التهاون الذي كان سائداً في فترة ما قبل الأزمة، من الجيد أن نعلم أن أحد النجاحات الواضحة - وأعني بها تعزيز التوقعات التضخمية - أعطى صناع السياسة الاقتصادية مرونة كانوا بحاجة إليها، ولا بد لهم من استخدامها.
تعليقات