صناعة النفط عالقة بهيكل تكاليف مرتفع وعائد منخفض بقلم سيلفيا فايفر

الاقتصاد الآن

559 مشاهدات 0


 

السفينة بوب دوجلاس ستكون كياناً عملاقاً، وهي عبارة عن سفينة حفر تبلغ من الحجم مبلغاً يجعلها تحمل طائرتين مروحيتين، وقادرة على التماسك مع عشرة آلاف قدم من الماء، ويظل بمقدورها بعد ذلك أن تخترق قشرة الأرض إلى عمق 30 ألف قدم تحت الماء.

يجري بناء هذه السفينة في أولسان، حوض السفن التابع لشركة هيونداي للصناعات الثقيلة، الواقع عند الطرف الجنوبي الشرقي لشبه الجزيرة الكورية. وحين تبدأ السفينةُ العملَ في وقت متأخر هذا العام، فإن الشركة المالكة لها، وهي نوبل كوربوريشن، ستتقاضى رسماً يومياً مقداره 618 ألف دولار مقابل تأجيرها – وهو مبلغ يزيد على ضعف قيمة استئجار طائرة إيرباص 320 لمدة شهر.

هذه السفينة الجديدة أكثر تطوراً بكثير ومزودة بمعدات أفضل بكثير من سابقاتها، وهي نتيجة استثمار ضخم – من الممكن لتجهيز سفينة حفر تشتمل على أحدث تطورات التكنولوجيا وإنزالها إلى السوق أن يكلف أكثر من 600 مليون دولار. لكن قبل عشر سنوات فقط كان إيجار أفضل آلات الحفر في المناطق المغمورة يكلف ثلث المبلغ الذي ستتقاضاه ''نوبل''.

إن استكشاف النفط هو دائماً من الأمور المكلفة. ومع ذلك، حتى بالنسبة لصناعة اعتادت على ميزانيات رأسمالية بمليارات الدولارات، فإن التكاليف تتصاعد بمعدل مثير للقلق، كما يتبين من حالة السفينة بوب دوجلاس. وفي تحليل من مؤسسة بيرنشتاين لشركات النفط المتكاملة في أوروبا (الشركات التي تقوم بأعمال التنقيب والإنتاج والتكرير والتوزيع)، تبين أن تكاليفها ارتفعت في السنة الماضية بنسبة عالية بلغت 10 في المائة.

هذا التضخم ناتج عن التعقيد المتزايد لقطاع الطاقة. في الماضي كان استخراج النفط سهلاً في مثل سهولة وضع مصاصة في الرمل، وفي بلدان مثل السعودية والعراق لا تزال الأمور إلى حد كبير على هذا الحال.

لكن سيطرة البلدان على مواردها الطبيعية تعني أن الشرق الأوسط الآن يقع في معظمه خارج نطاق الشركات الغربية. فبعد أن سُدَّت في وجهها أبواب ''النفط السهل''، راحت تذهب إلى أطراف الأرض بحثاً عن بقايا الاحتياطي في العالم. وتستثمر شركات مثل بريتش بتروليوم ورويال دَتْش شِل وإكسون موبيل مليارات الدولارات لتحويل مادة القار إلى نفط اصطناعي، وتجميد الغاز الطبيعي ليصبح سائلاً قابلاً للتصدير. وهي تغامر في مياه القطب الشمالي البعيدة التي تنتشر فيها الجبال الجليدية، وتكتشف احتياطيات نفطية جديدة هائلة تحت طبقة سمكها كيلومتران من الملح قبالة ساحل البرازيل، وتعمل على ''تكسير'' طريقها خلال تكوينات ضخمة من النفط الصخري ''الحبيس'' من تكساس إلى نورث داكوتا.

ويقول كريستيان براون، الرئيس التنفيذي لشركة كينتز، المتخصصة في الهندسة والخدمات: ''تزداد المشاريع وتتوسع باستمرار في نطاقها وفي مسافاتها البعيدة''.

والتعقيد المتزايد لشركات النفط الكبرى يجعل الخام أعلى تكلفة من ذي قبل. وهذا، إضافة إلى الطلب المتزايد على النفط من بلدان الأسواق الناشئة في آسيا، جزء من السبب في ارتفاع سعر النفط أكثر من أربع مرات على مدى السنوات العشر الماضية، من 25 دولاراً للبرميل في 2002 إلى 110 دولارات في السنة الماضية. وهذا بدوره يعني أن أسعار البنزين المرتفعة لم يكن من شأنها إلا أن تعقد المشاكل الاقتصادية خلال السنوات الأربع السابقة.

لكن من أكثر العناصر المقلقة في ارتفاع التكاليف والتعقيد أن الشركات الكبرى تحصل مقابل استثماراتها على عوائد أقل بكثير من ذي قبل. ووفقاً لشركة شلومبيرجر، المختصة في خدمات النفط، ارتفع الإنفاق الرأسمالي السنوي للصناعة أكثر من ثلاثة أضعاف خلال السنوات العشر الماضية، ليصل إلى 550 مليار دولار في 2011. لكن كل هذه النفقات لا تعطي النتائج المرجوة. ووفقاً لبيرنشتاين، أخفقت شركات النفط الأوروبية الكبرى في السنة الماضية في العثور على كميات جديدة كافية من النفط والغاز للتعويض عن الكميات التي أنتجتها، وبالتالي أصبحت نسبة استبدال الاحتياطي 92 في المائة فقط.

والأمر الأكثر إثارة للقلق حتى من ذلك هو العجز الظاهر لدى شركات النفط الكبرى عن إنجاز الجيل الجديد من ''المشاريع الفائقة'' التي تكلف مليارات الدولارات في مواعيدها وضمن الميزانية المخصصة لها. وتشير دراسة حديثة من ''إندِبِنْدَنْت بروجِكْت أنالِسِسْ'' إلى أن مشاريع التنقيب والإنتاج الكبرى تشهد في المتوسط تأخيرا في التنفيذ بنسبة 22 في المائة وزيادة بنسبة 25 في المائة على الميزانية المخصصة لها.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك حقل كاشاغان الضخم في القسم التابع لكازاخستان من بحر قزوين. فقد أصبح أعلى مشروع لتطوير النفط من حيث التكاليف في العالم. واضطرت شركة إيني الإيطالية وشركاؤها إلى وضع جهاز الحفر على جزيرة اصطناعة أنشئت لهذا الغرض، لوقايته من أكوام الجليد الطافية الضخمة. كذلك اضطرت الشركات إلى تركيب أحدث المعدات لمكافحة غاز كبريتيد الهيدروجين المميت، الموجود في نفط كاشاغان. وتضخمت تكلفة المرحلة الأولى إلى 46 مليار دولار، أي أعلى ثلاث مرات على الأقل عما كان مقرراً له في الأصل.

ورغم المبالغ الهائلة التي يجري استثمارها، لا يوجد مقابل في إنتاج صناعة النفط الجديدة.

وخلال السنوات العشر الماضية، زادت أكبر سبع شركات للنفط والغاز في العالم من نفقات التطوير الرأسمالي لديها بنسبة 255 في المائة. لكن من حيث أرقام الإنتاج، فإن الشركات تعاني متاعب، كما يقول كلوديو ديسكالزي، كبير الإداريين التشغيليين في إيني. وفي العقد الماضي، كان معدل النمو المتوسط المركب ''صفراً من الناحية العملية''، على اعتبار أن معظم الإنتاج الجديد كان يُستخدَم للتعويض عن الاستنزاف الطبيعي لحقول النفط التي وصلت الذروة في الإنتاج.

ومن مصادر القلق الأخرى هناك العوائد على رأس المال المستخدَم. ويشير بحث تحليلي من ''بي إف سي إنيرجي'' إلى أنه على الرغم من ارتفاع أسعار النفط خلال السنوات الثلاث الماضية، إلا أن العائد على رأس المال المستخدم في التنقيب والإنتاج شهد تراجعا.

ويقول جيري كيبس، رئيس قسم ما بعد الإنتاج في شركة بي إف سي إنيرجي: ''الصناعة عالقة في هيكل تكاليف أعلى من ذي قبل. ويتعين على الشركات كذلك أن تنقب عن النفط في مناطق أصعب، مثل تكوين الطبقة الملحية في البرازيل. وإن طبيعة محافظ الموارد الجديدة للشركات أصابها تغير عجيب بين عامي 2005 و2010''.

كذلك يعاني عدد من الشركات التي تم تحليلها تراجعا في العوائد بعد ضخ استثمارات كبيرة في احتياطيات الغاز الصخري في أمريكا الشمالية. فقد أدت الاكتشافات على هذا الصعيد إلى إغراق السوق بالغاز، ما جعل أسعاره تهبط إلى أدنى مستوى لها منذ عشر سنوات.

وحتى عندما تنفق الشركات مليارات الدولارات بهدف الاستفادة من التخوم الجديدة، فليس هناك ما يضمن أنها ستنتج النفط. شركة شِل مثلاً، على الرغم من أنها استثمرت نحو خمسة مليارات دولار في حملة تنقيب عن النفط قبالة الساحل الشمالي لألاسكا، إلا أنها لم تكمل بئراً واحدة حتى الآن. ولأن الشركة غارقة في مشاكل تنظيمية، وتحديات قانونية، وتعطُّل المعدات، تعتزم الآن تعليق خطط الحفر هذا العام.

ويعتقد بعض التنفيذيين في صناعة النفط أن أحد الأسباب الرئيسية لفقدان القطاع السيطرة على التكاليف نابع من ميله إلى إسناد أجزاء مهمة من مراحل التطوير إلى مقاولين خارجيين لتنفيذها.

وهذا الاتجاه العام نابع من التغيرات التي ترددت أصداؤها في القطاع خلال الأعوام الـ 30 الماضية. ففي الأيام الأولى كانت الشركات قانعة بالجلوس على حقول النفط الضخمة في مناطق مثل بحر الشمال، التي لم تكن تتطلب كثيرا من الاهتمام. لكن مع تراجع الإنتاج من الحقول الكبيرة في التسعينيات، اضطرت الشركات إلى البدء في أعمال التنقيب من جديد وتحويل الحقول التي اكشفتها إلى مشاريع تطوير ضخمة من النوع الذي يتطلب قوة عاملة هندسية على نطاق هائل، لكن لم تعد لديها المهارات اللازمة.

ويقول أحد كبار التنفيذيين في إحدى شركات النفط الكبرى: ''كل ما كنتَ تقوم به هو تقليص التكاليف وتحسين الكفاءة الإنتاجية، ثم فجأة تجد أن عليك أن تصبح مديراً لمشروع، وهو أمر يتعلق إلى حد كبير بالإنشاء ولا علاقة به بالمواد الهيدروكربونية''.

ومن منطلق إدراكها لهذه الحقيقة، تحول كثير من الشركات إلى مقاولين خارجيين لتنفيذ أجزاء من الأعمال الهندسية والتوريد والإنشاء. ومع مرور الوقت ازدادت التعهدات الخارجية، وكان هذا في الغالب يؤدي إلى إنهاك موظفيها.

ويقول التنفيذي الكبير: ''لديك مجموعة صغيرة تشرف على إدارة شركة مقاولات كبيرة، وكل ما تريده هو إنجاز العمل، وإنهاء الجدول المقرر، والحصول على المواد الهيدروكربونية (...) ثم تجد أنك قد تجاوزت الميزانية المقررة لأنك لم تكن قادراً على إدارة شركة المقاولات بكفاءة''.

وكانت شِل إحدى الشركات التي عانت بهذه الطريقة، حيث شهدت ارتفاعات حادة في الميزانية في مشاريع مثل مشروعها الضخم في سخالين للغاز الطبيعي المسال، في أقصى القسم الشرقي من روسيا، ومعمل بيرل لتحويل الغاز إلى سوائل في قطر.

كذلك تعمل التوقعات غير الواقعية والتخطيط الرديء على عرقلة القطاع. ووفقاً لـ ''إندبندنت بروجِكت أنالِسِس''، فإن ''التوجه نحو سرعة لا يمكن الحصول عليها في النفط تعمل على إحداث الشلل في الصناعة. وهذا يدفع بالتكاليف إلى الأعلى بمقدار عشرات المليارات من الدولارات في النفقات الرأسمالية سنوياً، ويدفع إلى الأدنى في تحصيل القدرة الإنتاجية بعد تحقيق إخراج النفط''.

وبحسب ماثياس بيشسيل، رئيس قسم المشاريع والتكنولوجيا في شِل ''لا يوجد قاسم مشترك'' بالنسبة للزيادات غير المحسوبة في مجال التكاليف، مضيفاً أن شركة النفط الدولية الكبرى تعمل في العادة على ألف مشروع رأسمالي في أي سنة، وبالتالي المشاريع التي تعاني مشاكل يجب وضعها في سياق معين. ويقول إن المشكلة ليست في إعطاء المشاريع إلى مقاولين خارجيين، وإنما تتعلق ''بإدارة سلسلة التموين بصورة أكثر إحكاماً''.

وربما يكون سير الأمور شاقاً، لكن التنفيذيون يصرون على أن التكاليف ليست خارجة عن السيطرة، وأن الصناعة أكثر كفاءة بكثير مما كانت عليه قبل بضع سنوات فقط. ربما تكون هناك بعض ''البقع الساخنة'' في مجال التكاليف، كما هو الحال في أستراليا، لكن الشركات تصبح الآن أكثر حذراً حول المجالات التي تستثمر فيها.

ويعتقد بيشسيل أن الوضع اليوم لا يقارَن بالسنوات من 2005 إلى 2008، حين كانت تكلفة التضخم تقفز كالحصان وكان من الصعب التنبؤ بالمستويات المستقبلية. وتراجعت التكاليف مع الركود الاقتصادي، لكنها عادت الآن إلى المستويات التي كانت عليها قبل 2008، بسبب ارتفاع الطلب على الطاقة.

ومن المهم تماماً إبقاء القبضة محكمة على التكاليف في سلسلة التوريد. وأنشأت شِل قائمة تشتمل على نحو 200 مُوَرِّد وبائع مؤهل في البلدان ذات التكاليف المتدنية، مثل الصين والهند وروسيا والمكسيك. وآتت هذه الطريقة أكلها: حققت الشركة توفيراً في المتوسط بنسبة 20 إلى 25 في المائة في هذه البلدان.

كذلك وافقت الشركة على عقود طويلة الأجل مع مقاولي الحفر، يبلغ أجلها في المتوسط عشر سنوات، من أجل سفن الحفر في الأعماق البعيدة تحت الماء مقابل معدلات استئجار يومية أدنى بنسبة 10 في المائة من متوسط إيجارات الصناعة. إنها شراكة حقيقية، بل إن الشركات تتبادل الموظفين، لكنها ''لا تزيل مسؤولية الفرد وخضوعه للمساءلة''، بحسب بيشسيل.

ويقول بول سيجيل، رئيس شركة شيفرون لتكنولوجيا الطاقة، إن الشركة لديها عملية مهيكلة للتوريد، حيث تمارس ''سلطة شرائية هائلة'' للمساعدة على الحصول على اتفاقيات خدمة قياسية تولد توفيراً كبيراً في التكاليف وفي الوقت نفسه تأمين مسار من الإيرادات''.

وفي أستراليا، التي هي موطن عدد من أكبر تجاوزات التكاليف في مخصصات الميزانية، تقوم الصناعة الآن بجهود مكثفة لضبط التكاليف. ومن بين الأسباب الرئيسية في هذا المجال ارتفاع تكاليف اليد العاملة، بسبب النقص في العمال المهرة، وارتفاع سعر صرف الدولار الأسترالي، ما أدى إلى تضخم التكاليف في عدة مشاريع.

وتمضي الآن كل من ''شل'' و''إكسون موبيل'' قدُماً في خطط ترمي إلى إنتاج الغاز الطبيعي المسال من البحر باستخدام مرافق طافية – وهي خطة يمكن أن توفر مليارات الدولارات في تكاليف مشروع للغاز الطبيعي المسال. وستسمح هذه البرامج للمشغلين بإنتاج أجزاء لا يستهان بها من مكان آخر. وفي حين أن الشركات ستظل تستثمر على اليابسة وفي سلسلة التوريد المحلية على مدى حياة الإنتاج البالغة 25 عاماً للمشروع، فإن لديها الخيار في أن يتم إنشاء هيكل سفينة المنصة بصورة أرخص نوعاً ما.

ويشير سيجيل إلى استخدام التكنولوجيا من أجل تقليص التكاليف، وفي الوقت نفسه المساعدة في ''استخراج مزيد من النفط''. وفي المياه العميقة لخليج المكسيك تستخدم ''شيفرون'' تكنولوجيا جديدة تسمح لها بتوفير 50 يوماً من وقت جهاز الحفر على بئر واحدة. كذلك تمكنت الشركة من تقليص منحنى التراجع في الحقول إلى معدل يبلغ 4 في المائة بعد أن كان المعدل السنوي من الناحية التاريخية يقع بين 5 و6 في المائة.

وجميع هذه الأساليب يمكن، وتقوم بذلك فعلاً، أن يكون لها أثر كبير. لكن بيشسيل يقول: ''علينا أن ندرك كصناعة أنه قد ولى زمان النفط السهل والغاز السهل. نحن نتحرك الآن في اتجاهات أكثر تحدياً ويغلب عليها أن تعني أن التكاليف لكل برميل ستكون أعلى مما كانت عليه قبل عشر سنوات''.

الآن: فاينانشال تايمز

تعليقات

اكتب تعليقك